نساء منبج: علينا إحياء يوم المرأة في وجداننا إلى أن يأتي يوماً ونحييه علناً
اعتادت نساء مدينة منبج خلال ثمان سنوات الأخيرة الاحتفال بيوم المرأة العالمي، ولكن حل عليهن ربيع هذا العام خريفاً مع احتلال تركيا ومرتزقتها للمقاطعة الذين جعلوها نسخة أخرى من عفرين ورأس العين وتل أبيض.

سيلفا الإبراهيم
الحسكة ـ خلال ثمان سنوات كانت نساء مقاطعة منبج تحيين يوم الثامن من آذار عبر سلسلة من نشاطات وفعاليات تعرف بهذا اليوم، وعلى وجه الخصوص زيارة العاملات للمعامل كتقدير لجهودهن بإعطاء ورود لهن وتهنئتهن بهذا اليوم الذي أنطلق من المعامل.
كانت تستمر هذه النشاطات منذ أول يوم من شهر آذار حتى يوم الثامن من الشهر، ليختتم باحتفالية مركزية تتخللها العروض الفنية كمسرحيات وأغاني ورقصات تراثية مع عقد المشاركات لحلقات من الدبكة في لوحة تجسد التنوع الثقافي لمكونات المقاطعة المتناغم مع بعضها بأزيائهن الفلكلورية، ولكن آذار هذا العام بدا مختلفاً عن الأعوام السابقة بعد احتلال تركيا ومرتزقتها للمنطقة.
ورصدت وكالتنا العديد من النشاطات والفعاليات المتعلقة باليوم العالمي للمرأة في مقاطعة منبج، وشاركت مشاعر النساء وشغفهن بهذا اليوم خلال الاحتفالات التي كانت تعم المدينة، ولكن هذا العام تغطيتنا تختلف عن السنوات السابقة، بينما كنا نوثق بهجة النساء وزغاريدهن والشعارات التي يطلقنها كـ JIN JIYAN AZADî بيومهن العالمي، اليوم بات واقع منبج مختلفاً فالنساء يتخوفن حتى من مشاركة آرائهن والتعبير عن مشاعرهن بتسجيلاتٍ صوتية، لما تشهده منبج من انتهاكات واعتقالات تعسفية وخطف وقتل لكل من يرفع صوته عالياً ويتمرد على الاحتلال.
ولأن وكالتنا اعتادت أن تكون صوتاً لصمت النساء، شاركتنا نساء مدينة منبج آرائهن برسائل حول المرحلة التي تمر بها سوريا ومنبج خصوصاً مع اقتراب اليوم العالمي للمرأة، وحفاظاً على حياتهن وسلامتهن الأمنية لم يتم ذكر أسمائهن.
"بعد 8 سنوات من النضال عدنا إلى نقطة الصفر"
إحداهن (ر. ز) التي أوضحت أنه "خلال السنوات الثمانية الأخيرة تمتعت المرأة بالدور الأساسي في ريادة مجتمعها وإدارته، وكان لجميع المكونات دور في إدارة شؤون المقاطعة والمرأة العامود الأساسي فيها سواء اقتصادياً أو خدمياً وكذلك اجتماعياً وسياسياً" لافتةً إلى أنه "حتى على الصعيد الاجتماعي استطاعت المرأة كسر أغلال العادات والتقاليد وساهمت في توعية مجتمعها وتطويره".
واعتادت نساء مقاطعة منبج استقبال الثامن من آذار والسعادة تغمرهن بالنشاطات والفعاليات التي كانت تضيف على المقاطعة رونق ولون المرأة من الرسوم الجدارية والعبارات التي تحفز المرأة للمضي قدماً نحو تحقيق ذاتها، وكذلك الأشرطة الملونة في مداخل ومخارج وساحات المدينة، وحول ذلك قالت "في مثل هذه الأيام كنا نستعد لاستقبال شهر آذار لما فيه من مناسبات مهمة كاليوم العالمي للمرأة وعيد النوروز والذي يمثل تاريخنا الحافل بالنضال، كنا نزين المدينة بالرسم على الجداريات، والعديد من الأماكن في منبج شاهدة على السعادة التي تغمرنا، بالاحتفاليات التي تحتضن التنوع الثقافي في منبج بأهازيجها ورقصاتها التي تعبر عن جمال المقاطعة".
