ناشطات تخشين أن يصبح مشهد مقتل النساء أمراً اعتيادياً

قتلت 25 امرأة خلال عام 2023 في تونس أغلبهم ذبحاً على يد أزواجهن، وبهذه النسبة دقت الجمعيات النسوية ناقوس الخطر من ظاهرة قتل النساء التي باتت مرعبة.

زهور مشرقي

 تونس ـ أكدت ناشطات نسويات في تونس أن ظاهرة قتل النساء يشكل تحدياً اجتماعياً خاصة بعد تسجيل مقتل 25 امرأة خلال عام واحد والتي تعتبر امتداد للعنف المبني على النوع الاجتماعي والهيمنة الذكورية التي تعتبر أجساد النساء ملكاً لهم.

تزامناً مع الذكرى الثالثة لمقتل "رفقة الشارني" على يد زوجها رجل الأمن بمدينة الكاف شمال غرب تونس بسلاح عمله، قدمت جمعية "أصوات نساء" وجمعية "المرأة والمواطنة بالكاف" تقريرهما السنوي حول حالات قتل النساء، وسلطا الضوء على الموجة المتتالية من الجرائم التي تبعتها لتصبح ظاهرة نخرت المجتمع التونسي وباتت تحدياً يتطلب تعاضدا للجهود واستجابة شاملة وفعالة من الجهات المعنية ومعاضدة من المجتمع المدني من أجل التصدي لها والعمل على منع حدوثها.

واعتبر التقرير أن معضلة قتل النساء في تونس يشكل تحدياً اجتماعياً ووطنياً حيث تشير الجرائم التي تم توثيقها من قبل الجمعيتين مقتل 25 امرأة عام 2023 أغلبهن قتلن على يد أزواجهن ذبحاً.

وأشار التقرير إلى أن 13منهن قتلن على يد أزواجهن، 3 نساء قتلن من قبل آبائهن، و4 نساء من قبل أقاربهن و5 قتلن من طرف مجهول، وقد قتلت 7 نساء بنفس الطريقة، أي بالطعن بآلات حادة، في حين قتلت 3 ذبحاً و6 خنقاً و4 قتلن نتيجة للضرب على الرأس.

وانتقدت المتحدثات ضعف دور وزارة الأسرة والمرأة في التفاعل مع هذا الواقع المأساوي الذي تعانيه النساء نتيجة العنف الذي بات قتلاً مريعاً دون خوف على الرغم من وجود القانون 58 الصادر عام 2017 لمكافحة العنف ضدهن.

ولفتن إلى غياب السياسات الناجعة لمواجهة حالات قتل النساء، كما أن عدم التوجه للتحسيس والتوعية بالمخاطر الكارثة يعبر عن تجاهل خطورة المشكلة من جهة ومن جهة أخرى يؤكد عدم اعتراف ضمني بخصوصية الجريمة بما يتيح تغيير القوانين وتضمين جريمة قتل النساء كجريمة قائمة على النوع الاجتماعي.

وقالت رئيسة جمعية المرأة والمواطنة بالكاف كريمة البريني إن التقرير يترجم جهوداً ثنائية من الجمعيتين لفضح التقصير الناتج عن حالات قتل النساء، مشيرةً إلى أنه تم قتل 25 امرأة خلال عام 2023 ورصد قضاياهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام، معتبرةً أن الرقم يثير الرعب برغم عدم وجود أرقام من السلطات الرسمية الممثلة في وزارة المرأة.

ولفتت إلى أن 25 امرأة قتلت العام الماضي والذي يعتبر رقم مفزع تضاعف منذ عام 2018 حيث رصدت وزارة المرأة مقتل 6نساء فقط، لافتةً إلى أن الأمر يدعو إلى التساؤل خاصةً مع وجود القانون 58.

وأوضحت أن الجمعيات النسوية وخاصة الديناميكية تابعت مسار مقاضاة قاتل رفقة الشارني وحرصت على حضور الجلسات وكانت قوة دافعة لإصدار الحكم 40 عاماً على القاتل على الرغم أنه رجل أمن لافتةً إلى أن التصريح بالحكم كان مشرفاً مقارنة بحجم الجريمة التي هزت الرأي العام التونسي لبشاعتها، علماً أن رفقة الشارني قتلت على يد زوجها الامني وهي شابة وأم لطفل، قتلها بخمس طلقات من سلاحه الوظيفي في منطقة الكاف بالشمال الغربي لتونس.

