قلق من إلغاء الأجسام الوسيطة واستمرار التضييقات في تونس

يخشى الناشطون والناشطات في تونس من إلغاء الأجسام الوسيطة التي تعتبر صمّام أمان الحرية والديمقراطية وذلك بعد انطلاق حملة تجميد جمعيات مدنية تعمل في مجال الدفاع عن حقوق النساء والإنسان في خطوة غير مسبوقة.

زهور المشرقي

تونس ـ في غضون أسبوع فقط، علقت الحكومة التونسية نشاط الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمدة شهر بذريعة التدقيق المالي وتقديم كل الوثائق المطلوبة.

ما أثار اعتراض الجمعيات التي اعتبرت القرار ضرباً لعمل الجمعيات المحكوم بالمرسوم 88 الصادر عام 2011، والتي ينظم هذا القطاع، لكن جهات أخرى تقول إنه من الواجب القيام بخطوة التدقيق من التمويلات والمصادر في هذه الفترة الحساسة التي تعيشها البلاد والتي تعتبر استثنائية.

تقول السلطات في تونس إن التدقيق خطوة لازمة ومن لم تثبت ضده أي شبهات سيعود لعمله، ولا تعتبر أن تعليق الأنشطة من المضايقات على العمل المدني.

ويعبر الناشطين في تونس على القلق المتزايد مما يسمونه تضييقاً على الجمعيات والمجتمع المدني بشكل عام، ويرون في هذه الخطوات ضرباً للأجسام الوسيطة وإنهاء الكيانات التي تعتبر معارضة لسياسة السلطة الحالية ويربطها هؤلاء باحتجاجات قابس الأخيرة، ويرون أن القرار محاولة لتشتيت الرأي العام عن أزمة التلوث وجوهر المسائل الأخرى التي تتعلق بقوت التونسي وانهيار المقدرة الشرائية.

وللتذكير تنشط النساء الديمقراطيات منذ الثمانينات دون توقف فيما أنشئ المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية عام 2011 ويخصص جزءاً من عمله للدفاع عن الفلاحات والمهاجرات من أفريقيا جنوب الصحراء بتونس والعدالة البيئية.

 

إلغاء الهيئات الدستورية ضرب مبدأ الديمقراطية

وقالت المناضلة بمنظمة مساواة دليلة محفوظ، إنّ تونس تعيش هذه الفترة على وقع نسق متصاعد لانتهاكات الحقوق السياسية والمدنية والتضييق بشتى الأشكال القمعية على الحريات العامة والفردية، مستهدفة عبر المرسوم 54 حرية التعبير والإبداع والتنظيم الجمعياتي والنقابي والسياسي، واعتبرت أنّ مكسب الحريات الذي جاءت به النضالات والتضحيات يتعرض اليوم إلى التصفية حيث تستمر دائرة القمع في الاتساع لتشمل النشطاء من مختلف المجالات ومن القوى السياسية والجمعيات والمنظمات والنقابات، وقطاعات القضاء والإعلام والمحاماة والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني والمثقفين والمبدعين.

ولفتت إلى إلغاء الهيئات الدستورية والتعديلية ما ضرب مبدأ الديمقراطية وتلاه تركيع القضاء (المرسوم35) وتدجين الإدارة (المرسوم 96) وتوظيفها لمواجهة حق المعارضة في الممارسة النقدية والسياسية عبر الملاحقات القضائية والمضايقات والإيقافات الاعتباطية والتنكيل بالمعتقلين في السجون، وتنصيب المحاكمات الصورية التي تدوس أدنى الإجراءات القانونية وإصدارها لأحكام جائرة، علاوة على استمرار قمع الاحتجاجات الاجتماعيّة ومحاكمة المشاركين فيها ووضع اليد بالكامل على الإعلام وملاحقة روّاد الشبكة الاجتماعية والتّضييق على منظّمات المجتمع المدنيّ بدافع العداء لـ "الأجسام الوسيطة"، وآخرها الجمعيّة التونسيّة للنّساء الدّيمقراطيّات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية اللتان أوقف نشاطهما لمدّة شهر بعنوان "التّدقيق في تمويلاتها ووثائقها الماليّة" رغم تأكيد المنظمتين أنّهما وافيتا رئاسة الحكومة بردّ على جميع ملاحظاتها.

