رياديات رغم الحرب... إبداع نسائي ينهض من تحت الركام

في ظل الحصار والدمار الذي يعيشه قطاع غزة، أقيم معرض "رياديات رغم الحرب" ليكون شاهداً على صمود النساء الفلسطينيات اللواتي يرفضن الاستسلام، ويواصلن النضال لإعادة بناء حياتهن ومواجهة الواقع القاسي.

نغم كراجة

غزة ـ وسط الظروف القاسية التي يعيشها قطاع غزة، أقيم معرض "رياديات رغم الحرب"، الذي جاء ليكون نقطة ضوء في ظلام المعاناة التي فرضتها الحرب الجارية.

انطلق معرض "رياديات رغم الحرب"، أمس الجمعة 13 أيلول/سبتمبر، الذي سيقام لمدة يومين، ليكون رسالة تحدٍ وإصرار للنساء الفلسطينيات اللواتي رفضن الاستسلام، ووسيلة لإحياء الأمل واستعادة القدرة على الإبداع والمشاركة في الحياة العامة.

وعلى هامش المعرض، أوضحت المسؤولة عن تنظيم المعرض مجدية مدوخ أن "النساء في غزة بحاجة ماسة لمثل هذه الأنشطة التي تمكنهن من التفاعل مع المجتمع والمشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية مجدداً، فالحرب لم تكتفِ بتدمير البنية التحتية والأحلام، بل أيضاً أدت إلى انعدام مصادر الدخل التي كانت تمثل شريان الحياة لهؤلاء النساء، اللواتي وجدن أنفسهن فجأة معيلات لأسرهن، حين غابت أدوار الرجال في توفير القوت بسبب سوء الوضع الاقتصادي في القطاع".

ولفتت إلى أن "النساء رفضن الاستسلام لهذا الواقع المرير، وأصرت كل واحدة منهن على مواصلة النضال من أجل تأمين احتياجاتها وتلبية متطلبات أسرتها".

وأكدت أنه "لا يمكن إخفاء قوة الأمل التي يحملها هذا المعرض في طياته فمع كل زاوية، ومع كل قصة نجاح، تثبت النساء الفلسطينيات أنهن قادرات على تجاوز الألم والدمار من أجل بناء مستقبل أفضل لهن ولأسرهن".

 

 

من جانبها قالت منار الشلاتوني، إحدى المشاركات في المعرض، التي سلطت الضوء على تجربتها الشخصية خلال الحرب الجارية، فبعد أن تدهورت أوضاعها المالية بشكل كبير، لجأت إلى بيع مستحضرات العناية بالبشرة وكل ما يتعلق بالمرأة لتوفير مصدر دخل يمكنها من مواجهة الظروف الصعبة "لقد بدأت مشروعي منذ ستة أشهر فقط، وأحاول توسيع نطاق عملي لتحسين دخلي، الحرب لم تعطينا فرصة للإبداع، لكننا كنساء فلسطينيات نصنع المستحيل حتى في أحلك الظروف ونبحث عن طرق لتحقيق الاكتفاء الذاتي"، وفي كلماتها التي تحمل في طياتها صموداً وعزيمة لا تنكسر تصر على أن تكمل مسيرتها رغم كل الصعاب.

 

 

أما جمانة الشوبكي التي عانت من تدمير مصدر دخلها الذي استمر بناءه لعشر سنوات خلال أشهر قليلة من الحرب، ومع ذلك، لم تستسلم للواقع المفروض، بل قررت العودة لصناعة دمى "الأمجرومي"، وإعادة بناء خط عملها من جديد، وتؤكد أن المعرض وفر لها فرصة ذهبية لعرض منتجاتها، حيث وجدت إقبالاً كبيراً من الزوار الذين أبدوا إعجابهم بالأعمال الدقيقة التي تستغرق أياماً في صناعتها "مشاركة النساء في مثل هذه المعارض هي فرصة للخروج من قوقعة الخوف والعزلة، والعودة إلى حياة الانخراط في العمل والإنتاج".

 

 

بدورها تقول الفنانة التشكيلية شهد محمد التي استخدمت الفن كوسيلة لتوصيل رسائل عن المعاناة والأمل في آن واحد، أنه من خلال اسكتشاتها استطاعت أن تعبر عن نضال المرأة الفلسطينية وصمودها المستمر "رسمت صورة تجسد المرأة الفلسطينية وهي تضع الكوفية على رأسها وهي رمز الثورة والنصر، كما قمت برسم اسكتش يعبر عن الطفل الذي جعلت منه الحرب أكبر من سنه وينزف دماً بدلاً من الدموع، هذه الأعمال لم تكن مجرد رسومات، بل كانت رسائل تعبر عن صمودنا ونضالنا".

إلى جانب الفن، كانت واحدة من الفتيات اللواتي استفدن من المعرض لتعزيز شعورهن بالاستقلالية، حيث خصصت زاوية لبيع الكتب والروايات، وبينت "في ظل غياب المؤسسات العلمية والعملية، أجد أن الكتب والروايات هي الاستثمار الأفضل للوقت".

 

 

فيما تعبر عبير فؤاد عن قوتها وقدرتها على النهوض مجدداً بعد صدمتها بتدمير روضة وحضانة الأطفال التي كانت تديرها، تلك المؤسسة التي كانت نتاج سنوات من الجهد والعمل، تحولت إلى حطام خلال دقائق بفعل الحرب، لكنها لم تسمح لتلك الصدمة بأن تكسرها، بل قررت تحويل تركيزها إلى مهاراتها اليدوية في التطريز، التي أصبحت مصدر فخر وقوة لها "رغم كل شيء، قررت أن أبدأ من جديد، فقد صنعت العديد من القطع الفنية المختلفة التي لاقت إعجاب الزوار، هذا النجاح منحني شعوراً بالاستمرارية وأن الحياة لا تتوقف عند الدمار".

هذه القصص ليست مجرد حكايات شخصية، بل هي انعكاس لقوة وإرادة المرأة الفلسطينية التي تصر على التحدي والابتكار رغم الظروف القاسية، واختيار اسم المعرض "رياديات رغم الحرب" لم يكن عشوائياً بل جاء ليعبر عن حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي أن النساء في غزة هن رائدات، رغم كل ما يمر بهن من الآلام وصعوبات، لقد اختير هذا الاسم بعناية ليكون تجسيداً للعزيمة والإصرار التي تتحلى بها هؤلاء النساء، واللواتي رفضن الرضوخ للواقع المرير.

والضيوف والزوار الذين حضروا المعرض أعربوا عن إعجابهم الكبير بالإبداع الذي تجسد في الأعمال المعروضة، كما أكدوا على أهمية دعم مثل هذه الفعاليات التي تتيح للنساء فرصة العودة إلى الساحة الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير منصات لعرض مواهبهن ومنتجاتهن.