من اللغة إلى الهوية... تحديات تواجه الكاتبات
في اللقاء الثالث لجمعية الرومي تمت مناقشة قضايا الكتابة النسائية والتحديات الثقافية والاقتصادية والفوارق الاجتماعية في المجتمع الكردي والمجتمعات الأخرى.
ويدا منصوري
سنه ـ انعقد اللقاء الثالث من سلسلة برامج جمعية الرومي في 7 كانون الثاني/يناير في المكتبة المركزية في مدينة سنه شرق كردستان، بالتعاون مع دار هوجين للترجمة، أقيم هذا اللقاء الأدبي الذي استمر ساعتين بحضور شعراء وكتّاب وباحثين من مدن مختلفة.
جسدت كلثوم عثمانبور محور قصائد جلال ملك شاه وقالت "جلال ملك شاه معروف لدى الجميع، سواء خبراء الشعر والأدب أو عامة الناس، لأن ألمه كان ألم الناس وكان همه هو الناس ووطنه".
وأضافت "كان جلال ملك شاه شاعراً حراً ومتحرراً، وليس شاعراً منضبطاً ومقيداً بأطر مفروضة، وهذه الصفة واضحة أيضاً في نظرته للمرأة، إنه غير مستعد لإظهار نفس الصورة النمطية للمرأة أو إلقاء نظرة عابرة عليها. في قصائده، صورة المرأة ليست العشيقة الجميلة البعيدة، بل الأم، ولكن هذه الأم ليست بالمعنى المتدين والطيب، بل هي أم حكيمة واعية للغاية ولديها معرفة سياسية وتاريخية. الأم التي تجهل مصير وطنها ليست أول من يبكي أو يندب معاناة وطنها، بل يبكي بمعنى عميق".
وأضافت إن "موقع الأم في قصائده هو موقع واعٍ، ويتوقع منها الإجابة على أسئلة الحياة الجادة والفلسفية. في قصائده يسأل والداته عن هويتها، فيقول: أمي من أنا ومن أي أرض أنا؟ لترد عليه الوطن بالنسبة للملك هو الأم، والأم هي الوطن، ولا يمكنه أن يتخلى عنها".
وترى أن "المرأة في شعر جلال ملك شاه هي امرأة تعاني، وهذه المعاناة قد تكون سياسية أو نابعة من مشاكل أخرى في الحياة، وبشكل عام فإن لغته الشعرية ناقدة، ولكنها في نفس الوقت مفعمة بالأمل؛ الأمل في المستقبل، حيث ستقوم تلك المرأة بإنجاب جيل واعي يحقق السعادة الإنسانية".
من جهتها أوضحت الباحثة بيان عزيزي العوامل المؤثرة على الكتابة النسائية "أسئلة مثل ما هو العالم المختلف الذي تخلقه النساء، وما هي المشاكل التي يواجهنها على طول الطريق، وكيف ينظر الجمهور إلى إبداعاتهن، هي أسئلة تشكل أهمية الكتابة النسائية، وبدأ هذا الموضوع العام الماضي في جمعية مهاباد بالتعاون مع جمعية علم الاجتماع في مهاباد، من خلال خمسين مقابلة قصيرة مع نساء في مدن مختلفة، وفي هذه المقابلات، سألنا عن المشاكل التي تواجهها المرأة في الكتابة وما هي القضايا التي أثرت على كتاباتها هل هي قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية أم أنها رقابة ذاتية مفروضة عليها؟".
وأضافت "الموضوع الثاني هو من منظور علم الاجتماع، ويبحث في المكانة والطبقة التي توجد فيها المرأة والقوانين المفروضة عليها في المجتمع. إن النص الذي تنشئه المرأة في هذا المجتمع يظهر مدى حريتها وتحررها وكيف ينظر المجتمع إليها، ويظهر مدى هيمنة قوانين المجتمع وفرضها عليها".
وأوضحت "في كتاب (اللغة وموقع المرأة) للكاتب لاكاف (1975)، والذي كان رائداً في مجال البحث النسوي، تم طرح نقطة مهمة لنفكر في امرأة هي كاتبة وربة منزل وأم في نفس الوقت هذا الشخص في حالة من الغموض ويجب عليه التنافس مع كاتب رجل لديه واجبات أقل، ويشير الكتاب أيضاً إلى أن طبقة النساء في هذا المجتمع مؤثرة أيضاً. إذا كانت المرأة تنتمي إلى الطبقة الدنيا، فإنها لا تمتلك القوة الاقتصادية لطباعة الكتب ولا تستطيع التواصل بشكل فعال، وهذا وضع عالمي وهو نفسه في فرنسا وإنجلترا في القرن الثامن عشر، لكن دائرة الفرص المتاحة أمام المرأة تصبح أصغر وأكثر محدودية، وعندما تبدأ المرأة بالكتابة، لا بد وأن تكون قد تغلبت على العديد من الصعوبات، وعلى هذا الأساس، ليس لدينا مكانة متساوية، وهذا هو جواب النسويات على سؤال لماذا عدد الكاتبات في العالم أقل من عدد الكُتّاب".
