من الحرب إلى الأمل... أصوات النساء تصوغ مستقبلاً أكثر عدالة

النساء الكرديات المناضلات من أجل السلام ترغبن في أداء دورهن في عملية الحل، ومع ذلك، فإنهن ينتظرن خطوات ملموسة وشاملة أكثر لتؤمنَّ بصدق هذه المرحلة.

أرجين ديليك أونجِل

آمد ـ في الشرق الأوسط، تستفيق النساء كل يوم على الحروب التي تواصل دعم التمييز الجنسي والهيمنة الذكورية وما ينتج عنهما من عنف، وبالتالي يزداد عدد النساء اللواتي لا تجدن مأوى وتجبرن على سلك طرق الهجرة، وهناك، سواء في طرق النزوح أو في البلدان التي يرون فيها بصيص أمل، تتعرضن لجميع أنواع العنف.

الهجمات التي تشنها الدولة التركية وجهاديي هيئة تحرير الشام ضد الشعب السوري، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، والحرب في غزة، والأزمات العسكرية والسياسية والاجتماعية الناتجة عن غياب حل للقضية الكردية، وأخيراً اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، كشفت مجدداً عن مدى تدمير الحروب للشعوب ومقومات الحياة.

وفي هذا المشهد المليء بجرائم الحرب، تختلف أيضاً أشكال تأثر النساء بالحرب؛ إذ تتعرضن لمزيد من العنف الجنسي، ويُنظر إلى أجسادهن وكأنها جزء من ساحة المعركة، ومع ذلك، من يرفع صوته منادياً بالسلام في مواجهة الحروب هنّ النساء أيضاً، تخرجن إلى الشوارع ضد النظام الأبوي والعسكرة، وتدعين إلى السلام.

تمر المرحلة الحالية من الصراع المستمر منذ نحو 50 عاماً بمنعطف جديد، بعد دعوة القائد عبد الله أوجلان في 27 شباط/فبراير "السلام والمجتمع الديمقراطي"، واستجابةً لهذه الدعوة، عقدت حركة التحرر الكردستانية مؤتمرها الثاني عشر واتخذت قرارات شكلت بداية مرحلة جديدة.

في هذه المرحلة التاريخية، تسعى النساء أيضاً إلى أداء دورهن، لكنهن تنتظرن من الحكومة خطوات ملموسة وشاملة أكثر لتؤمنَّ بصدق هذا المسار.

 

السلام يكون من طرفين

إحدى النساء المناضلات لإنهاء الصراع في شمال كردستان، والمعروفة بـ "أم السلام" سلطانة أزبي، أعربت عن رفضها لجميع الحروب في العالم، مشيرةً إلى أن القائد عبد الله أوجلان أخذ على عاتقه مسؤولية كبيرة وبدأ مساراً جديداً "وجه نداءً تاريخياً، وبعد ذلك أعلنت حركة التحرر الكردستانية وقف الكفاح المسلح وإعادة الهيكلية التنظيمية للحزب، لكن الدولة التركية لم تخطُي أي خطوة، السلام لا يتم من طرف واحد، يجب إطلاق سراح السجناء السياسيين، عليهم اتخاذ خطوة حتى نتمكن من الوثوق بهم".

 

"يجب أن تجتمع أمهات الجنود والمقاتلين"

 

 

وأكدت سلطانة أزبي أن القائد أوجلان هو من يقود هذا المسار "لا يوجد في العالم قائد لشعب بقي معتقلاً كل هذه الفترة، لا تزال هناك معاناة تمارس بحق الكرد، نحن الأمهات لا نريد إراقة الدماء، نريد أن يعيش الكرد، والأتراك، والعرب، والشركس، والإيزيديون جميعاً معاً بسلام، لسنوات طويلة خاضت الأمهات الكرديات نضالاً من أجل الوجود، يجب أن تتوحد أمهات الجنود والشرطة والمقاتلين، وأن يجتمعن سوياً".

 

 

من جانبها، قالت فطوش ستيرك إن النساء هنّ من تشكلن جبهة السلام في جميع الحروب، موضحةً أن الحروب والنزاعات تعني للنساء التهجير والدمار "إذا أريد تحقيق سلام مجتمعي، فلن يكون ذلك إلا بدور ومهمة النساء، ليس فقط هنا، بل في الشرق الأوسط والعالم أجمع، من المهم أن تؤدي النساء دورهن في هذا المسار، العالم يشهد حرباً عالمية ثالثة، والمعادلات تتغير، ولن نتوقف كنساء حتى نحقق السلام".

