من "كفى فتاة" إلى "كفى قمع"... نضال المرأة ضد النظام الأبوي
حينما يُحدد عدم إنجاب ابنٍ مصير المرأة حتى الموت، لا بد من التساؤل هل تكمن قيمة الطفل في جنسه؟ هل استطاعت التطورات الطبية مداواة الجراح الثقافية، أم أنها أضفت طابعاً عصرياً على المعتقدات القديمة نفسها؟

نسيم أحمدي
كرماشان ـ ربما يكون السبب الرئيسي لمكانة الابن القيّمة في المجتمعات هو مسألة الشرف، والشرف، كقوة أو تهديد في نظام يهيمن عليه الذكور، هو أداة للسيطرة على النساء، ويتحمل الرجال مسؤولية توجيههن.
الابن وريث تاج الملكية الذكورية
يُعدّ الحفاظ على شرف الرجل وتبجيله في المجتمع شكلاً من أشكال السلطة التي تعني أن الرجل استطاع إظهار قدرته على إدارة النساء من حوله من خلال السياسات التي وضعها، ومن ناحية أخرى، قد يُشكّل الشرف تهديداً خطيراً، فعندما تتجاوز إحدى النساء الخاضعات لسيطرة الرجل الحدود التي وضعها، تُصبح قدرته وسلطته موضع تساؤل، لذلك، تكتسب مسألة الشرف ومن هو حاميها أهمية خاصة، حيث يحتاج المجتمع الأبوي إلى الجنس الذكوري لإثبات سيادته، ولا تنتقل سلطة حكم الرجل على المرأة إلا عندما يكون وريث هذه السلطة رجلاً، لأن هذا النظام الأبوي يُورث من الأب إلى الابن، وهنا تُعطى الأولوية لتبجيل الابن والرغبة في إنجاب ابن في المجتمع.
ويعتمد شرف المرأة على ولادة الابن، فبالإضافة إلى أهميته للرجل، يُعتبر إنجاب الابن أيضاً نوعاً من الشرف للمرأة، لأن النساء في المجتمعات، بعد أن تقبلن الاعتقاد المفروض بأن المرأة ليست ذات قيمة كبيرة، يشعرن بأنهن فعلن شيئاً ذا قيمة وتمكنت من اكتساب مكانة لأنفسهن من خلال إنجاب الابن.
جريمة في كرماشان تسجل تحت عدم الإنجاب
قالت إحدى الطالبات في علم الاجتماع "في الروايات والقصص، يُقال إن النساء في الماضي كنّ يحملن أحياناً أكثر من عشر مرات خلال فترة زواجهن لإنجاب ابن، ولكن يجب أن تعلموا أن هذه القضية لم تعد تقتصر على الماضي، ففكرة أهمية الابن على الابنة لا تزال سائدة بين الأزواج، ولا يزال تقديس الابن راسخاً نظراً لاستمرار النظام الأبوي في المجتمع، ولا يمكن للرجال الاعتماد إلا على الابن للبقاء على قيد الحياة في ظل رجولتهم، لذا لا يزال إنجاب الابن يُعتبر رمزاً لنجاح العلاقة بين الأزواج، ولفهم القضية بشكل أوضح، من الأفضل النظر إلى جريمة قتل امرأة في كرماشان قُتلت على يد زوجها بمسدس قبل بضعة أشهر لأنها أنجبت ابنتين وحملت بتوأم مرة أخرى، كما ذكر القاتل أن الدافع وراء القتل هو جنس أطفالها، لكن السبب الرئيسي لهذه الجريمة هو التقليل من شأن الجنس الأنثوي، مما أدى إلى منح الرجل حق تطليق زوجته، والزواج من أخرى، أو حتى قتل زوجته إذا أنجبت بنتاً".
وصمة العار المرتبطة بإنجاب الفتيات
إن الإصرار على إنجاب الابن متأصل في جميع المعتقدات والثقافات والأفكار والرأي العام، وما إلى ذلك، في مجتمعنا، وقد بذل المجتمع قصارى جهده لتذكيرنا بأهمية إنجاب الابن، فإذا نظرنا إلى الأنساب المختلفة، فسنجد أن أسماء الأولاد فقط هي المستخدمة، إذ يُعتقد أن استمرار الجيل لا يمكن أن يتم إلا من خلال الابن، وإذا كان لدى شخص في سلسلة النسب عدة بنات ولكن ليس لديه ابن، يُطلق عليه لقب "البيت الأعمى".
وفي الأدب العامي، عندما يريدون التحدث عن رجل ليس لديه أبناء سوى ابنة، يُطلقون عليه لقب "البيت الأعمى"؛ إذ يُعتقد أن الابن وحده هو القادر على الحفاظ على اسم العائلة، وأن الوارث الرئيسي يجب أن يكون ذكراً، ولا يمكن للبنت أن تحل محل الابن، فقد تغلغل هذا الاعتقاد في أعماق العقول البشرية في المجتمعات، لدرجة أن الأم، على الرغم من كونها أنثى، تشعر بخيبة أمل عندما تلد طفلة وترغب في الحمل مراراً وتكراراً في محاولة لإنجاب طفل ذكر حتى تحقق رغبتها.
وفي الماضي، عندما لم تتمكن المرأة من إنجاب طفل ذكر، كان عليها أن تقبل أن يتزوج زوجها من امرأة أخرى، لأنه لا يوجد للمرأة شرف أعلى من الولادة، خاصة ولادة طفل ذكر، ولا تزال هذه المشكلة قائمة في المجتمع، وتضطر العديد من النساء إلى الطلاق بسبب إنجاب أنثى، ولكن ظهرت طريقة أخرى أيضاً في عالم هؤلاء النساء هذه الأيام، مثل نافذة من الضوء تنتهي بإنجاب ذكر، وهي التلقيح الصناعي.
