مصر... ندوة لمناقشة واقع المرأة ما بين العدالة المناخية والتنمية المستدامة

عقد مركز "آتون" للدراسات بالتعاون مع "الجنولوجي" ندوة تحت عنوان "المرأة بين العدالة المناخية والتنمية المستدامة" في حضور عدد من المهتمين بالشأن البيئي والتغيرات المناخية من عدة دول بينها مصر واليمن والسودان وسوريا.

أسماء فتحي

القاهرة ـ يوماً بعد يوم تتسارع تأثيراتها السلبية للتغيرات المناخية لتطال مختلف جوانب الحياة، بدءاً من الأمن الغذائي، مروراً بندرة المياه، ووصولاً إلى التهديدات الصحية والاقتصادية والاجتماعية، ورغم أن هذه الظاهرة التي تطال الجميع فإن وطأتها الأشد تُلقي بثقلها على الدول النامية، مما يقلل من قدرتها على التكيف مع هذه التحولات.

تعتبر التغيرات المناخية واحدة من التهديدات الكبيرة التي باتت تؤثر على العالم أجمع، إلا أن الدول النامية الأكثر فقراً وتضرراً والنساء من الفئات الهشة التي تعاني من واقع أشد فقراً وأكثر خلخلة اجتماعية مما يجعلهن في مقدمة المتأثرين من ويلاتها وفي طليعة من يدفعن ضريبتها، وهو ما جعل مناقشة وضعهن في هذا السياق ضرورية للوقوف على الحلول الجذرية لتلك المعاناة التي تتفاقم يوماً تلو الآخر.

وخلال الندوة التي عقدتها "الجنولوجي" بالتعاون مع مركز "آتون" للدراسات شارك الحضور من عدة دول أفكارهم حول ذلك الواقع وما يستجد بشأنه من تغيرات دفعت فاتورتها النساء في المقام الأول لما يتحملنه من أعباء ترتبط بالموارد البيئية مباشرة سواء في الأراضي الزراعية أو المياه أو حتى داخل الأسواق والمنازل.

وتطرقت الندوة كذلك للعدالة المناخية وامكانية تطبيقها خاصةً في ظل مواصلة النظم الرأسمالية ذات السياسات الصناعية في عملهن المتسبب في ارتفاع معدل بصمتهن الكربونية دون أدنى مراعاة للدول الفقيرة والنامية وما تحتاجه تلك الدول من دعم مادي وتكنولوجي لتجاوز حدة تلك الآثار وتعقيداتها على جميع الفئات وفي مقدمتها النساء والأطفال.

 

للحروب والنزاعات أثر مباشر في التغيرات المناخية

وقالت الصحفية اليمنية والمختصة بالحقوق والحريات والاقتصاد والمرأة ماجدة طالب، إنه خلال العشر سنوات الأخيرة طرأت الكثير من التغيرات المناخية وهي ليست قاصرة فقط على الأزمات الطبيعية ولكنها كذلك تأثرت بالحروب والنزاعات المسلحة بالمنطقة والتي ضاعفت من حجم الخسائر والتعقيدات البيئية.

وأكدت أن محور نقاش الندوة يتمركز حول المرأة وهى من الفئات الأكثر ضعفاً وبالتالي الأكثر تأثراً وقدرتها على قيادة أزمة المناخ في حالة الفيضانات والتصحر خاصةً في المناطق الريفية وتمكنها من وضع حلول مستدامة وبديلة لتلك الأزمة خاصة أن كوارث المناخ لم تعد قاصرة على الشرق الاوسط بل باتت مهدد عالمي يشمل الجميع ويتهدد وجودهم.

واعتبرت أن هناك اختلافات بين الدول في مسألة المناخ تتعلق بالبيئة الاجتماعية ووضعية المرأة بها، فمصر دولة مدنية واليمن على سبيل المثال قبلية وكلاهما دور المرأة وتعاطيها مع المناخ مختلف، موضحةً أن أبرز محاور الندوة تمثل في "المرأة والمناخ وانعكاسات الكوارث المناخية عليها وكيف تعتبر تلك الموارد ضمن العدالة الانتقالية والحلول المستدامة خاصة على المرأة".

