نهضة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا... 'خلقنا لأنفسنا نموذجاً جديداً للحياة' (2)

نساء إقليم شمال وشرق سوريا ينظمن تحالفات مجتمعية نسائية لتوسيع نظامهن في عموم سوريا، بهدف ضمان الثورة وصياغة نماذج وخياراتهن الخاصة.

برجم جودي

كوباني ـ إذا حاول المرء المقارنة بين أوضاع نساء سوريا ونساء إقليم شمال وشرق سوريا، سيصطدم بالكثير من التباينات والقضايا المختلفة، فقبل ثورة 19 تموز، كانت أوضاع النساء متشابهة، وهذه الحقيقة تنطبق على جميع نساء الشرق الأوسط، فالمرأة كانت في مركز الهيمنة وسطوة السلطة الذكورية في نظام الحداثة الرأسمالية، ولهذا لم تكن للمكانة أهمية، لأن المرأة كانت تعيش تحت سيطرة نفس النظام.

على عكس نظيراتهن، استطاعت نساء إقليم شمال وشرق سوريا أن يحولن ثورة 19 تموز إلى ثورة نسائية، وفي الوقت ذاته، أنشأن نظاماً خاصاً بهن وكان لهن دور ريادي في بناء نموذج اجتماعي جديد، هذا الإنجاز تحقق على امتداد الأراضي السورية، رغم أنهن يعشن إلى جانب نساء أخريات يعانين أوضاعاً مختلفة تحت سيطرة نظام البعث.

مع انهيار نظام البعث، لم تحدث تغييرات جذرية تمكّن الإنسان، وخاصة المرأة، من كسر التبعية والقيود، وذلك لأن الحكومة السورية المؤقتة تسعى لإعادة إنتاج نظام مركزي جهادي لا يعترف بالتعدد الثقافي والوطني في سوريا، ولا يعترف بوجود المرأة حتى، ولهذا السبب، فإن نساء إقليم شمال وشرق سوريا، اللاتي يمتلكن خبرات في هذا المجال، قررن لعب دور في مستقبل المرأة والمجتمع السوري، من خلال دعوة جميع نساء سوريا للاندماج ضمن نظامهن.

في هذا السياق، وخلال وثيقة أعددناها، قيّمت عضوة هيئة التنسيق في مجلس مقاطعة الفرات بإقليم شمال وشرق سوريا مزكين خليل، الوضع في سوريا، وسلطت الضوء على مشاريعهن الموجهة للنساء السوريات.

 

"بعد سقوط نظام البعث رأت النساء شعلة من الحرية"

في بداية تقييمها، تحدثت مزكين خليل عن انهيار نظام البعث وعن تبعية النساء "المسار الذي تمر به سوريا بات واضحاً للجميع، لا سيما بعد كانون الثاني 2024، حيث جرت تغييرات كبيرة على مستوى القيادة في سوريا، فبعد 53 عاماً من السياسات القائمة على القمع والإقصاء والإنكار تجاه مكونات سوريا، تم إسقاط سلطة نظام البعث بالكامل، لذلك نقول إن سوريا دخلت مرحلة جديدة بعد 8 كانون الثاني، وفي هذه المرحلة، بدأت المكونات في البلاد بتحقيق أحلام تأسيس نظام يعترف بغنى سوريا القومي والثقافي".

ولفتت إلى أنه "مع هذا التحول في السلطة، ارتفعت آمال النساء في جميع أنحاء البلاد، وكما هو معروف، فإن الثورة هي على أساس مقاييس وأهداف تغيير الأنظمة الاستبدادية والسلطوية، وهي أيضاً بداية لاستعادة الحقوق الأساسية"، مضيفةً "النساء، اللواتي كنّ محرومات على مدى خمسة آلاف عام من حقهن في الوجود والحياة الحرة، يرفعن رؤوسهن اليوم لأنهن يشهدن بزوغ شعلة الحرية".

 

"مصير ومستقبل النساء السوريات في خطر"

أوضحت مزكين خليل أن الوعي الحالي في سوريا يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل ومصير النساء "للأسف، التغييرات في النظام السوري تحدث فقط على المستوى الفردي، بمعنى أن النظام يبقى كما هو، بل فقط الأشخاص ضمن السلطة المركزية يتم استبدالهم، حتى الآن نرى استمرار نظام قائم على اللون الواحد، واللغة الواحدة، والقومية الواحدة، كما أن رئاسة الدولة لا تزال حكراً على الرجال، بالإضافة إلى العديد من المسائل الأخرى".

وأضافت "وفقاً للتطورات والتحولات الجارية في سوريا، من الضروري توضيح وتقدير مستقبل وحقوق ووجود المرأة ضمن الدستور والسياسات العامة للبلاد، فالنظام الاستبدادي الذي حكم تحت مسمى البعث قد انهار، لكن سوريا انتقلت إلى نظام راديكالي جهادي، لذلك يجب أن نولي اهتماماً لتشكيل حكومة جديدة، وسنرى أن كل من يتم تمكينه لا يعترف بحرية المرأة أو نضالها ورؤيتها".

