قمع التقدّم... كيف يواجه النظام الإيراني التغيير الاجتماعي؟
الخوف من التغيير الاجتماعي والثقافي المتسارع أصبح سبباً لاعتماد سياسة "قمع التقدم" كبرنامج عمل لنظام إيران، حيث لا يكشف ذلك فقط عن ضعف النظام، بل عن حقيقة أن انتفاضة "Jin Jiyan Azadî"لا يزال يشعر بها كتهديد حي وجدي.

بيريفان شاهو
مركز الأخبار ـ بعد مقتل جينا أميني اندلعت انتفاضة "Jin Jiyan Azadî" لم تؤثر فقط في إيران، بل هزت الرأي العام العالمي، بوصفها انتفاضة اجتماعية سياسية، انطلقت من قلب السخط الشعبي، لكنها سرعان ما تحولت إلى رمز لنضال متعدد الأبعاد ضد النظام الأبوي والقمع السياسي وتفكك البُنى السلطوية واستعادة حق الحياة بكرامة دون سيطرة الدولة على الجسد والسلوك، وضمان الحرية من الهيمنة سواء على المستوى الفردي أو البُنى الاجتماعية والسياسية.
سنواتٌ من قمع النساء والسيطرة على أجسادهن وسلوكهن ولباسهن، إلى جانب التمييز القانوني والاجتماعي وغياب المشاركة السياسية، شكّلت بنيةً قمعيةً أدّت إلى انفجار اجتماعي كان لا بدّ منه، هذه المرة، لم تكن النساء مجرد ضحايا، بل تقدّمن الصفوف كمُحرّكات للاحتجاج، وملأن الشوارع بصدورٍ مرفوعة وإرادةٍ لا تُكسر.
جسدت أزمة بنيوية عميقة في المجتمع الإيراني
اندلاع انتفاضة "Jin Jiyan Azadî" لم يكن مجرد انتفاضة اجتماعية ضد الحجاب الإجباري، بل كان تعبيراً عن أزمة بنيوية متجذرة في المجتمع الإيراني، فمن خلال تسليط الضوء على محاورها الثلاثة "المرأة، الحياة، الحرية"، زعزعت الخطاب الرسمي للنظام الإيراني، حيث واجهت النساء النظام وأيديولوجيته الحاكمة، وتجاوزن الحدود الجندرية والقومية المفروضة عليهن.
في هذا السياق، لم يكن العنف ضد النساء مقتصراً على الأسرة أو الشارع، بل أصبح مؤسسة على مستوى بنية السلطة نفسها، الجسد، والإرادة، وحرية المرأة تحولت إلى رموز للمقاومة؛ وفي المقابل، أصبح القمع وسيلة سياسية لاستعادة السيطرة والهيمنة من قبل النظام، مما دفعه إلى نشر الخوف عبر الاعتقال، والتعذيب، وفرض عقوبات قاسية مثل السجن المؤبد والإعدام بحق المعارضين والمعارضات لسياساته القمعية والاستبدادية.
تشير الإحصاءات إلى أنه بعد الاحتجاجات الواسعة لانتفاضة Jin Jiyan Azadî"" في إيران، ارتفعت نسبة تنفيذ أحكام الإعدام بنسبة 75%، بحيث أنه خلال أول عامين بعد انطلاق الاحتجاجات، أي من 1 أيلول/سبتمبر 2022 حتى 15 أيلول/سبتمبر 2024، تم إعدام ما لا يقل عن 1425 شخصاً.
في الوقت نفسه، نشرت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في 28 آب/أغسطس من هذا العام تقريراً حول تنفيذ أحكام الإعدام في إيران، وأعربت عن قلقها من "الأسلوب المنهجي في استخدام عقوبة الإعدام كأداة للقمع وترهيب الدولة". وأعلنت أنه منذ بداية عام 2025 وحتى 28 آب/أغسطس من نفس العام، تم إعدام ما لا يقل عن 850 شخصاً في إيران، وفي شهر تموز/يوليو وحده، أعدم ما لا يقل عن 110 أشخاص، وأشارت إلى أن الأرقام الحقيقية قد تكون مختلفة وأكثر سوءاً.
