من السجون إلى الساحات... المرأة تقود مسيرة الحرية

في ثورة عام 1979 ضد نظام الشاه في إيران، قادت النساء النضال بإيمان عميق منبثق من ثقة الشعب، لذلك، يمكننا اليوم أن نحول الواقع الذي بناه النظام الذكوري المهيمن إلى فضاء من الحرية، نعيد فيه للإنسانية حيويتها وحقيقتها.

دنيز داريا

القوى الذكورية ـ الدولتية التي بنت قيمها على المرأة منذ آلاف السنين وكرّست وجودها للاستمرار، تهاجم من كل جانب، وتسعى إلى جعل المجتمع صامتاً داخل شخصية المرأة، وتهميشها داخل ذاتها، وتجريدها من القيمة، وإبعادها عن النضال وجعلها غير موجودة، لكن النساء من خلال نضالهنّ المستقل في ساحات الانتفاضات أظهرن أن لا قوة تستطيع أن تسيطر عليهن أو تلغي قيمهن التاريخية الممتدة لآلاف السنين.

في تاريخ الإنسانية حتى يومنا هذا، كلما خرجت المرأة إلى الساحات، بقيت الأنظمة السلطوية عاجزة أمام نضال النساء، ولهذا السبب، دائماً ما تقوم بقمعهنّ، وهذا يكشف عن ضعف السلطة القائمة، كما يحدث للنظام الإيران الذي يسير على نفس المسار، ومن أجل البقاء، يسعى عبر قوانينه المعادية للنساء إلى إسكاتهنّ، لكن فلسفة"Jin Jiyan Azadî"، تُعد بديلًا في مواجهة النظام الذكوري ـ الدولتي، وتُفشل كل خطط النظام الإيراني.

 

النساء قدن الثورة ضد الشاه

اليوم نرى أن النساء لا يقبلن بأي شكل من أشكال النظام الثلاثي القائم في إيران، ويواجهن هذا النظام القمعي بصوت ونضال واضحين، ففي تاريخ الإنسانية، كانت المرأة دائماً صاحبة موقف في مواجهة الأنظمة الإقصائية، ومرة أخرى، في العالم فإن الغالبية العظمى من ضحايا الحروب التي تُدار من قبل الأنظمة الذكورية هنّ النساء.

ونرى في ثورة عام 1979 ضد نظام الشاه أن النساء كنّ في طليعة النضال الشعبي، وكنّ مناضلات ومضحيات، لأن التغيير والتحول يكمنان في ذكاء المرأة وشخصيتها، وليس في الحرب والصراعات، بل في النضال السياسي والاجتماعي الذي يمثل الأخلاق، ويُشكّل أساس ثورتها.

 

"ثورة المرأة هي العودة إلى حياة المرأة ـ الأم"

من المؤكد أن المرأة سارت دائماً خلف العدالة والحياة الحرة، لأنها حافظت على روحها الحرة، فعندما يُرى خطر انعدام الإنسانية، تنهض النساء ولا تسمح بأن تُمحى الإنسانية، ففلسفة Jin Jiyan Azadî"" تطالب بحياة حرة وترفض النظام الذكوري ـ الدولتي الممتد لآلاف السنين، إنها فلسفة الوعي وكسر القوالب التي استمرت لآلاف السنين، وثورة المرأة هي العودة إلى حياة المرأة ـ الأم التي كانت الإنسانية تعيش فيها بحرية.

عندما تواجه المرأة هذا النظام الذكوري الذي يسير منذ آلاف السنين على طريق محو الإنسانية، تنهض وتقف في وجهه، ليس فقط لرفض الحجاب أو بعض المطالب السطحية، بل نهوض النساء هو من أجل حياة مشتركة، وسياسية، ورفض الحجاب أيضاً يحمل قيمة كبيرة، لأن الدولة وضعت جزءاً من قوانينها على أجساد آلاف النساء، وتريد من خلال قمعهنّ وإسكاتهنّ أن تخوض حرباً كبيرة.

لكن النساء واجهن ذلك بشجاعة ونزلن إلى ساحات النضال، ومع ذلك، هناك العديد من القضايا الحيوية الأخرى التي تناضل النساء من أجلها في هذه الثورة.