وعبرت عن تضامن "مساواة" مع الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، مطالبة السلطات باحترام مقتضيات المرسوم 88 لعام 2011 ورفع التجميد المسلط على الجمعية المذكورة، منددة بهذه الهجمة القوية على مختلف الجمعيات التي تعمل وفق تنظيم العمل الجمعياتي ولا تخالف القانون، لافتة إلى أن هذه المساعي هدفها وضع اليد بالكامل على الفضاء العام في تونس وضرب مكتسبات الثورة التي بفضلها تشكلت هذه الجمعيات.

وذكّرت ببداية ضرب الجمعيات مع تجميد جمعية أصوات نساء سابقاً لمدة شهر ثم تعليق عمل جمعية "منامتي" التي تهتم بملف المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس وكانت تديرها سعدية مصباح التي تقبع الآن وراء الأسوار بتهم التآمر على أمن الدولة وغسل الأموال وتهم أخرى خطيرة.

وأوضحت أن الهدف اليوم هي تصفية مكتسبات الثورة وعلى رأسها حرية التعبير والتنظيم والتظاهر، مشيرة إلى ان الحريات مكسب افتكته الشعب وقواه بالنضال، مشددة على أن العزم لازال مستمراً للوقوف صفاً واحداً ضد الاستبداد الشعبوي للدفاع عن مكتسبات الثورة والحريات العامة والفردية.

وخلصت إلى أنه على القوى الديمقراطية والتقدمية تكثيف النضال لإلغاء المراسيم التعسفية والقوانين التي تقوض الحرية وتضرب العمل الجمعياتي الحر.

 

تجميد أنشطة الجمعيات محاسبة على مواقف سياسية

بدورها قالت الناشطة الحقوقية والنسوية، جنين التليلي، إن الحملة التي تستهدف الجمعيات التي تحمي الحقوق والحريات وتعتبر صمّام أمان للديمقراطية بدأت منذ فترة لا يستهان بها، معتبرة أن تجميد نشاط الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يعتبر سابقة خطيرة بعد 36 سنة من النضال والنشاط حيث تجد نفسها بأبواب مغلقة أمام ضحايا العنف اللواتي تخصص لهن مراكز استماع وانصات وتوجيه ودعم نفسي ومعنوي وقانوني والإحاطة مع مختصات.

ولفتت إلى أن الضحايا ستجدن أنفسهن مدة شهر في الشارع دون سند سيما وأن توجههن للهيئات الرسمية والوزارات المعنية سيكون بطيئاً خاصة مع الاكتظاظ في مراكز الاستماع والإنصات، علماً وأن وزارة الأسرة والمرأة نفسها توجه الضحايا أحياناً إلى الجمعيات النسوية ومن ضمنها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات المعلق نشاطها الآن.

ونوهت إلى أن تجميد النشاط خطوة سياسية في إطار محاسبة الجمعيات التي تنقد السياسات العامة والسلطة ولديها مواقف واضحة هدفها الإصلاح لا غير ذلك، معتبرة أن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطية لن تتوقف عن العمل وسيستمر استقبال المعنفات ودعمهن، مذكرة بتجميد أنشطة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مدة شهر لنفس السبب وهو التدقيق المالي وقبلهما أصوات نساء وجمعيات أخرى.

ويأتي التجميد قبل أقل من شهر على انطلاق الأيام الأممية لمحاربة العنف ضد النساء الذي تخصص له الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات سنوياً برنامجاً متكاملاً في بلد بات وفق التقارير المحلية غير آمن للنساء نتيجة ارتفاع وتيرة العنف والقتل.