"ندى" في السليمانية... صوت يعلو فوق هدير الحروب والآلام

مقال بقلم الصحفية أمل محمد

في زاوية من الشرق الأوسط، حيث تتشابك خيوط الأمل بالألم، وفي مدينة السليمانية التي طالما كانت رمزاً للصمود والعلم والثقافة، تشابكت مئات الأيادي النسائية، حاملةً في طياتها حكايات لا تُعد ولا تُحصى من الصبر والتحدي. لم يكن مؤتمر "تحالف ندى" ما بعد التأسيسي الذي انعقد من 15 إلى 17 أيار 2025، مجرد اجتماع عابر، بل جاء ليجدد التأكيد أن صوت المرأة قادر على اختراق جدران الصمت، وتجاوز حدود الجغرافيا، ورسم معالم مستقبل يتسع للجميع.

المئات من الناشطات والمشاركات، اللاتي توافدن من 19 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لم يأتِين لتبادل المجاملات، بل لتوثيق فصول المعاناة التي تعيشها المرأة في ظل بيئة إقليمية مضطربة. فمن تداعيات النزاعات المسلحة التي دفعت مئات الآلاف من الناس إلى النزوح في عدد من دول المنطقة، مروراً بالعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يمزق الأسر والمجتمعات، وصولاً إلى التهميش الاقتصادي والسياسي الذي يحرم المرأة من دورها الفاعل في بناء مجتمعاتها. كل هذه القضايا وغيرها كانت حاضرة بقوة، ليس كشكوى، بل كإرادة ومنطلق لصياغة استراتيجيات عمل ملموسة.

لقد تحول المؤتمر إلى ورشة عمل مكثفة، حيث تُرجمت الآلام إلى رؤى، وتحولت التحديات إلى فرص للعمل المشترك.

ناقشت المشاركات بعمق كيفية بناء جسور التواصل بين الحركات النسوية المختلفة، وكيفية العمل على توحيد الجهود ورص الصفوف نحو تحقيق أهداف مشتركة، تحت إطار الهدف الأسمى  "الثورة النسائية"، التي لا تعني التمرد بقدر ما تعني التحرر من القيود، وبناء مجتمعات ديمقراطية تضمن للمرأة حقوقها كاملة غير منقوصة، وتحترم كرامتها الإنسانية.

ولم يكتفِ المؤتمر بالتنظير، بل غاص في تفاصيل العمل الميداني، فكانت الورش المتخصصة حول مكافحة العنف، نبذ العنصرية، الحد من الهيمنة الذكورية، التمكين الاقتصادي، وتعزيز المشاركة السياسية، تلك الورش والنقاشات الثرية وتبادل الرؤى والخبرات والتجارب كانت بمثابة خارطة طريق لتطبيقها على أرض الواقع، وأظهر المؤتمر أن التحديات قد تختلف في تفاصيلها، لكن جوهرها واحد، وأن الحلول غالباً ما تنبع من رحم التجارب المشتركة.

إن ما خرج به مؤتمر "ندى" من السليمانية ليس مجرد بيان أو توصيات، بل صرخة نسائية ناعمة لكنها أصدائها مدوية بأن المرأة ليست مجرد رقم في معادلة الحرب والسلام، بل هي فاعل أساسي في بناء الحياة والاستقرار وإرساء السلام المستدام وتثبيت دعائم العدالة الاجتماعية، والأمل ليس حلماً بعيد المنال، إنما واقعاً يمكن تحقيقه عبر الإصرار والعمل المشترك.

واستطاعت النساء أن تنشأ لنفسها مظلةَ آمنة تحميهم من كافة أشكال العنف والممارسات التي تنتهك حقوقهم وهي الصرخة المشتركة التي تعالت في قاعة المؤتمر وكانت صداها بناء "الكونفدرالية النسائية الديمقراطية العالمية" التي يستند إلى إرث نضالي طويل ورؤية استرتيجية واضحة، تحتضن كافة النساء وتبقى الملاذ الآمن لهم.

فهل يمكن لهذه الروح التي تجسدت في مدينة السليمانية ضمن مؤتمر تحالف ندى أن تترجم إلى تغيير حقيقي ومستدام في حياة الملايين من نساء المنطقة؟

هذا هو التحدي الأكبر الذي ينتظر "تحالف ندى" ومعه كل من يؤمن بأن مستقبل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لن يزدهر ولن ينمو ولن يستقر، إلا بنهضة المرأة وتفعيل دورها دون تمييز أو انتقاص.