 

"الخوف من النظام الاستبدادي قد تم تجاوزه"

من جهة أخرى، فإن ثورة المرأة هي ثورة ثقافية تساءلت عن كل سلاسل العبودية التي استمرت لآلاف السنين، ذلك الرجل الذي كان يقود المجتمع بعقله وحنكته السلطوية، وكان يُفرغ القيم الثقافية للمجتمع من معناها؛ نرى اليوم أن المرأة، من خلال فكر وفلسفة القائد أوجلان، ترفض ذلك العقل وتلك الحنكة، وتضع كل شيء موضع تساؤل، والنظام الأسري الذي يُدار وفقاً لعادات وتقاليد متنوعة، وتُخنق ذاكرته بتلك الأقنعة، يُسأل ويطالب بالمحاسبة.

والقائد أوجلان أوصل المرأة إلى مستوى باتت تعرف فيه ما تريد، ولهذا السبب، خلقت هذه الثورة قيماً عظيمة لنفسها، وجعلت صوت وموقف النساء واحداً، هذا الخوف من النظام الاستبدادي الإيراني قد تم تجاوزه، واستعادت المرأة هويتها الذاتية، ونرى أنه من أجل الإنسانية، لا يمكن أن تكون المرأة مجرد كائن ضعيف، بل تصبح صاحبة موقف تضحي من أجله.

 

"المرأة تُنظم حياتها الحرة"

بلا شك، في عام 1979، كانت مطالب النساء والشعوب هي الحياة الحرة والمتساوية، لكن مع قيام الدولة الإسلامية، شُنّت الهجمات من كل جانب على النساء والشعوب، لكن النساء من خلال نضالهن، قدمن آلاف التضحيات، وانتصرن على نظام الشاه، واكتسبن الثقة.

لكن مع تأسيس الجمهورية الإسلامية، تم تحويل تلك الثورة إلى وسيلة لإبادة الشعوب والنساء والأحزاب، واستغل النظام الحاكم في إيران بشكل منهجي وقوي عمل الشعوب والنساء بكل الطرق، لكننا رأينا أن ثورة المرأة من أجل حياة حرة هي ثورة فكرية وشككت في الفهم القائم، لهذا السبب، خلقت هذه الثورة أشياء كثيرة لنفسها.

والنظام القائم على أيديولوجية متطرفة وضع قوانين لتدمير المرأة وجعل من شخصيتها هدفاً للمجتمع، لكن المرأة من خلال فكر الحياة الحرة، تُنظم نفسها وتنتفض بوجه النظام الحاكم.

 

"يجب أن يكون القرن الحادي والعشرون قرن حرية المرأة"

ثورة المرأة من أجل حياة حرة هي ضربة كبيرة لسلطة الرجل والدولة التي استمرت لآلاف السنين، فالنساء من خلال نضالهن حطمن تلك السلطة التي كانت محاطة بقوالب اجتماعية تقليدية، حيث كان الرجل يرى المرأة كرمز للشرف، ولم يسمح لها بأن تكون صاحبة صوت ولون.

لكننا نرى اليوم أن الرجل يمد يده إلى يد المرأة، ويأخذ مكانه في ساحات النضال، والمرأة ترى نفسها كحجر أساس للحياة، لكن في الحقيقة، مع ظهور القائد أوجلان، أصبحت المرأة مجالاً للحياة الحرة من أجل الإنسانية.

كانت الدول الذكورية تفرض قوانينها القمعية دون سبب لتثبيت المجتمع، لكن اليوم يتم تثبيت المجتمع من قبل النساء، ولهذا قال القائد أوجلان "يجب أن يكون القرن الحادي والعشرون قرن المرأة، ووحدة المرأة والرجل"، فالنظام القمعي استخدم كل قوته في الرجولة ليمنع تقدم هذا القرن أو يعيقه، لكنه لم يستطع.

 

"الدولة الاستبدادية الإيرانية تقمع الشعب في ذكرى الثورة"

لم يتمكنوا من إسكات الثورة بالقتل والإعدام والاغتصاب والحظر، بل وحتى بسن قوانين جديدة، ولعل هذه الثورة هي الثورة النموذجية للأمة الديمقراطية، التي خشيت منها دولة الأحزاب الثلاثة في إيران بشدة، فقدّمت تنازلات كبيرة لنظام الحداثة الرأسمالية.