ووفقاً للإحصاءات غير الرسمية، من 21 نيسان/أبريل 2007 حتى عام 2025، تم إعدام 295 امرأة، من بينهن 201 حالة إعدام جرت بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية، وبهذا، حتى شهر آب/أغسطس من هذا العام، تم إعدام 25 امرأة بتهم مختلفة.
وفي الوقت نفسه، هناك العديد من السجينات السياسيات مثل شريفة محمدي، بخشان عزيزي، ووريشة مرادي، صدرت بحقهن أحكام بالإعدام، ويواجهن خطر تنفيذ هذه الأحكام في أي لحظة، وبشكل عام، فإن السجناء الذين تم إعدامهم ينتمون إلى قوميات كردية، لورية، فارسية، بلوشية، عربية، جيلكية وتركمانية، وقد نُفّذ الجزء الأكبر من أحكام الإعدام بحق الكرد، الفرس، اللور والبلوش.
كذلك، خلال السنوات الأربع الماضية، تم اعتقال آلاف الأشخاص، وصدر بحقهم أحكام بالسجن، بحيث أنه في عام 2024 وحده، تم اعتقال ما لا يقل عن 514 مواطناً وناشطاً كردياً من قبل القوات الأمنية أو المؤسسات القضائية التابعة للنظام الإيراني في مدن مختلفة من شرق كردستان، كرماشان، إيلام، همدان، طهران وخراسان، لأسباب سياسية.
في هذا العام تم اعتقال آلاف الأشخاص
ومنذ بداية العام الحالي، تم اعتقال المئات بتهم أمنية، خاصة بعد الحرب التي دامت 12 يوماً بين طهران وتل أبيب، حيث تم اعتقال أكثر من 900 شخص بتهمة التعاون مع دول معادية لهذا النظام.
فقط في شهر آب/أغسطس من هذا العام، تم اعتقال ما يقارب 87 مواطناً، من بينهم 7 ناشطات نسويات، طفل واحد، 39 مواطناً كردياً، 21 مواطناً بلوشياً، وناشطان من الطائفة البهائية، من قبل القوات الأمنية التابعة للنظام الإيراني أو تم استدعاؤهم، وقد سُجلت أعلى حالات الاعتقال في محافظتي أورمية وسيستان وبلوشستان، بواقع 16 حالة.
أدى تصاعد انتفاضة Jin Jiyan Azadî"" إلى تقليص مظاهر العنف داخل المجتمع، لكن بعد قمعها من قبل النظام الإيراني، عادت وتيرة العنف ضد النساء إلى الارتفاع من جديد، ففي الفترة ما بين عامي 2022 و2025، قُتلت ما لا يقل عن 312 امرأة تحت ما يُعرف بجرائم "الشرف"، على يد أفراد من محيطهن القريب.
ارتفاع العنف الجسدي والنفسي بنسبة 50-60%
وبحسب تقارير منظمات حقوق الإنسان داخل إيران وشرق كردستان، فإن نسبة قتل النساء بعد الانتفاضة مقارنة بما قبلها ارتفعت بنحو 30-40%، بحيث أنه في عام 2024 وحده، قُتلت 191 امرأة، وفي شهر تموز/يوليو من هذا العام فقط، قُتلت 27 امرأة و9 أطفال. كما ازدادت حالات العنف الجسدي والنفسي داخل السجون بشكل ملحوظ بنسبة تتراوح بين 50-60%.
يمكن فهم العلاقة بين تصاعد العنف وانطلاق انتفاضة Jin Jiyan Azadî"" في شرق كردستان وإيران على أنها ردٌّ ممنهج من السلطة على التهديد الذي شكّلته هذه الانتفاضة على الخطاب الرسمي وبنية السلطة، وكذلك كردٍّ على القوة الاجتماعية والثقافية التي حملتها.
كذلك، فإن الخوف من تكرار هذه الانتفاضات والتغيير الاجتماعي والثقافي المتسارع، أصبح سبباً لاعتماد سياسة "قمع التقدم" كبرنامج عمل، حيث إن بدء وتكريس مظاهر العنف لا يكشف فقط عن ضعف النظام، بل يكشف أيضاً عن الحقيقة التي مفادها أن هذه الانتفاضة لا تزال تُشعر بها كتهديد حي وجدي، وتبقى حاضرة في ذاكرة وسلوك الناس، وكل موجة عنف جديدة تُعدّ دليلاً على استمرارها.