مخبز "هورامان" قصة نجاح أربع نساء وقفن بوجه النظام الأبوي

أربع نساء، بلا تأمين أو دعم، يُدرن مخبزاً لسنوات، ومن خلال صناعة "الكوليرة" و"الكلانة" و"البرسق" يحافظن على عادات وإرث منطقتهن، فما سرّ استمراريتهن؟

سانيا مرادي

سنه ـ ليس للتهرّب من المسؤولية مكان في قاموس النساء، فبإرادتهن وحكمتهن، مهدن ليس فقط حياتهن، بل أيضاً طريق الحياة للآخرين، فالحرب وسفك الدماء ليسا من نصيب المرأة؛ فالنساء تمتن لتمنحن الحياة لغيرهن، وترغبن دائماً في عالم مسالم خالٍ من الحروب.

نرى نساءً يُقلبن صفحات الزمن، ليس في ضجيج الوثائق والألقاب والحياة المترفة، بل في ظلال الإخفاء، ولكن بشجاعة عميقة، إنهن بعيدات كل البعد عن الجمال المصطنع والجاذبية المفروضة؛ إنهن واضحات وحقيقيات، كل يوم من أيامهن هو فصل من كتاب يكتبنه بأنفسهن؛ كتاب تحت ظلال وظلام الرقابة، ولكنه مليء بالإصرار على النشر، نساءٌ مثل بتول محمدي وعطية شيريني وسعدة صادقي، وشيبر أحمدي لسن مجرد شخصيات في قصص كتبهن، بل هنّ أيضاً كاتبات لأنفسهنّ، لفهم عظمتهنّ، لا بدّ من قراءة كتبهنّ، ليس بالضرورة أن يكنّ بطلات؛ لأن أنفسهنّ بطلات ويمنحن معنىً للحياة.

في قلب مدينة سنه بشرق كردستان، يوجد مخبز "هورامان" منذ عام ١٩٩١، هذا المكان ليس مجرد مكان عمل، بل هو مكانٌ لبلورة التعاطف وتمكين أربع نساء يقفن جنباً إلى جنب، في هذا المكان، تُخبز يومياً أنواعٌ مختلفة من الخبز المحليّ مثل "الكوليرة" و"الكلانة" و"البرسق" وغيرها من المعجنات الكردستانية التي لا تُنسى، على يد نساءٍ يخبزن خبزاً بنكهة الحياة.

عطية شيريني، إحدى النساء الأربع العاملات في المخبز، تقول بنظرةٍ مليئةٍ بالذكريات "افتتحناه عام ١٩٧٠ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، نواصل العمل دون أي دعم، معتمدين على أنفسنا فقط؛ لا تأمين لدينا، ولا دعم سوى جهودنا الذاتية".

وعن صعوبات العمل، قالت "في حر الصيف وبرد الشتاء، نقف أمام الفرن ليلاً نهاراً، وفي الوقت نفسه، علينا القيام بالأعمال المنزلية، لكن رغم كل الصعوبات، أعتبر هذا العمل نبيلاً؛ عملاً لا يُقارن بالأعمال التي لا معنى لها ولا قيمة".

وبينما كانت صاحبة المتجر شيبر أحمدي تُقدّم خبز الكوليرة بلطف وتُحضّر طلبات الزبائن، قالت "نحن هنا من الصباح حتى المساء، الأمر شاق، لكننا معتادون عليه، وجودنا معاً يُسهّل العمل، وكوني امرأة يمنح الزبائن ثقة أكبر، لأنهم يعتقدون أننا أكثر دقة"، وعلى الرغم من التعب، لا تتذمّر "كلٌّ منا يقوم بعمله، فقد قسّمنا العمل لضمان تنظيم أفضل".

أربع نساء في هذا المخبز، لكلٍّ منهنّ سماتٌ فريدة، يُشكّلن ركائز مجتمع صغير، فعطية شيريني، ثابتة ومتواضعة؛ وشيبر أحمدي، لطيفة ومسؤولة؛ أما بتول محمدي هادئة وصبورة؛ وسعدة صادقي مُجتهدة لا تعرف الكلل، لم تُؤدّ اختلافاتهن إلى تفرقتهن أو زعزعتهن عن تحقيق هدفهن، بل عزّزت من إرادتهن، وقفن جنباً إلى جنب، وتعاونّ معاً، وأوجدنّ معنى العمل الجماعي.

هؤلاء النساء، دون أيّ ضمان أو دعم خارجي، حافظن على استمرارية نار مخبز "هورامان" متقدة لسنوات بجهدٍ متواصل، وإن غابت إحداهن، سيظلّ عمل الجميع أعرج؛ لأن رابطهنّ كحلقات سلسلة، كسرها يُعطّل سير العمل.

مخبز "هورامان" ليس مُجرّد وحدة تجارية؛ بل هو صورة لمجتمع نسائي صغير مُستقلّ؛ مجتمع مبنيّ على التعاون والمساواة والسلام والمسؤولية المُشتركة، كونهن نساءٌ يتخذن القرارات معاً، ويُقسّمنَ المهام فيما بينهنّ، ويُؤمنّ بالعمل الجماعي، فريق نسائي، إذا تم تقديمه كنموذج لمجتمع أكبر، فقد يتمكن من خلق عالم أكثر سلاماً وإنسانية وخالٍ من الظلم.