وأضافت أن قضية رفقة الشارني هي القضية التي جعلتنا نفهم أن هناك ظاهرة تسمى قتل النساء ولا بد من حمايتهن واحتوائهن لا طردهن حين تتقدمن بشكوى ضد معنف مهما كانت وظيفته.

وعن طول مسار التقاضي المقلق والذي يدفع النساء إلى عمد تتبع معنفهن أكدت كريمة البريني أن ذلك أكبر الصعوبات التي تدفع المعنفات بالتراجع عن الشكاية في قضية عنف عادية أو مطلب حماية، إضافة إلى المعاملة في المحاكم وعدم توفر السند المادي للتكفل بإجراءات القضية خاصة للنساء اللواتي لا تملكن استقلالية مادية ولا تعملن، ما يجبرهن على التراجع الذي قد يكون نتيجته القتل والموت بطرق بشعة وفق قولها.

 

 

بدورها أفادت المختصة في علم الاجتماع فتحية السعيدي، أن حالات قتل النساء امتداد للعنف المبني على النوع الاجتماعي ويحتوي على التمييز والنزاع حول السلطة والهيمنة الذكورية التي تعتبر أجساد النساء ملكاً لهم في تعاملهم ضمن ما يسمى بعلاقات النوع الاجتماعي.

وأكدت أن حالات قتل النساء ليس معرفاً في القانون 58 الصادر عام 2017 إضافة إلى عدم الاعتراف بهذه الظاهرة حتى على الصعيد الدولي، وقالت إن ظاهرة قتل النساء ظاهرة اجتماعية مركبة مرتبطة بالثقافة البطريركية وتعكس تفشي العنف الجنسي وثقافة السيطرة والتفوق التي يمارسها الرجال في المجتمعات الأبوية الذكورية، كما تعكس ترسخ التمييز الجنسي وانعدام المساواة بين الجنسين واعتبار النساء ملكية خاصة يمكن التصرف فيهن وفي أجسادهن وفقاً لرغبات الرجال.

وتتفاوت ظاهرة قتل النساء من بلد إلى آخر وترتبط بمنسوب العنف الأسري وبقضايا الشرف والسيطرة الذكورية على النساء، وترى فتحية السعيدي أن التصدي للآفة يتطلب تغييراً في العقليات وتطوير الممارسات الثقافية ومراجعة الأدوار التقليدية ونشر ثقافة المساواة ومكافحة العنف المبني على النوع الاجتماعي فضلاً عن الحرص على تطبيق القوانين التي تحمي حقوق النساء ومكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب.

وأوصى التقرير بعدم الاستهانة بالعنف ومكافحة تبريره أو التسامح معه وتعزيز التعاون بين الدولة والمجتمع المدني والتوعية بعدم التهاون مع أي حالة تتعرض لأي شكل من أشكال العنف، والسعي لتوفير خدمة ناجعة وفورية في مجال التعهد والحماية لضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي والوقاية من حدوث جرائم قتل.

ودعا التقرير إلى توفير خدمات الإرشاد والتعهد وتحسين وتطوير الخدمات القانونية والاجتماعية والنفسية والصحية المقدمة للنساء والفتيات المعرضات للعنف، بالإضافة إلى توفير برامج تأهيلية وعلاجية شاملة لهن.

وطالب التقرير بتوفير الدعم وتيسير الحصول على الإعانة العدلية وتوفير الدعم والحماية الضروريين والعمل على صدور القوانين الترتيبية الخاصة بالإعانة العدلية، بالإضافة إلى إطلاق حملات التوعية وتنظيم حملات واسعة النطاق للتعريف بجريمة قتل النساء وخصوصيتها، وتسليط الضوء على آثار العنف على الفرد والمجتمع وخاصة، مآله عند التسامح معه أو التقليل من خطورته.