بينما هذا العام عاد السواد يحيط المدينة كما كان يحيطها إبان سيطرة داعش والذكريات التي تحتضر بذاكرة النساء، فمع اقتراب اليوم العالمي للمرأة يعتصر الألم قلوبهن وتعبر (ر. ز) عن حزنها قائلة "نتألم حينما نتذكر كيف كنا نستقبل هذا اليوم، ولكن الآن نحن حبيسات منازلنا وأحلامنا تقتل على يد الاحتلال التركي ومرتزقته، فنضالنا خلال 8 أعوام لنحسّن من واقع المرأة كي تكون في أماكن صنع القرار يعود إلى نقطة الصفر، اليوم مرتزقة الاحتلال التركي بالانتهاكات التي يمارسونها يعيدون النساء لتكن ربات بيوت لا أكثر، وبات المشهد وكأننا عدنا إلى زمن تطغى عليه الجاهلية والذي حول حياتنا إلى كابوس، فضلاً عن التشهير بسمعة النساء اللواتي كنُّ رياديات في خدمة مجتمعهن، عبر الألفاظ النابية وتهم تمس كرامتهن على مواقع التواصل الافتراضي".
وبينت أنه منذ احتلال مقاطعة منبج لا تتوفر فرص عمل ولا يتوفر الأمان، والأوضاع على جميع الأصعدة باتت مزرية ويرثى لها بينما يدعون أنها تحررت!
وعن رؤيتها وتطلعاتها لسوريا الجديدة علقت على تصريحات الحكومة المؤقتة التي قالت إنها "تدعي إنصاف المرأة ولكن معطيات الأرض الواقع لا تشير إلى ذلك ولا تبشر بالخير، خصوصاً أن من استلموا الحكم ينتهجون فكر جهادي عليهم أن يعلموا أن المرأة التي كانت مقدسة في بداية البشرية تستحق التقدير في هذه المرحلة ولا يليق بها إلا أن تكون الرائدة في سوريا الجديدة".
وتمنت أن يعود الأمان إلى منبج وتكون الإدارة الذاتية الديمقراطية النموذج الأمثل لسوريا الجديدة لتحصل فيها المرأة على حقوقها وتشارك في العملية السياسية والاقتصادية وكذلك الاجتماعية وتحتفل باليوم العالمي للمرأة كما كانت تحتفل فيه.
"لا يمكن أن تكون منبج المحتلة نموذج لسوريا المستقبل"
كذلك قالت (ز. ش) عن أهمية النظر إلى ما تتعرض له المرأة في مقاطعة منبج بعد احتلالها "المرأة ناضلت عبر التاريخ وتحدت انكساراتها وأثبتت وجودها وقدرتها في السنوات الأخيرة ولكن بعد أن أحرزت الإنجازات، تهمش دورها بشكل كلي من جميع الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية".
وترى بأن النساء تضررن اقتصادياً ونفسياً بحرمانهن من العمل فضلاً عن تعرضهن للقمع والسجن بين جدران منازلهن، محذرةً الجميع من أن "المرحلة الانتقالية قد تحمل بذور التحرر التاريخي لهذه البلاد بقدر ما تحمل خطر العودة لنقطة الصفر، فالتحرر يحتاج مشاركة كل فئات المجتمع لتقرير مصير البلاد وألا يكون ذلك من قبل السلطات التي فرضت نفسها بالقوى"، مشددةً على ضرورة إشراك المرأة في سوريا الجديدة وألا تكون منبج المحتلة نموذج لسوريا المستقبل لأن سوريا تستحق الحياة فلا حياة ونصف المجتمع في حالة رقاد.
وقارنت واقع المرأة حالياً بما كانت عليه سابقاً في منبج "إذا قارنا بين ما سبق والآن نرى الفرق شاسعاً إذ أن المرأة مغيبة بشكل كلي عن كل الساحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما يؤثر سلباً عليها وعلى المجتمع".
ومع حلول اليوم العالمي للمرأة قالت "لا ننسى ذلك اليوم، فاعتدنا أن نعبر عما بداخلنا، لذا يجب أن نحيّ المرأة ونمجد يومها في وجداننا إلى أن يأتي يوماً ونحييه علناً"، وتمنت الصبر لجميع النساء على ما أصابهن مؤكدة بأن النصر للحق دائماً.