وأردفت "هناك أشخاص من أصحاب السلطة الجدد ارتكبوا جرائم حرب في إقليم شمال وشرق سوريا، وأيديهم ملطخة بدماء النساء وشعب سوريا، هم سبب انحراف مسار الثورة عن أهدافها، وفيما بعد، شُرع في ارتكاب مجازر بحق النساء والأطفال وأبناء الطائفتين العلوية والدرزية، ولهذا، فإن مصير النساء السوريات أمام واقع غامض، ولا يزال من غير الواضح كيف يتم التحضير لمستقبلهن".

 

"سنجعل من نضالنا ثورة ونرسّخ مكتسباتنا"

سلّطت مزكين خليل الضوء على مكتسبات النساء في إقليم شمال وشرق سوريا، مؤكدةً أنه لا يمكن لأي قوة أن تتجاهل هذا النضال القائم "في إقليم شمال وشرق سوريا، أصبح نضال النساء ووجودهن ورؤيتهن عنصراً أساسياً، لذلك، يجب أن تُدمج مكتسباتهن رسمياً ضمن سوريا المستقبل، وفي دستورها الأساسي، لا سيما أن نموذج الرئاسة المشتركة، وهو من أهم هذه المكتسبات، يُظهر أن المرأة في هذا النظام تمتلك القرار والمهمة على كافة المستويات، النساء استطعن لعب دور استراتيجي في الثورة من خلال هذه المكتسبات، ومشروعنا القائم على نضال المرأة تحقق عملياً، وعلى هذا الأساس، لا يمكن لأحد أن يُنكر دور النساء الجوهري في هذه الثورة".

وأشارت إلى أن المرحلة الحالية تتطلب تثبيت وضمان هذه المكتسبات قانونياً ودستورياً "الممارسات التي نشهدها حالياً في سوريا، من قبل الأشخاص الموجودين في مواقع السلطة، تؤكد أن الهدف هو إعادة أوضاع النساء إلى ما كانت عليه قبل ثورة روج آفا، علينا ألا ننسى أن النساء استطعن، بفضل هذه الثورة، أن يرفعن أصواتهن ويقدمن دوراً تاريخياً واستراتيجياً، تميز ثورتنا ونظامنا يكمن هنا، وحتى الآن لم تتم معالجة قضية حرية المرأة بشكل جدي في أي من ثورات الشرق الأوسط والعالم".

وأوضحت أنه "دائماً ما يتم اختزال القضية في مشكلات اقتصادية أو فوضى سياسية، لكن في روج آفا، أكدنا منذ البداية ضرورة معالجة مسألة المرأة أولاً، وانطلاقاً من هذا الإطار، بدأ نضالنا لبناء نظام يحرر المرأة ذهنياً، روحياً وجسدياً، وطرحنا قضايا مثل علاقة المرأة بالمجتمع، والعبودية والحرية، والسلطة والديمقراطية، وقدمنا حلولاً وخيارات بديلة وفقاً لذلك".

 

"الميثاق المجتمعي للنساء قوة وضمان الاعتراف بوجود المرأة وحقوقها"

عرضت مزكين خليل المطالب والأهداف بوضوح "القضايا التي طرحناها، والتي تم إرساؤها في إقليم شمال وشرق سوريا، يجب الآن تعميمها على مستوى سوريا ومناقشتها مع الحكومة الجديدة، حيث لاحظنا أن لجان إعداد وصياغة الدستور السوري الجديد تكاد تخلو من التمثيل النسائي، وإن وجدت فهي تخدم ذات النظام الذكوري التقليدي، وكنساء إقليم شمال وشرق سوريا نؤكد على ضرورة إشراك جميع المكونات السورية في تشكيل الحكومة الجديدة ولجان إعداد الدستور، وأن يتم الاعتراف بوجود المرأة فيه، ونموذج الرئاسة المشتركة، على سبيل المثال، لا يمكن التراجع عنه، ويجب تعميمه على كامل سوريا، فمن خلال تطبيق هذا النموذج، سنتقدم خطوة نحو بناء سوريا ديمقراطية وتعددية، وإنهاء الهيمنة الأحادية الذكورية والعقلية الإقصائية".

وأضافت أن ميثاقاً مجتمعياً للنساء يتم الإعداد له الآن في إقليم شمال وشرق سوريا، وسيقوم على أسس الوجود، الذاكرة، النضال، القيم والمبادئ النسوية، ليكون له دور تاريخي "هذا الميثاق بالنسبة لنا هو ضمان النضال والنظام والمكتسبات النسائية".

وفي ختام حديثها، وجهت مزكين خليل رسالة تعبّر فيها عن طموح ونضال نساء إقليم شمال وشرق سوريا "نفكر الآن في مستقبل سوريا على أساس أن تكون المرأة، عبر ميثاقها المجتمعي، في موقع الفاعل، وتنقل نضالها إلى العالم، كما أن تثبيت نموذج الرئاسة المشتركة في الدستور سيجعل من ثورتنا النسوية تجربة تمتد إلى جميع نساء سوريا ليستفدن منها، هذه هي مشاريعنا ونضالاتنا في هذه المرحلة، ونحن ماضيات فيها بعزم وإصرار".