التكنولوجيا في خدمة تبجيل الابن
كان الهدف من هذا الحل الطبي في البداية هو حل مشكلة العقم لدى الأزواج، ولكن مع توسع هذه الطريقة الطبية وإمكانية تحديد الوالدين لجنس الطفل، أصبحت وسيلةً لإنجاب ابن.
الخوف من عدم إنجاب ابن أكبر من الخوف من العقم، حيث قالت الطبيبة النسائية والتوليد في كرماشان عن مرضاها "لا يقتصر هدف نسبة كبيرة من المرضى على حل مشكلة العقم فحسب، بل إن أولويتهم، بالإضافة إلى علاج العقم، هي إنجاب ابن، حيث يثق المرضى بعلاجهم، لكن معظمهم يركزون على نقطة واحدة فقط، وهي تحديد جنس المولود المرغوب فيه هو نفسه جنس الابن، إذا سألتهم عن سبب تركيزهم على إنجاب ابن، يقولون إنه حتى لو سمحت لهم فرصة الحمل مرة واحدة، فإنهم يفضلون أن يكون ابنهم الوحيد ابناً، لا ابنة، لأنهم يعتقدون أن الابن هو الداعم الرئيسي الوحيد للأسرة، وأن وجوده ضروري للحفاظ على كيانها، لذلك، فإن الخوف الرئيسي للمرضى ليس عملية العلاج، بل همهم الأكبر هو عدم النجاح في إنجاب ابن".
تبجيل الابن في العصر الحديث نفس الظلم في ثوب علمي
لعب مدح الرجال وعبادة الابن، منذ القدم، دوراً بارزاً في الحياة اليومية لمجتمعنا، بل إن ازدياد تبجيل الابن يتجلى في كل عصر أكثر من ذي قبل، والفرق الوحيد يكمن في الأساليب الجديدة لعبادة الابن التي حلت محل الأساليب القديمة، وفي الماضي، كان للرجل الحق في استبدال زوجته بامرأة أخرى لمجرد عدم قدرتها على الإنجاب، أما اليوم، فلا يزال هذا الاستبدال قائماً، مع فارق أن المرأة تُجبر أولاً على تجربة التلقيح الصناعي، وإذا لم تنجح، يحق للرجل اختيار امرأة أخرى، مع أن الرجل في كثير من الأحيان يتصرف بالطريقة التقليدية نفسها ويلجأ مباشرةً إلى امرأة أخرى.
معاناة العلاج لإنجاب الابن
قالت امرأة خاضت تجربة التلقيح الصناعي "خضعتُ لهذه العملية في مستشفى ابن سينا بطهران، وعادةً ما تستغرق عملية العلاج بأكملها، وتحت إشراف الطبيب، حوالي عام، وذلك حسب نوع مشكلة العقم، عادةً ما يأتي المرضى من أبعد المناطق في المحافظات لإنجاب طفل، لكن في الواقع، يرغب معظمهم في إنجاب طفل ذكر إما لأنهم عادةً ما يكونون قد أنجبوا فتاة ويحاولون الآن إنجاب ولد، أو لأنهم لم يحملوا لفترة طويلة وتعرضوا للانتقاد، فيفضلون إنجاب ابن لتعويض كل هذا الضغط، ولتجنب العمى على الأقل".
في هذه العملية العلاجية، تُعطى عادةً ما بين 250 و300 حقنة في أقل من 3 أشهر، وبالإضافة إلى نظام غذائي خاص وتكاليف مالية باهظة، تتحمل الأم معاناة مضاعفة حتى موعد الولادة، حتى تتمكن من إنجاب الابن لزوجها وتنجو من لوم الناس، لأن الاعتقاد السائد في المجتمع هو أن على المرأة واجب واحد، وهو رعاية الطفل، وهكذا تكون أماً، والأم الأكثر حباً هي في الواقع الأم التي لديها ولد بحسب اعتقادهم.
الختان بالآلات الموسيقية وتسمية البنات بـ "يكفي"
قد يبدو الأمر مبالغاً فيه، لكن احترام الابن عظيم لدرجة أن العديد من العائلات، بعد ولادته، تقيم حفلاً الآلات الموسيقية متفاخرين أن لديهم ابناً، والجزء المرير من هذا الإظهار لقدسية الابن وضعف الابنة هو النساء اللواتي أطلق عليهن اسم "يكفي بنت".
يُختار اسم "يكفي" في العديد من مناطق إيران للفتيات اللواتي لم يتمكن آباؤهن من إنجاب ابن بعد إنجاب عدة فتيات، لذلك، ووفقاً لمعتقداتهم، يستخدمون هذه الكلمة لتسمية بناتهم للدلالة على أن إنجاب فتاة يكفي، وربما تحدث معجزة إلهية ويكون طفلهم التالي ذكراً.
ولكن وراء كل هذه الألقاب والتسميات، التي تعكس العقلية الأبوية والهياكل التقليدية والنظام المتمركز حول الدولة الذي عرّف السلطة في ارتباط وثيق بالجنس، توجد أيضاً نساء يقظات اخترن طريقاً مختلفاً؛ نساء ولدن من نفس المعتقدات الراسخة، ولكن بدلاً من تكرارها، يتخذن خطوات نحو التحول؛ نساء لا تحمل أسماؤهن "يكفي فتيات" بل "كفى أبوية" و"كفى قمع"، ويشكل نشاطهن سؤالاً في مواجهة كل ما تم قبوله كمعيار أو قيمة أو مقدس لسنوات.