وبينت أن "هذه المشكلة موجودة أيضاً في المجتمع الكردي، وقد أثبتت الدراسات أنه مقابل كل 28 كتاباً للرجال ينشر كتاب واحد للنساء".
والموضوع الأخير يتعلق بعلم النفس، وتتناول بيان عزيزي هذه القضية من وجهة نظر الفيلسوف جاك لاكان "تدخل المرأة منطقة كانت في السابق تابعة للرجال وتتحدث عن عناصر كانت تابعة للغة الرجال، فمن الناحية النفسية، كل امرأة تكتب تشعر دائماً بالقلق بشأن آراء جمهورها من الذكور، لذلك يجب على المرأة أن تكون قوية بما يكفي للكتابة ولا تقلق بشأن هذه الآراء وأن تحرر نفسها من هذا الفخ العقلي والداخلي ولا تهتم بآراء الآخرين، ففي المقابلات التي أجريناها مع النساء، أدركنا أنه في مواجهة هذه المخاوف، تضطر النساء إلى اللجوء إلى الرقابة الذاتية، ولا تستطعن التعبير عما تردن. الكتابة عن جسدك، والعلاقات العاطفية، والعلاقات خارج الأسرة وداخلها، كل هذه الأمور تشكل تهديداً للكاتبات وتخضعهن تلقائياً للرقابة، وتقول بعض النساء أن كتاباتهن تشكل تهديداً لحياتهن الشخصية، لأن هذا السؤال يطرح على الرجال هل عشاقهن داخل كتاباتهن أم لا. إن العديد من هذه التجارب، بما في ذلك التوقعات والإشراف، تمنع النساء من الكتابة كما ينبغي، وبشكل عام توجد رقابة على كتابة المرأة، ولكن ليس هناك رقابة على كتابة الرجل".
وأشارت أيضاً إلى أن تكاليف طباعة الكتاب تختلف بالنسبة للمرأة عنها بالنسبة للرجل، وقالت إن هذه التكلفة أعلى بالنسبة للمرأة "يعرف الناشرون سبب قلة جمهور الكتب النسائية، في حين أن الواقع هو أن مجال الطباعة تطور كثيراً بحيث يحتاج إلى وقت حتى يتغير، وبالإضافة إلى ذلك، فإن عدد مراجعات الكتب أعلى أيضاً بالنسبة للمؤلفات الإناث، كما أن نطاق مفردات النساء أكثر محدودية وتم حذف الكلمات المتعلقة بجسد المرأة، وهذه المرة تم فرض الرقابة على النساء مرة أخرى، وهذه المشكلة لا وجود لها عند الرجال؛ وعلى الرغم من أن بعض الرقابة السياسية والاجتماعية متشابهة لكلا الجنسين، إلا أن الواقع هو أن القيود أكبر بالنسبة للنساء".
وأوضحت اختلاف تعبير المرأة عن نفسها في بعض المجتمعات "في المجتمع الكردي تمكنت المرأة من إيجاد قدر أكبر من الحرية والتحرر والتعبير عن نفسها بسهولة أكبر في الأبيات والقصائد والأغاني الموجودة في اللغة الكردية والتي تنتقل من شخص إلى آخر. الحرية التي هي أقل شيوعاً في المجتمعات الأخرى. وفي هذه الآيات والعجائب تظهر العلاقة بين الرجل والمرأة بشكل أكثر مساواة وأفضل".
ولفتت بيان عزيزي أيضاً إلى نصوص تاريخية مثل "أغاني سليمان" من العهد القديم، وقالت إنه في هذه الأعمال لا يوجد فرق بين عاشق وعاشقة، أو امرأة ورجل. كما يصف الرجال حبيباتهم، تصف النساء أيضاً أحبائهن بحرية واحترام للذات، ولا ترى النساء في هذه النصوص أنفسهن أدنى من الرجال، بل يؤمنّ بأنفسهن أيضاً لدرجة أنهن أكثر ثقة بأنفسهن ولديهن شجاعة أكبر في التعبير عن مشاعرهن.
خلال البرنامج تحدثت الكاتبات والشاعرات والباحثات عن المشاكل التي تواجههن في عملية طباعة كتبهن وأعمالهن. وتشمل المشاكل القضايا الثقافية، ونقص الدعم المتبادل، والقضايا الاقتصادية. واعتبرت هؤلاء النساء، اللواتي نشرن عدة كتب في كثير من الأحيان، هذا اللقاء فرصة ثمينة للتعبير عن مشاكلهن وآلامهن، وأملن بتقليص الفجوات وإزالة العقبات التي تواجه الكاتبات، وطالبن بتغييرات إيجابية في المستقبل القريب.