وقد مرت مقاطعة منبج المحتلة، خلال الأزمة السورية بعدَة مراحل وأسوئها فترة سيطرة داعش، وخلالها تعرضت نساء منبج وجميع فئات المجتمع للانتهاكات بأبشع صورها، من قطع الرؤوس ورجم النساء وقطع الأطراف وفرض واقع التطرف على الأهالي، إلى أن ناشد أهالي منبج قوات سوريا الديمقراطية لتحريريهم، وتلبية لندائهم تم تشكيل مجلس منبج العسكري من أبناء مقاطعة منبج، وباشرت حملة التحرير بجانب قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة، وتحررت المدينة بعد تقديم تضحيات كبيرة من قبل القوات المحررة في 15 أب/أغسطس 2016.
"أجد نفسي في سجنٍ يقيدني من جديد"
تقول (ج. إ) من مقاطعة منبج المحتلة وهي تعبر عن مشاعرها عندما تحررت المقاطعة من سواد داعش "كما لو أنك ولدتَ من جديد...هكذا كانت مشاعري حين نلتُ حريتي أنا ومدينتي التي كانت خاضعة للإرهاب الأسود داعش، فالأيام الأولى ما بعد تحرير مدينة منبج كانت تشبه الربيع شعرتُ في كل ثانية أنني الآن أستطيع أن أفعل ما أريد"، مشيرةً إلى أنه "خسرتُ دراستي أثناء سيطرة داعش على المدينة كما أنني كنت مجبرة على المكوث في المنزل دون أن أمارس حقوقي كفتاة في شبابها تمتلك أحلاماً كثيرة، ولكن بعد التحرير وتحديداً في شهر آب انطلقتُ وانطلقتْ معي كل أحلامي، عدت للدراسة والتحقت بوظيفة تناسبني، وبدأت أمارس حقوقي وأنا بكامل حريتي، أصبحت المدينة جميلة أكثر من أي وقت مضى فلم يعد لونُ الحياة أسوداً، بل كانت الألوان تعم كل شوارعها وأزقتها، ثمانية أعوام في منبج كانت كافية لنهضة المدينة بشكل كبير، فقد باتت مقصداً لكل من كان يهرب من ألة الحرب والمعارك التي تشهدها المدن السورية، وكانت منبج الحضن الدافئ والآمن للجميع، فلم يعد الخوف والظلم موجودين".
وعن الآفاق التي فتحت لها بعد تحرير منبج من داعش قالت "مارستُ كل هواياتي وأحبُّها إليّ وكانت الكتابة والخوض في المجال الأدبي من خلال الالتحاق بفعاليات كثيرة نظمتها اتحادات الثقافة والفن في منبج، لم أشعر قط أنني مقيدةٌ بقوانين محددة".
وأما عن اليوم العالمي للمرأة قالت "خلال السنوات الـ 8 السابقة شاركت بندوات ومحاضرات والكثير من الفعاليات التي تخص المرأة، امتلكت حرية التعبير والنقاش وكذلك تبادل الآراء مع مختلف أطياف المجتمع في المدينة، بينما اليوم وبعد أشهر من سقوط نظام البعث الذي قلب موازين السياسية في المنطقة وانعكس على واقعنا، أجدُّ نفسي مجدداً في ماض يصعب تخطيه، كانت الثمانية أعوام من الحرية محطة عظيمة في حياتي تأبى ذاكرتي نسيانها وذاكرة جميع نساء المدينة بعد أن عادت من جديد للمعاناة والظلم والعنصرية وقمع الآراء".
وأضافت "اليوم لا فعاليات، لا ندوات، لا نقاشات، ولا حتى الثامن من آذار لأشارك فيه! فأجد نفسي من جديد في سجنٍ يقيدني من ممارسة حقوقي، كما أنه هنالك تخوف كبير من المستقبل المجهول لمنبج ولسوريا عامة".
وحول تطلعاتها لسورية الجديدة أكدت كسابقتها "باعتباري من النساء اللواتي يتطلعن لبناء وطن حر ديمقراطي أرى أن سوريا القادمة يجب تكون على نهج مدينتي في السنوات الثمانية السابقة، وأنني كامرأة مثقفة وكاتبة أحتاج مساحة أعمق كي أجد نفسي وأحقق ذاتي، وأن يكون لي الحق ببناء سوريا جديدة تحترم المرأة وتعطيها حقوقها على كافة الأصعدة، وأن يكون لكل امرأة سورية مكانٌ في سوريا المستقبل، أتطلعُ لوطنٍ يشبهُ فضاء مخيلتي، لا قيد له، ولا خوف فيه، أن نكون في وطنٍ للجميع، تُحترم فيه كل الآراء، وأن نبني جمهورية عظيمة ديمقراطية لا ظلم فيها ولا إرهاب".