مينا جلال صوت نسائي يقاوم الفساد ويزرع الأمل في أفغانستان
رغم مرور أكثر من عشرين عاماً من الصراع في أفغانستان، لا تزال هناك نساء يكافحن من أجل كرامة واستقلال المرأة، مثل مينا جلال التي أطلقت مؤسستها بهدف إحياء الأمل في قلوب النساء الفقيرات والأطفال الذين لا مأوى لهم.

بهاران لهيب
كنر ـ منذ عام 2001 شهدت أفغانستان تزايداً في إطلاق المؤسسات المعنية بتأمين حقوق النساء، إلا أن عدداً كبيراً من الأشخاص الذين تولّوا قيادة هذه المؤسسات لم يكن هدفهم الحقيقي الدفاع عن حقوق المرأة أو تعزيز حريتها، بل انصبّ اهتمامهم على الحصول على الأموال والمشاريع، فحوّلوا هذه المطالب إلى مجرد مشاريع ربحية.
إلى جانب حكومتي حامد كرزاي وأشرف غني، قام رؤساء المؤسسات المعنية بتأمين حقوق النساء في أفغانستان بجني مبالغ طائلة لأنفسهم، ونتيجة لذلك ارتفعت معدلات العنف ضد النساء، والقتل، وإجبارهن على الانتحار، والزواج القسري، وتبادل النساء كسلع، وجرائم القتل المرتبطة بالشرف.
وبسبب الفساد المستشري خلال العشرين سنة الماضية، وبوجود الولايات المتحدة، والناتو، والدول المجاورة، تمكنت حركة طالبان في نهاية المطاف من الاستيلاء على السلطة في ليلة وضحاها، ورغم هذا الفساد برزت نساء نذرن حياتهن للنضال من أجل حرية المرأة وتحقيق الديمقراطية، ودفعن أثماناً باهظة في سبيل تمكين النساء من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي والنجاة من العنف والجرائم المستمرة بحقهن.
"دعم النساء وتمكينهن اقتصادياً هو جوهر رسالتنا"
تؤمن جميع النساء المناضلات بأن الاستقلال الاقتصادي هو مفتاح الحرية، وأن المرأة عندما تتحرر من التبعية المالية، تصبح قادرة على انتزاع حقوقها وممارسة حريتها.
من بين هؤلاء النساء، تبرز مينا جلال التي ترأس مؤسسة "أصوات النساء" منذ عام 2018، وقد نفذت منذ تأسيسها العديد من البرامج والمبادرات، ولا تزال تقف إلى جانب النساء في مختلف الولايات، حيث لعبت دوراً بارزاً في دعمهن وتمكينهن اقتصادياً، وساهمت بشكل ملموس في تعزيز حضور المرأة في المجتمع.
قالت مينا جلال إن "هدف المؤسسة تقديم الدعم للنساء الفقيرات والأطفال الأيتام، وأنشطتنا تتركز في مجالات الخياطة، التعليم المهني، المساعدات النقدية، ودعم الأطفال المحتاجين".
وأضافت أن "المؤسسة نفذت مشاريع متعددة في ولايات مختلفة كان أبرزها في الفترة الأخيرة في ننكرهار، لغمان، كنر، ونورستان، وأن المؤسسة لا تميز بين النساء على أساس الأصل أو الانتماء، بل تسعى إلى إشراك النساء الأكثر حاجة في برامجها".
وأوضحت أن "مشاريع المؤسسة شملت أكثر من 700 امرأة، من خلال برامج امتدت لستة أشهر وسنة كاملة، وأن العديد من النساء اللواتي تلقين الدعم استطعن الوقوف على أقدامهن وتحقيق الاكتفاء الذاتي اقتصادياً، وهو ما تعتبره المؤسسة إنجازاً حقيقياً في مسار تمكين المرأة".
نحو الاكتفاء الذاتي
وأوضحت مينا جلال أن أحد أهداف مؤسسة "أصوات النساء" هو تقديم الدعم الصحي للأطفال المحتاجين، مشيرةً إلى أن "العديد منهم يعانون من مشاكل صحية ولا يملكون القدرة المالية للذهاب إلى الطبيب، وأنشأنا مخيمات صحية لعلاج هؤلاء الأطفال، ورغم أن مدة هذه المخيمات كانت قصيرة، تتراوح بين يومين إلى أسبوع، إلا أننا نظمناها عدة مرات لتقديم العلاج والمساعدة".
