قانون أسرة يوحد ولا يقصي... مبادرة تمهد لتشريع إقليمي يشمل الجميع
في سياق تنامي الدعوات نحو إرساء قانون مدني موحد للأسرة في المنطقة، نظّمت جمعية اتحاد العمل النسائي ندوة صحفية في الدار البيضاء، بمشاركة قضاة ومحامين وخبراء قانونيين.

حنان حارت
المغرب ـ لا تزال النقاشات تتواصل في دول المغرب، ليبيا، تونس، لبنان والأردن وغيرها من الدول حول مشروع قانون موحد للأسرة، يروم تقنين العلاقات الأسرية على أسس عادلة، ومراجعة البُنى الثقافية التي ساهمت في تهميش النساء.
نظمت جمعية اتحاد العمل النسائي أمس الجمعة 13 حزيران/يونيو، ندوة صحفية بمدينة الدار البيضاء، في إطار سلسلة من اللقاءات التشاورية، حول مشروع مسودة قانون أسرة موحد لدول المنطقة، بحضور قضاة، محامين، وخبراء قانونيين.
وتأتي هذه الندوة وهي الثانية من نوعها، في سياق تنامي الدعوات نحو إرساء قانون مدني موحد للأسرة في المنطقة، ويستند إلى مبادئ المساواة والعدالة، ويأخذ بعين الاعتبار التنوع الديني والثقافي واللغوي الذي يميز المنطقة.
وركزت النقاشات على الإشكالات المرتبطة بمرجعية القانون المرتقب، هل سيتم تبنيه بناء على المرجعية الدينية كما هو معمول به في كثير من الدول، أم بناءً على مرجعية حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين؟ وتم التشديد على ضرورة تجاوز هذه الثنائية، نحو صياغة قانون مدني عصري، يراعي الواقع الاجتماعي ويستوعب خصوصيات كل بلد.
واستعرضت الندوة التجربة المغربية في إصلاح مدونة الأسرة، والتي مرت بتحول جذري عام 2004، عندما تم رفع القدسية عن نصوصها، ما فتح الباب أمام الاجتهاد القانوني.
وأشارت المشاركات إلى أن هذا التحول لم يكن ليحدث لولا نضالات الحركة النسائية، والدور الحاسم للمجتمع المدني، خاصةً من خلال أدوات مثل المحاكم الرمزية التي ينظمها اتحاد العمل النسائي، والتي لعبت دوراً مهماً في كشف الاختلالات وتوثيق شهادات النساء.
كما اعتبرت بعض مقتضيات المدونة المغربية، كإمكانية طلب المرأة الطلاق بدون إثبات الضرر، أو مبدأ الكد والسعاية، سابقة على المستوى الإقليمي، خاصةً في ظل استمرار العمل بالطلاق الشفهي في دول كمصر، رغم أن هذه الأخيرة كانت من أوائل الدول التي أصدرت قوانين للأحوال الشخصية.
ورغم ما تحقق اتفق المتدخلون والمتدخلات، على أن القانون وحده غير كاف لتحقيق العدالة، فالكثير من النصوص القانونية، مثل تمكين الأمهات العازبات من تسجيل أبنائهن، لا تزال تصطدم بعقليات محافظة داخل الإدارة، كما تم تسجيل غياب الميزانيات الكافية لتطبيق التشريعات وضعف التواصل المؤسساتي مع المواطنات، مما يحد من الولوج إلى الحقوق.
ولم تغب المقارنة مع دول أخرى، ففي السعودية مثلاً تم مؤخراً فرض إلزامية إعلام الزوجة بالطلاق، في حين لا تزال مصر تفتقر لتشريعات تخص تقسيم الممتلكات بعد الطلاق أو الوفاة، وهو ما دفع المشاركات والمشاركين إلى التأكيد على ضرورة تبادل الخبرات والتجارب بين دول المنطقة، والانفتاح على الفقه الشيعي، الذي يعتبر متقدماً نسبياً في بعض قضايا النساء.
وأكدت الندوة على أن القانون المدني الموحد للأسرة، لن يكون محصوراً داخل حدود الدول، بل سيشمل اللاجئين واللاجئات ما يمنحه بعداً إنسانياً أشمل ويجعله أداة لحماية الفئات الهشة في السياقات الهشة.
