منظمات دولية وقوانين بلا تنفيذ... الاتجار بالبشر يتحدى الإنسانية
رغم ما حققته البشرية من تقدم في تجاوز المفاهيم القبلية الضيقة، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات خطيرة تهدد جوهر الإنسانية، أبرزها جريمة الاتجار بالبشر، فهذا الانتهاك البشع لا يستهدف الفرد فحسب، بل يضرب أعماق المجتمع ويقوّض قيمه الأخلاقية والإنسانية.

هيرو علي
مركز الأخبار ـ الاتجار بالبشر يُعد من الجرائم الجسيمة التي تنتهك حقوق الإنسان الأساسية، وتقوض مبادئ سيادة القانون والديمقراطية، يُعامل الإنسان كسلعة تُباع وتُشترى، خاصة الأطفال والنساء، الذين يتعرضون لاستغلال جسدي ونفسي شديد، يترك آثاراً مدمرة على صحتهم الجسدية والعقلية.
يُعد استغلال النساء أكثر قسوة، حيث يُمارس ضدهن جرائم بأشكال عنيفة وممنهجة، ما يسببه من مضاعفات نفسية واجتماعية، ويترك آثاراً عميقة في بنية المجتمع، فالاتجار بالبشر، خاصة حين يُمارس ضد النساء، ليس مجرد انتهاك قانوني، بل هو طعن في كرامة الإنسان، وتحدٍ صارخ لكل ما نادت به الإنسانية من حرية وعدالة ومساواة.
الاتجار بالبشر جريمة يهدد أسس المجتمع
منذ بدايات التاريخ، عرفت البشرية أشكالاً متعددة من العبودية، حيث انتقلت مفاهيمها من مجتمع إلى آخر، وتطورت عبر الزمن.
ورغم أن الإنسانية نجحت في تجاوز الكثير من مظاهر العبودية التقليدية، إلا أن الاتجار بالبشر لا يزال يظهر بأشكال جديدة وخطيرة، خاصة من خلال الجرائم المرتبطة باستغلال الإنسان، والتي تتغلغل في المجتمعات بشكل عنيف، وتؤثر بشكل خاص على النساء والأطفال.
الاتجار بالبشر يتخذ من عدة جوانب، أبرزها الاستغلال الجنسي، الاستغلال في العمل القسري، الاستغلال في التسول، الجرائم المنظمة، الاتجار غير القانوني بالأعضاء البشرية.
وفي إطار مواجهة هذه الجريمة، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2000 بروتوكولاً خاصاً لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر، لا سيما النساء والأطفال، والذي دخل حيز التنفيذ في 25 كانون الأول/ديسمبر 2003، وتمت المصادقة عليه في تموز/يوليو الماضي من قبل 185 طرفاً.
أما فيما يتعلق بحماية ضحايا الاتجار بالبشر، فإن البروتوكول يؤكد على ضرورة التزام الدول الأعضاء بضمان حماية خصوصية وهوية الضحايا قانونياً وسرياً، وتوفير معلومات حول الإجراءات القضائية والإدارية ذات الصلة، والدعم اللازم لتمكين الضحايا من التعبير عن آرائهم ومخاوفهم دون المساس بحقوقهم، وتوفير مأوى مناسب، إلى جانب تقديم التدريب والمعلومات الكافية حول حقوقهم القانونية بلغة يفهمونها.
جريمة دولية تتطلب مواجهة عالمية
دعت الأمم المتحدة الدول التي صادقت على البروتوكول الخاص بمكافحة الاتجار بالبشر إلى سنّ قوانين تحظر هذه الجريمة داخل أراضيها، ومنذ ذلك الحين، أصبح الاتجار بالبشر يُنظر إليه كجريمة دولية، ويُصنّف كأحد أخطر الانتهاكات العالمية، خاصة بعد تزايد حالات الاتجار بالبشر في السنوات الأخيرة.
ويتمثل الهدف الأساسي من البروتوكول في منع ومكافحة الاتجار بالبشر، حماية ومساعدة الضحايا، تعزيز التعاون بين الدول المصادقة على البروتوكول لتحقيق هذه الأهداف.
ففي عام 2000، أصدرت الولايات المتحدة قانوناً لحماية ضحايا الاتجار بالبشر والعنف، تضمن آليات فعالة لمواجهة هذه الجريمة، وقد وفر هذا القانون إطاراً شاملاً لمعالجة قضايا العبودية الحديثة، مع التركيز على منع الاتجار بالبشر، حماية الضحايا، وملاحقة المتاجرين قضائياً.
كما اقترح مجلس أوروبا في 16 أيار/مايو 2005 اتفاقية لمكافحة جميع أشكال الاتجار بالبشر، ودخلت حيز التنفيذ في 1 شباط/فبراير 2008 حتى تشرين الأول/أكتوبر 2023، صادقت 47 دولة أوروبية على الاتفاقية، بما في ذلك إسرائيل، التي رغم كونها غير عضو في المجلس، شاركت في مؤتمر أوروبي عام 2021، لتصبح أول دولة غير أوروبية تتخذ هذه الخطوة.
وبحسب العديد من الدراسات والإحصاءات، فإن أنماط الاتجار بالبشر متنوعة، حيث يُنفذ نحو 65% من الحالات عبر شبكات إجرامية منظمة تتجاوز الحدود الوطنية، بينما تُنفذ حوالي 35% من الحالات من قبل مجموعات صغيرة تنشط داخل حدود الدول.
داعش أكبر شبكة للإتجار بالنساء والأطفال
في 3 آب/أغسطس 2014، شنّ داعش هجوماً على منطقة شنكال، وهو الهجوم الذي يُعرف باسم "الإبادة رقم 74"، حيث قُتل آلاف الإيزيديين، واختُطفت آلاف النساء الإيزيديات.
وبعد مقاومة قوات حماية الشعب "HPG"، ووحدات المرأة الحرةYJA STAR" "، ووحدات مقاومة شنكال "YBŞ"، ووحدات نساء شنكال "YJŞ"، وبدعم من وحدات حماية الشعب "YPG" ووحدات حماية المرأة "YPJ"، تم تحرير شنكال من قبضة داعش في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
عقب الهجوم، فصلت داعش آلاف النساء الإيزيديات عن عائلاتهن، واقتادتهن إلى سوريا، حيث تم التعامل معهن بطريقة لا إنسانية، واعتبرن ملكاً لداعش، وأجبرن على العمل في المنازل، وتعرضن لانتهاكات جنسية ممنهجة، وحُرمن من الطعام والاحتياجات الأساسية.
وفي عام 2014، تم تحرير عدد منهن مقابل فدى مالية، بينما عاد بعضهن إلى عائلاتهن بعد انهيار داعش في الموصل والرقة عام 2017. كما قامت وحدات حماية المرأة بتحرير الآلاف من النساء الإيزيديات وتسليمهم إلى عوائلهم.
ومع ذلك، لا يزال مصير مئات النساء الإيزيديات مجهولاً حتى اليوم، فبحسب إحصاءات مكتب إنقاذ الإيزيديين من داعش، المسجلة في آب/أغسطس 2023، تم العثور على اكثر من 90 مقبرة جماعية للإيزيديين في شنكال، بالإضافة إلى عدد من المقابر الفردية.
وحتى الآن، تم تحرير اكثر من 7 آلاف امرأة، بينما لا يزال مصير حوالي 2,900 إيزيدي مجهولاً، معظمهم من النساء والأطفال، الذين غيّر التنظيم معتقداتهم ويستخدمهم في أنشطته.