وأشارت إلى جانب آخر من نشاط المؤسسة يتعلق بتمكين النساء مهنياً، حيث يتم تدريبهن على حرف مثل الخياطة والتطريز "بعد تأهيل النساء مهنياً، تواصلنا مع شركات لتوفير فرص عمل لهن، حتى يتمكنّ من إعالة أطفالهن وتأمين لقمة العيش بكرامة".
"دعمنا المتضررات من الزلزال كان إنسانياً ومباشراً"
وأشارت مينا جلال إلى أن مؤسسة "أصوات النساء" قدّمت مساعدات إنسانية مباشرة للنساء المتضررات من الزلزال في ولاية كنر، مؤكدةً أن الكارثة هناك كانت مأساوية بكل المقاييس "كانت كنر تواجه فاجعة إنسانية حقيقية، فكل حجر وتراب في تلك المنطقة كان ملطخاً بدماء الأطفال والنساء البائسات، ورغم أن العديد من المؤسسات سارعت لتقديم المساعدة، إلا أن عملنا كان مختلفاً".
وأضافت "حرصنا على اصطحاب طبيبات معنا، لأن ثقافة المنطقة لا تسمح للنساء بمراجعة أطباء رجال، كنا أول فريق صحي يدخل المنطقة ومعه طبيبات، وتمكّنا من تقديم العلاج للنساء اللواتي كنّ في حالة صحية حرجة، بقينا هناك لمدة ثلاثة أيام متواصلة، وواصلنا تقديم الرعاية حتى في ساعات الليل المتأخرة، كانت هذه مساهمة بسيطة، لكنها ضرورية للنساء في كنر".
"نساء كنر يعانين صدمات نفسية ونقص في الرعاية الصحية"
وأوضحت مينا جلال أن الزلزال الذي ضرب ولاية كنر خلّف آثاراً نفسية وصحية عميقة لدى النساء، مشيرةً إلى أنهن تعرضن لصدمات شديدة نتيجة فقدانهن لمنازلهن وأسرهن " معظم النساء كنّ يعانين من اضطرابات نفسية وانخفاض في ضغط الدم، خاصة وأنهن لم يكنّ يستطعن تلقي العلاج على يد أطباء رجال بسبب العادات الاجتماعية السائدة".
وأضافت أن النساء في المنطقة واجهن أيضاً نقصاً حاداً في الفيتامينات، وكان من بينهن نساء حوامل فقدن أجنتهن، وعبّرن عن ألمهن العميق بقولهن إنهن لن يستطعن العودة إلى منازلهن التي شهدت فقدان أحبّائهن، حتى بعد مرور سنوات طويلة.
"أطفال كنر واجهوا أمراضاً خطيرة"
ولفتت مينا جلال إلى أن الزلزال الذي ضرب ولاية كنر خلّف آثاراً صحية خطيرة على الأطفال، حيث عانى معظمهم من الإسهال، الحمى، والقشعريرة نتيجة نقص الغذاء وسوء الظروف المعيشية "في منطقة وادي مزار بمديرية نورغن، لم تصل أي مساعدات غذائية للأطفال لمدة تسعة أيام، رغم جهود العديد من المؤسسات، الطرق كانت مغلقة، ولم تكن هناك أماكن للنوم، مما أدى إلى تفشي الأمراض بين الأطفال".
وفي ختام حديثها، وجّهت مينا رسالة مؤثرة، قالت فيها "على النساء اللواتي تعلّمن القراءة والكتابة ألا ينسين إنسانيتهن، لا يهم من أين تأتي المرأة أو لأي قومية تنتمي، سواء كانت هزارة أو تاجيكية أو بشتونية، فالمهم أن هناك نساء وضعن أملهن فينا، ويجب أن نكون عند حسن ظنهن، علينا أن نمد يد العون بلا تمييز، وبكل ما نستطيع، مساعدتنا نحن النساء لها طابع مختلف، وزيارتنا لمناطق الزلزال كانت مؤثرة للغاية، حيث احتضنتنا النساء وبكين معنا، وهذا دليل على أنهن يشعرن بأننا جزء منهن، لا يجب أن ننسى النساء اللواتي يعشن في القرى النائية، ويجب أن نقدم لهن كل ما نستطيع من دعم ومساندة".