من قيد الزوج إلى قيد الدولة... النساء في مواجهة التراجع الحقوقي

انتقدت المحامية ديرن جواهر شن إعلان "عام الأسرة" في تركيا، معتبرةً إياه جزءاً من سياسة ممنهجة لتقييد دور النساء وإقصائهن من الحياة العامة، عبر إجراءات تمس حقوقهن الجسدية والاجتماعية.

أليف أكغول

إسطنبول ـ شملت السياسات المرتقبة في تركيا خاصة بعد أن أعلنت الحكومة "عام الأسرة" تحت شعار "أسرة قوية، مجتمع قوي"، تغييرات تمس حياة النساء العملية، وطرحت تحت مسمى "تحديثات"، لكنها أثارت جدلاً واسعاً، إذ اعتبرها كثيرون تهديداً للحقوق المكتسبة للنساء.

في عام 2024، أعلنت الحكومة التركية "عام الأسرة" تحت شعار "أسرة قوية، مجتمع قوي"، في خطوة تهدف إلى تركيز السياسات العامة حول مفهوم الأسرة. ومنذ اللحظة الأولى، عبّر الرئيس التركي أردوغان عن رغبته في أن تنجب الأسر ثلاثة أطفال، ما كشف عن توجه واضح نحو تعزيز النمو السكاني.

التركيز على عدد الأطفال، وربط قوة المجتمع بخصوبة المرأة، دفع المنتقدين إلى التحذير من أن هذه السياسات قد تُستخدم لتقييد دور المرأة في الحياة العامة، وإعادة إنتاج أنماط تقليدية تُهمّش مشاركتها الفاعلة في سوق العمل والمجال السياسي.

وفي هذا السياق، قالت المحامية ديرن جواهر شن، عضوة المجلس التنفيذي في مركز حقوق المرأة بنقابة المحامين في إسطنبول "كان عام 2025 مليئاً بالخسائر والتدخلات بالنسبة للنساء. نسمع منذ فترة بـ "عام الأسرة"، لكن لا أحد يعرف على وجه التحديد ما المقصود بها، حتى من أعلنوا عنها لم يقدّموا تفسيراً واضحاً". أما الخطابات التي تمجّد الأسرة وتصفها بـ "المقدسة"، فهي لا تعكس حماية حقيقية للنساء، بل تُستخدم كغطاء لتهميش حقوقهن وتقييد حرياتهن.

وأشارت إلى أن السياسات الحالية تأتي ضمن إطار تدخل ممنهج ومدروس "طرح الحزمة القضائية الحادية عشرة، وظهور ختم "عام الأسرة" على الوثائق الرسمية، لم تكن خطوات عشوائية، بل جزءاً من خطة طويلة الأمد. لم نصل إلى هذه المرحلة بين ليلة وضحاها، بل عبر سلسلة من الإجراءات المتراكمة. هذه المؤشرات تعكس بوضوح التدخل المباشر في أجساد النساء وحياتهن الخاصة".

وأكدت أنه "عندما تُمنع شابة في الثالثة والعشرين من العمر من زيارة طبيبة نسائية، أو يُمنع الإجهاض فعلياً في المستشفيات الحكومية، بل ويُعطّل حتى في بعض المستشفيات الخاصة رغم كونه حقاً قانونياً، فإننا أمام تراجع خطير عن مكتسبات أساسية. هذه الممارسات لا تعبّر فقط عن قيود إدارية، بل عن رؤية سلطوية تسعى للسيطرة على حياة النساء وخياراتهن".

وشدّدت ديرن جواهر شن على أن حقوق النساء في تركيا تشهد تراجعاً خطيراً "الحكومة الحالية تمضي قدماً في تنفيذ سياسات معادية للنساء بشكل ممنهج"، لافتةً إلى أنه "يُعلن عن "عام الأسرة"، لكن الواقع أن العائلات تُترك لمصيرها مع دعم مالي هزيل لا يرقى إلى مستوى التحديات. يُروَّج للزواج، لكننا نعلم جيداً ما الذي تواجهه النساء داخل تلك البيوت. ثلاث نساء على الأقل يُقتلن يومياً، وغالباً ما يتم ذلك رغم صدور قرارات الحماية، النساء يُقتلن أو يُعتدى عليهن من قبل رجال يفترض أن القانون يحميهن منهم. إنهن يعشن في بيئة تفتقر إلى الأمان، بلا ضمانات حقيقية، في ظل نظام يغضّ الطرف عن العنف ويُكرّس التمييز بدلاً من مواجهته".

ووصفت المحامية إعلان "عام الأسرة" بأنه محاولة ممنهجة لإقصاء النساء من الحياة المهنية والاجتماعية "الهدف الحقيقي هو دفع النساء إلى التراجع عن أدوارهن في سوق العمل والمجال العام، وحصرهن داخل جدران المنزل. إنهم يسعون إلى فرض نموذج تقليدي للمرأة يتمثل في إنجاب الأطفال، ورعايتهم، وانتظار زوجها لتُعد له الطعام عند عودته من العمل. إنها محاولة لتقليص دور المرأة وتهميش وجودها في الحياة العامة".

وأضافت "ما يحدث اليوم هو سعي واضح لتقييد النساء، إخضاعهن، وسلبهن حقهن في تقرير مصيرهن. حياتنا تُدفع شيئاً فشيئاً نحو الانكماش، ويفرض علينا حدود تضيق يوماً بعد يوم".

وسلّطت ديرن جواهر شن الضوء على مظاهر التمييز البنيوي التي تُقصي النساء عن كونهن ذوات مستقلة، مشيرةً إلى دعوى قضائية رفعها محاميان للطعن في انتقال قيد المرأة المتزوجة إلى قيد زوجها "رغم أن التغيير يشبه الحفر بإبرة في صخر، إلا أن هناك خطوات إيجابية تحدث. فقد رُفعت دعوى للطعن في انتقال قيد المرأة إلى الرجل بعد الزواج، والمحكمة الدستورية أجرت مراجعة قانونية للنص، وهو أمر بالغ الأهمية. نأمل أن يصدر قرار منصف، لأن الممارسة الحالية تنطلق من فكرة أن المرأة ليست فرداً مستقلاً، وهذا يتعارض مع الدستور، والاتفاقيات الدولية، ومبادئ حقوق الإنسان".

وشددت على أنه "في ظل نظام قضائي لا يعترف حتى بقرارات المحكمة الدستورية، يصبح مجرد مناقشة هذه القضايا ضرباً من العبث، إلا أن النساء لم يتوقفن عن النضال من أجل حقوقهن. هذا النضال ليس جديداً، بل حركة عالمية ممتدة، تخوضها النساء في كل مكان، من أجل العدالة والمساواة".