والدول التي هددت إيران لمنع نجاح هذه الثورة، ساندت ما يسمى بالدولة الإسلامية، فلطالما واجهت النساء والشعب هذه السياسة الممنهجة من السلطات، لكنهن لم يتراجعن عن نضالهن، نعلم أن ثورة النساء خلّفت وراءها حياة حرة لمدة أربع سنوات، لكن دولة الأحزاب الثلاثة في إيران تقمع الشعب في ذكرى الثورة حتى لا يتمكن أحد من التقدم، ومع ذلك، لا يمكنها أن تقضي على رغبة النساء والشعب المتزايدة وروحهما في حياة حرة، فقد رفعت النساء الرائدات في السجون، بموقفهن الحازم، مستوى نضال ثورة المرأة إلى الصدارة، من أجل الحياة والحرية.

 

من أجل حياة حرة تتسع تلك الإرادة وتكبر باستمرار

يُعرّف النظام الاستبدادي الإيراني السجون على أنها ساحات للاستسلام، وفي مواجهة هذه السياسة القمعية، فإن النساء اللواتي يناضلن من أجل حياة ديمقراطية، ويؤثرن يوماً بعد يوم على جميع السجناء، يفرغن سياسات النظام من مضمونها من خلال نضالهن، لذلك، نرى أن من أجل حياة حرة، تتسع تلك الإرادة وتكبر، وتخلق داخل المجتمع نضالاً مشتركاً.

نقطة أخرى هي أن لا ثورة تُنتزع دون ثمن، ولكي نسدد ثمن ما دفعناه، يجب أن ننظم أنفسنا في جميع الجوانب، لأنه فقط من خلال التنظيم الذاتي يمكننا أن نُسقط القمع القائم ونقضي عليه، ولكي نخوض نضالاً قوياً في مواجهة النظام المختل، يجب أن نبني نظامنا الخاص للحل، وهو يقوم على نموذج الكونفدرالية الديمقراطية الذي طرحه القائد أوجلان، فعندما تنخرط في هذا النظام وتنظم نفسك، يمكنك أن تقف بقوة في وجه النظام المحتل.

لذلك، يجب أن يعرف الجميع أن النظام الذي يُسير العالم اليوم لا يضمن أمن أي أحد، فهو يُشكّل خطراً كبيراً ليس فقط على الأفراد، بل على الإنسانية جمعاء، ولكي نتجاوز هذه المخاطر كأناس، من الضروري أن نبني نموذج القائد أوجلان بشكل جيد.

 

الدفاع عن الذات والانتماء لقيم الإنسانية هو موقف أخلاقي

لمنع ترسيخ هذا النموذج، تهاجم القوى المهيمنة الشعب الكردي ومقاتلي الحرية من كل حدب وصوب، إنهم يريدون تدمير المرأة والشعب الكردي والإنسانية في شخص القائد أوجلان، الذي أسس الحياة الحرة التي تحكمها فلسفة المرأة والحرية.

لذلك، تسعى السلطات الإيرانية لمنع تطبيق هذا النموذج وترك الشعب بلا منصب أو حماية، في مواجهة هذا النظام المدمر، يُعد توحيد الموقف والنضال أمراً بالغ الأهمية، وعلى وجه الخصوص، يجب على النساء توحيد نضالهن وبناء دفاعهن من جميع الجهات، وإن الدفاع عن أنفسهن والدفاع عن قيم الإنسانية موقف أخلاقي، فقد قال القائد أوجلان "ما لا يتغير يهلك".

وفي الواقع، المهم هو أن ديمقراطية النظام والطريق إلى السياسة الديمقراطية قد فُتحا، وقد أوصل القائد أوجلان، بنضاله الذي استمر 52 عاماً، الساحة إلى مستوى يمكن للجميع استخلاص دروس عظيمة منه، فقد تحوّل نظام إمرالي، الذي لا يُمثّل سوى الموت، إلى فضاءٍ يزدهر فيه السلام، وتستند فيه الحياة والبعث إلى الموت.

وبذلك، يُمكننا تحويل الجحيم الذي خلقه النظام الذكوري المهيمن إلى جنة، وإعادة البشرية إلى نعيمها، ولكن لتحقيق ذلك، لا بدّ من وعيٍ مُكافح، يحمل معيار الرفض والقبول، ويبني وحدته الخاصة ويستمدّ قوته منها.