وأشارت إلى أن مرحلة جديدة قد بدأت من أجل السلام، وأن جهود الوحدة الوطنية بين الكرد باتت أكثر أهمية في هذه المرحلة "منذ سنوات تجري محاولات لتحقيق الوحدة الوطنية بين الكرد، وقد تسارعت هذه الجهود بعد دعوة القائد عبد الله أوجلان"، لافتةً إلى أن "القوى المهيمنة ربما قسمتَنا إلى أربعة أجزاء، وأرادت لنا أن نكون مفككين من حيث اللغة والثقافة ونمط الحياة، لكن اليوم تُتخذ خطوات نحو الوحدة الوطنية، وكنساء كرديات، يجب أن نجتمع معاً مهما اختلفت مجالاتنا، وستواصل النساء في الأجزاء الأربعة الاجتماع من أجل السلام والوحدة الوطنية".

 

ماري بورزان: النساء في وضع غير متكافئ خلال فترات الحرب

 

 

ورداً على سؤال "لماذا تطالب النساء بالسلام؟"، أوضحت ماري بورزان أن النساء تكنّ دوماً في موقع الضعف والتهميش خلال فترات الحرب "هذه حقيقة ماثلة أمامنا عبر العديد من الأمثلة التي نعيشها نتيجة لسياسة ممنهجة، إذ تصبح النساء بالنسبة للرجال بمثابة "خط أحمر" على مستويين، وهناك تصور يُبنى على مفهوم الشرف، وتُرتكب الانتهاكات بحق النساء في ظل هذا التصور، هذا الوضع يعزز الشعور بالرجولة لدى بعض الرجال، وفي الوقت ذاته يجعل من النساء أدوات يمكن استغلالها، لذلك، فإن إنهاء الحرب يعني أيضاً إنقاذ النساء من هذه الانتهاكات".

 

"للحروب أبعاد سوسيولوجية"

ولفتت ماري بورزان الانتباه إلى الأبعاد السوسيولوجية للحرب، وأنها ليست مجرد صراعات مسلحة "ما نُطلق عليه اسم الحرب لا يُختزل فقط في استخدام الأسلحة على الأرض، بل له أبعاد اجتماعية وسوسيولوجية، فالمسؤوليات التي تقع على عاتق النساء خلال الحروب ترتبط بأدوار النوع الاجتماعي، وبصفتي امرأة كردية، لدي بالطبع مطالب تتعلق بإنهاء الحرب، ولكننا نواجه صعوبة في إيجاد من نحاوره"، مؤكدةً على ضرورة التقدّم في هذه العملية من خلال خطوات ملموسة.

وسلّطت ماري بورزان الضوء على تأثيرات الحرب على النساء "الحرب لا تعني فقط موت النساء والرجال، بل تعني أيضاً زعزعة السكينة، وهو أمر يطال كل جوانب الحياة الاجتماعية، كذلك، تؤدي إلى تدهور الاقتصاد، وهذا يعني بالنسبة للرجل العجز عن الإعالة، أما بالنسبة للمرأة، فيؤثر الأمر على دور الأمومة المفروض عليها من خلال الأدوار الاجتماعية، كما يعزز تعرضها لفخر الذكورة المتأجج في جميع الظروف، إنها تعرقل حق النساء في الحياة، وفي إيجاد مكان لهن في المجتمع".

وأفادت أنه "إذا أردنا أن نقول يوماً ما إن الحرب قد انتهت وسنعيش في رفاه، فعليّ أن أرى أن استقلالي الاقتصادي لم يتأثر، وأن وجودي ككردية وهويتي كأنثى لم تتأثر بذلك، لا أقول هذا فقط من أجل النساء اللواتي تربطني بهن صلة بيولوجية، بل من أجل جميع أخواتنا، يجب أن نرى أنهن لم يعدن يتأثرن بالحرب، يجب أن أتمكن من العيش كامرأة، ما دمت غير مقتنعة بحل هذه القضايا، فلن أستطيع الإيمان بأن الحرب قد انتهت، على الصعيد الشخصي".

 

"نريد رؤية مسار واضح وملموس"

وانتقدت ماري بورزان عدم اتخاذ الدولة لأي خطوة ملموسة حتى الآن "بالطبع، لدينا نحن الكرد مطالب، وفي الوقت الراهن، لا يوجد أمامنا أي خطة أو جدول أعمال واضح، لقد عشنا وعرفنا فترات الحرب، ولكن، ماذا سيحدث عندما تنتهي الحرب؟ ما الذي ينتظرنا؟ أود رؤية مسار واضح وملموس، نحن من الناس الذين وُعِدوا كثيراً لكنهم حصلوا على القليل، وما تم تحقيقه حتى اليوم لم يكن منحة، بل نلناه بشق الأنفس، فماذا سنكسب من هذا المسار؟ وكيف سيتم تعويض خسائرنا؟ آمل أن يكون هناك مسار نرى فيه نتائج ملموسة لكل ذلك".

واختتمت حديثها بالقول "يجب مناقشة برنامج واضح، وعلاقة سببية واضحة، نحن لن نتجزأ من ماضينا ومستقبلنا، ولهذا أعتقد أنه يجب النظر إليهما معاً، أريد أن تُوضَع مكاسبنا بشكل واضح".