 

 

العدالة المناخية أحد الحلول التي تحتاج للتطبيق

 من جانبها أوضحت المحامية وعضوة مؤسسة بمركز "ساس" الحقوقي ايمان ابراهيم قيلي، أنها تحدثت عن العدالة المناخية فتلك التغيرات التي طرأت على الكون باتت تهديد كبير وأصبحت الجهود الدولية منصبة حول تلك الأزمة وبخاصة تأثيرها على الدول النامية والفقيرة، مضيفةً أنها ناقشت مفهوم العدالة المناخية والرابط بينها وبين التغيرات المناخية وما نتج عن ذلك من أثر على كلا الجنسين والحلول الممكنة.

ولفتت إلى أن العدالة المناخية مصطلح حديث النشأة ظهر في الآونة الأخيرة بعد الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لعام 1992، وتحقيقها مرتبط بأمرين وهما الحد من انبعاث الغازات المتسببة في الانبعاثات الحرارية وكذلك دعم الدول المتضررة على الصعيد المادي والتكنولوجي حتى تتجاوز تلك الأزمة.

وقالت إن ألنساء من أكثر الفئات تضرراً في الدول الفقيرة والدول العربية عموماً فالمرأة الريفية الأكثر تضرراً على سبيل المثال مقارنة بتلك التي تعيش بالحضر لارتباطها بالموارد البيئية مباشرة وما يطرأ عليها من جفاف وفيضان وتصحر لذلك تعرضت لها بعنف فتأثر غذائها وصحتها، وبحسب تقارير الأمم المتحدة فإن معدل وفيات النساء أكبر من الرجال في الكوارث المختلفة.

واعتبرت أن أهم الحلول تكمن في تمكين المرأة من الموارد لكون حصة تمليكها هي الأقل دائماً وكذلك هي بحاجة للتثقيف في المجال البيئي، بالإضافة إلى توفير تمويل يساعدها في التعامل مع سد النقص الغذائي والتعامل مع التدهور البيئي والبحث عن طرق بديلة للتعامل مع المخلفات الطبيعية وغيرها من الأمور.

 

 

نسبة الاعتداء على النساء تتضاعف بسبب التغيرات المناخية

وبدورها أكدت الباحثة في التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الأزهر ياسمين السبع، انها تحدثت عن دور المرأة في التغيرات المناخية كونها أبرز ضحايا التغيرات المناخية فقد ارتفع معدل الاعتداء على النساء في المخيمات ليقدر بنحو 300% على خلفية تلك التغيرات وهو أمر يحتاج لبحث وملاحظة.

وأوضحت أن الإيذاء البدني والنفسي عادة ما يتضاعف على النساء خلال الكوارث الكبرى، لافتةً إلى أن هناك الكثير من الأدوات التي تمكن النساء من تجاوز ذلك الأمر منها تعليمها أسس الزراعة الذكية وهناك تجارب ناجحة ومنها الناشطة الكينية وانجاري ماثاي التي زرعت ملايين الشجر وحصلت على جائزة نوبل للسلام في عام 2004 لما قامت به من مقاومة التغير المناخي من خلال المحاصيل التي بين أيديهم.

وأكدت أن الوضع الراهن بات يتطلب اشراك الرجال في حملات التوعية وبحث أسباب اعتداء الرجال على النساء عند غياب القوانين خلال الكوارث والأزمات الكبرى، موضحة أن العدالة المناخية من الصعب تحقيقها لكون الأكثر سبباً في التغير المناخي هم الأثرياء بينما الأكثر تضرراً الفقراء وذلك نتيجة زيادة البصمة المناخية لهم وبالطبع النساء الأكثر تأثراً كونهن الأفقر وفق المعدلات الإحصائية العالمية.

 

نماذج لنساء واجهن التغيرات المناخية

ولفتت ياسمين السبع أن هناك عدد من النساء كانت لهن أدوار في مواجهة التغيرات المناخية ومن بينهن الناشطة الكينية وانجري مثاي، التي أسست حركة الحزام الأخضر وزرعت أكثر من 51 مليون شجرة لمكافحة إزالة الغابات، ووفرت فرص عمل حقيقية لآلاف من النساء الفقيرات عبر مشاريع الزراعة وإعادة التشجير، وبالتالي عززت استقلاليتهن الاقتصادية وربطت بين البيئة وتمكين المرأة وحصلت على جائزة نوبل عام 2004 لتصبح أول امرأة أفريقية تفوز بها.

