من المحاكم إلى الأسرة... دوائر العنف المستمرة بحق النساء
أكدت المحامية رازاو جول محمود، أن العنف ضد النساء ظاهرة متجذرة في النظام الذكوري وتستمر بأشكال متعددة، وأن القوانين تُستخدم كأداة لتكريس التمييز.
هيلين أحمد
السليمانية ـ العنف ظاهرة مناقضة للإنسانية، ويتجلى بأشكال وأساليب متعددة ومنهجية تستهدف النساء والمجتمع والطبيعة. فالعنف الثقافي يُعد نتاجاً مباشراً للسلطة، إذ حيثما وُجدت سلطة يظهر العنف بوصفه جزءاً من بنيتها.
تتعدد أشكال العنف بين الجسدي والنفسي والسياسي والاقتصادي والفكري والرقمي وغيرها، وجميعها تُسخَّر لخدمة السلطة. ومن هنا، لم تبدأ أحداث العنف بالقضاء على الأخوات ميرابال فحسب، بل إنهن أصبحن رمزاً للمقاومة وأيقونة لتأسيس اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.
منذ نشوء النظام الذكوري، لم يمر يوم دون أن تواجه النساء أشكالاً مختلفة من العنف، حيث يُقتلن ويُبادن في أنحاء العالم، بينما يمارس الرجال القتل والسيطرة باعتباره حقاً مشروعاً. الثقافة الذكورية هي السبب الرئيس في تقليل قيمة النساء، وهي التي تقود إلى جميع أشكال الإبادة بحقهن. واليوم تُشن هجمات ضد النساء تصل إلى حد القتل الجماعي. فالنظام السياسي قائم على التمييز الجنسي، والأسرة باعتبارها الخلية الصغيرة للسلطة تُغرس فيها العقلية الذكورية الفردية وتُعزز باستمرار. ولمواجهة هذه العقلية والسلطة السائدة، تحتاج النساء إلى تنظيم صفوفهن وتوحيد جهودهن، ليتمكنّ معاً من التصدي لكل أشكال الإبادة والعنف الموجه ضدهن.
وفي هذا الصدد، قالت رازاو جول محمود، المحامية وعضو مجلس إدارة شبكة الثامن من آذار، إن العنف الممارس عبر القوانين ضد النساء يمثل إحدى أخطر صور التمييز "القضايا المرتبطة بالتشريع وتنظيم المجتمع، في أي مجتمع يسعى نحو الديمقراطية، يجب أن تقوم على سيادة القانون. فصياغة القوانين في إطار حماية حقوق الأفراد واجب أساسي على الدولة الديمقراطية. وعلى هذا الأساس وُضعت تشريعات لضمان حقوق النساء والأطفال، لكن بعض هذه القوانين كانت تحمل تمييزاً ضد النساء، أو جرى تعديلها أو إلغاؤها".
وبيّنت أنه "في المجتمعات غير الديمقراطية تتحول القوانين إلى أدوات للعنف ضد الأفراد، على غرار تعديل قانون الأحوال الشخصية عام 2025 وإصدار قانون الأحوال الشخصية الجعفري، حيث يُمارس العنف من خلال التشريع ذاته. وبدلاً من أن تكون القوانين وسيلة لتحقيق السلام والأمان المجتمعي، فإنها تُنتج أزمات اجتماعية وتكرّس العنف، لتصبح أداة لتقييد النساء والأطفال وإخضاعهم".
في إطار حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء، أشارت رزاو جول محمود إلى أن السلطات ما زالت تتعمد حجب الإحصاءات المتعلقة بالعنف ضد النساء، إذ إن أحد قرارات حكومة إقليم كردستان والجهات المعنية، يقضي بمنع نشر إحصائيات عن جرائم قتل النساء، وهو ما يُطبق حتى الآن. ومع ذلك، يواصل بعض الإعلاميين والناشطات النسويات كشف هذه الحقائق عبر المتابعة والتقصي المستقل.
وأوضحت أن العنف ليس حدثاً عابراً، بل هو ظاهرة ممتدة عبر الماضي والحاضر والمستقبل، ويتجلى في أشكال متعددة مثل العنف السياسي والقانوني والاجتماعي، وغيرها من الأشكال التي تواجه المجتمع وتُمارس بحق النساء. مؤكدةً أن النساء كثيراً ما يواجهن العنف داخل المحاكم، حيث تُترك قضاياهن بلا حلول عادلة، ويُدفع بهن نحو تسويات عشائرية قسرية، الأمر الذي يُكرّس العنف بدلاً من إنهائه "استمرار تجاهل المحاكم لقضايا النساء وتحويلها إلى حلول شكلية يجعل النساء أكثر عرضة للعنف، مما يستدعي بذل جهود جدية لإصلاح هذا الواقع وضمان العدالة الحقيقية لهن".
والحد من العنف يرتبط بشكل مباشر بوعي المجتمع والأفراد معاً على حد قولها، فالنساء الكرديات واجهن عبر التاريخ أشكالاً متعددة من العنف، وما زالت هذه الممارسات تلقي بظلالها على المجتمع حتى اليوم، لكن الاستسلام لاستمرارها لم يعد خياراً. مؤكدةً أن النساء يعملن على إضعاف هذه الظاهرة، غير أن الموقف المقاوم للعنف يشهد تراجعاً في الوقت الراهن.
وأضافت "في الماضي كان المجتمع يرفض بشدة أي عنف يُمارس ضد طفل أو امرأة، أما اليوم فقد ازدادت مظاهر العنف بشكل ملحوظ، وارتفعت معدلات الجرائم بعدما كانت نادرة الحدوث"، مشيرةً إلى أن هذه الجرائم تُستغل حالياً كوسيلة للضغط على محاولات الدفاع عن الحقوق ومواجهة العنف، إلا أن الحل يكمن في تعزيز وعي الأفراد والمجتمع.
وفي ختام حديثها قالت "نسعى من خلال نشر الوعي إلى تقليص مظاهر العنف، لنضمن أن تعيش النساء والأطفال في المستقبل في بيئة آمنة بعيدة عن العقلية الذكورية، ونفتح أمام الأجيال القادمة طريقاً نحو حياة يسودها السلام والاستقرار".