وفي هذا السياق، أكدت الناشطة الحقوقية وعضوة اتحاد العمل النسائي الزهرة الوردي، أن المشروع جاء ثمرة سنوات من العمل التشاركي في إطار شبكة "رؤى" التي تضم منظمات نسائية من المغرب، الأردن، مصر، وغيرها "النقاش الحالي هو تتويج لمسار بدأ من الميدان، من خلال رصد واقع النساء في المنطقة، وتجميع اقتراحات الفاعلين في القانون والمجتمع المدني، على أمل بلورة قانون يترجم هذا التراكم".
ولفتت إلى أن هذه المرحلة الجديدة من النقاش مخصصة للتفاعل مع القضاة والحقوقيين، من أجل إغناء المسودة الحالية، استعدادا للقاء إقليمي سينظم لاحقا، وسيعرض فيه الشكل المحين للمسودة.
وحول حماية النساء المهاجرات، لاسيما ضحايا الاتجار بالبشر أشارت إلى أن شبكة "رؤى" عملت منذ سنوات على هذا الملف، بالتنسيق مع اتحاد المرأة الأردنية، ومنظمات من مصر والمغرب، وقالت عن قصة النساء المغربيات العالقات في الخليج، اللواتي تم احتجاز جوازات سفرهن وتعرضن لانتهاكات خطيرة "إن التحركات الإقليمية، والدعم من بعض السفارات والبرلمانيات، أسفرت عن عودتهن إلى المغرب، وإعادة إدماجهن نفسياً واجتماعياً".
وأكدت أن هذا التنسيق أثمر لاحقاً عن اقتراح مسودة قانون لمناهضة الاتجار بالبشر في المغرب، بدعم من قطاعات حكومية متعددة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، توج بصدور قانون عام 2016، اعتبر ثمرة عمل جماعي وتشاركي بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
وفي معرض حديثها عن البعد الإنساني والإقليمي لمشروع القانون، شددت زهرة الوردي على أنه تم استحضار أوضاع النساء في مناطق النزاع، حيث تتقاطع انتهاكات حقوق الإنسان مع واقع الحرب والتهجير والقمع "لا يمكن الحديث عن قانون أسرة موحد في المنطقة دون الالتفات إلى السياقات الخاصة التي تعيشها النساء في مناطق النزاع، مثل سوريا، العراق، اليمن، وفلسطين، فهناك معاناة مضاعفة تتعرض لها النساء من جهة كنساء في مجتمعات ذكورية تعاني أصلا من هشاشة قانونية واجتماعية، ومن جهة أخرى كضحايا لحروب طويلة، للتهجير القسري، وللتضييق على حرياتهن كناشطات ومدافعات عن حقوق الإنسان".
وأضافت أن "منظمات نسائية من هذه الدول تشارك في صياغة مسودة القانون، وتحمل أصوات النساء اللواتي تكابدن يومياً أوضاعاً غير إنسانية في الميدان، من فقدان الأبناء والزوج، إلى النزوح القسري، إلى العيش في مخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، ناهيك عن الاستهداف المباشر للمدافعات والمناضلات، اللواتي تدفعن نحو المنفى أو تجبرن على الصمت خوفاً من الاعتقال أو الاغتيال".
وفي ختام الندوة، تم التأكيد على أن مشروع قانون الأسرة الموحد في المنطقة، ليس مجرد وثيقة قانونية بل رافعة لعدالة اجتماعية جديدة، من شأنها إنصاف النساء وإعادة الاعتبار للقانون كأداة لحماية الكرامة الإنسانية، بعيدا عن التوظيف الإيديولوجي.
هذا ومن المرتقب بعد استكمال الاستماع لملاحظات الفاعلين وتنقيح المسودة، أن تعرض على جامعة الدول العربية، إيذانا ببدء الترافع من أجل تبنيها.
وفي انتظار عقد اللقاء الإقليمي الختامي، تبقى الأسئلة الكبرى معلقة، هل ستنجح هذه المسودة في تجاوز تباين المرجعيات داخل دول المنطقة؟ وهل سيشكل هذا المشروع اللبنة الأولى لقانون إقليمي يوحد ولا يفرق، ينصف النساء ولا يقصيهن، ويمهد الطريق نحو مستقبل أكثر عدلاً وشمولاً في منطقة مثقلة بالتفاوتات القانونية والاجتماعية؟.