وأشارت إلى أن هناك نساء أسسن مبادرة لتدريب النساء على الزراعة المقاومة للملوحة بعد أن غمر ارتفاع البحر أراضيهن، ونشرت وعياً حول حقوق النساء في مواجهة آثار التغير المناخي ووفرت لهن أيضاً تدريب على إدارة المياه والطهي الصحي باستخدام الموارد المتاحة، ومنهن من أنشأن مبادرة لدعم النساء المتضررات من خلال برامج نفسية واجتماعية وتدريب النساء على القيادة المجتمعية والتأهب للكوارث، وتمكنت من بناء شبكات نسائية للاستجابة للطوارئ، بالإضافة إلى نساء ريفيات تبنينا أساليب زراعية مقاومة للجفاف والفيضانات، ووفرت لهن أدوات تمويل صغيرة ومعرفة تقنية لمواجهة تغير المناخ، إلى جانب نساء تدربت في المناطق الساحلية على الاستزراع المائي كبديل عن الصيد التقليدي الذي تأثر بتغير المناخ وقدمت برامج للتعليم البيئي لتقوية الوعي المناخي في المجتمعات المحلية .

 

 

توصيات الندوة

وكشفت الباحثة في الجنولوجي نوجين يوسف أن الندوة خلصت لعدد من التوصيات في مقدمتها تحسين السياسات المناخية بمراعاة النوع الاجتماعي وتضمين النساء في صياغة السياسات المناخية كصاحبات قرار لا فقط كضحايا أو مستفيدات، فضلاً عن مراجعة القوانين البيئية والزراعية لضمان عدم تهميش النساء العاملات في المناطق الريفية والزراعية وفرض التزامات حكومية بإشراك النساء في لجان إدارة الأزمات المناخية والكوارث.

وأوضحت أن واحدة من أهم التوصيات تتمثل تعزيز الوعي البيئي والعدالة المناخية من منظور نسوي من خلال تطوير برامج توعوية موجهة للنساء في الريف والمدن حول العدالة المناخية والتكيّف مع التغيرات البيئية، وإدماج العدالة المناخية في المناهج التعليمية والأنشطة المدرسية، مع التركيز على الفتيات، ودعم المبادرات النسوية التي توثق أثر التغير المناخي على المجتمعات الهشة والمهمشة.

وأكدت أن لعلم المرأة رؤية في قطاع العمل الزراعي ومنها توفير تمويلات ميسّرة ودورات تدريبية مخصصة للنساء الريفيات لتعزيز الإنتاج الزراعي المستدام، وحماية حقوق النساء العاملات بالزراعة غير الرسمية من الاستغلال البيئي والاقتصادي، وإنشاء تعاونيات نسوية زراعية موجهة نحو تقنيات الزراعة المستدامة والتكيّف المناخي.

ولفتت إلى أن رؤيتهم تشمل تنظيم الاقتصاد في مناطق الكوارث البيئية والتي ترتكز إلى إنشاء صناديق طوارئ مخصصة للنساء في مناطق النزوح والكوارث المناخية، وتوفير برامج إنعاش اقتصادي سريع تراعي احتياجات النساء بعد الأزمات البيئية (فيضانات، جفاف، نزوح) وربط برامج التعافي الاقتصادي ببرامج الحماية الاجتماعية للنساء المتضررات من الكوارث.

وشددت على أهمية معالجة القصور في التمويل المستدام للنساء، من خلال مطالبة المؤسسات المانحة بإدراج شرط التمكين الاقتصادي للنساء في تمويل المناخ، وتقديم منح صغيرة ومتوسطة مباشرة لجمعيات نسائية محلية تعمل في البيئة والزراعة، وإنشاء آلية رقابة مدنية نسوية لمتابعة عدالة توزيع التمويلات البيئية "يجب الاعتراف بالعنف الإيكولوجي ضد النساء كمشكلة سياسية وعرض العنف البيئي ضد النساء وذلك ضمن الأجندات الوطنية للنوع الاجتماعي، فضلاً عن توثيق حالات تدهور البيئات المحلية وأثرها على تفاقم الفقر والتمييز ضد النساء، وربط التهميش البيئي بالهشاشة السياسية والاجتماعية التي تتعرض لها المرأة خاصة في مناطق النزاع.

واعتبرت أن الحل يكمن في تمكين المرأة في الحلول المستدامة، من خلال تدريب نساء محليات كقائدات بيئيات يقدن حلولًا مستدامة مجتمعية، إضافة لدمجهن في مشروعات الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، ودعم الابتكار النسوي في الزراعة الذكية مناخيًا وتقنيات الري المسند.