مكتب المرأة في مجلس سوريا الديمقراطي يناقش العدالة الانتقالية وكيفية تطبيقها في سوريا
ضمن ندوة حوارية أقيمت في مدينة قامشلو بإقليم شمال وشرق سوريا، ناقشت سياسيات وعضوات مكتب المرأة في مجلس سوريا الديمقراطي موضوع العدالة الانتقالية وآلية تطبيقها في سوريا.

قامشلو ـ اتحدت آراء النساء المشاركات في الندوة الحوارية التي نظمتها مكتب المرأة في مجلس سوريا الديمقراطي، على أن العدالة الانتقالية لا يمكن تطبيقها في ظل الفوضى التي تعاني منها سوريا، كما أنها تحتاج وقت طويل لتحقيقها إلى جانب المساعدة والدعم.
في إطار السعي لتعزيز دور العدالة في مرحلة ما بعد النزاع، نظم مكتب المرأة في مجلس سوريا الديمقراطي، ندوة حوارية بعنوان "العدالة الانتقالية في سوريا وآفاق تطبيقها"، بمشاركة ممثلين وممثلات عن المجلس وأحزاب وتنظيمات سياسية ونسوية، ومؤسسات المجتمع المدني من مناطق متفرقة من سوريا.
تناولت الندوة واقع ومفهوم العدالة الانتقالية في سوريا كمدخل لتحقيق المصالحة الوطنية وبناء السلام، مسلطةً الضوء على التحديات التي تعيق تنفيذها في سوريا، وسبل تفعيل آلياتها ضمن سياق اجتماعي وسياسي معقد، وتأتي هذه الندوة في وقت تزداد فيه الدعوات المحلية والدولية لضرورة اعتماد مقاربة شاملة تضمن المساءلة وإصلاح الضرر، وتحقيق الانتقال نحو دولة مدنية ديمقراطية قائمة على العدالة والمساواة.
وبدأت الندوة بإلقاء كلمة من قبل رئيسة مكتب المرأة في مجلس سوريا الديمقراطي جيهان خضرو، حيث سلطت الضوء من خلالها على الوضع السياسي الذي تمر به سوريا بشكل عام، ومناطق إقليم شمال وشرق سوريا بشكل خاص، وأهمية تطبيق العدالة الانتقالية، وخطورة غياب المرأة عن مناصب صنع القرار، وأهمية بناء شراكة حقيقية بين منظمات نسوية وتنظيمات المجتمع المدني والنساء السوريات لبناء آليات العدالة الانتقالية تراعي خصوصية النساء وتحمي حقوقهن وتعزز مشاركتهن.
تلاها البدء بقراءة محور الجلسة من قبل إدارية مكتب المرأة في مجلس سوريا الديمقراطي هندرين محمد، والتي بدورها عرفت العدالة الاجتماعية وأهمية تطبيقها وكيفية تطبيقها في الوقت نفسه وأهمية مشاركة النساء بشكل خاص في تحقيق هذه العدالة، إلى جانب العقبات التي تواجه الوصول إلى مرحلة انتقالية في سوريا، وحاجة سوريا إلى تصميم نموذجها الخاص للعدالة الانتقالية.
وعلى هامش الندوة قالت رئيسة مكتب المرأة في مجلس سوريا الديمقراطي جيهان خضرو، إن "العدالة الانتقالية غير ممكنة في ظل استمرار النظام الحالي"، مبينةً أن "سوريا بشكل عام تمر بمرحلة مصيرية وحساسة، فالوضع في سوريا لا يحتاج إلى إعادة بناء المباني وترميم الطرق، بل يحتاج إلى تطبيق العدالة الانتقالية وإعطاء المعنى الحقيقي لانتصار الثورة السورية، وبناء ثقة بين السوريين والدولة".
وتابعت "كل الخطوات التي اتخذتها الحكومة المؤقتة بعد سقوط نظام الأسد البائد لا تلبي متطلبات الشعب السوري والمرأة السورية بشكل خاص، بدءً من مؤتمر النصر وصولاً إلى مؤتمر الحوار الوطني وإلى الإعلان الدستوري وآخرها كان تشكيل حكومة جديدة والإعلان عنها، فجميع هذه الخطوات التي قامت بها مدانة، لأنه كان هناك إقصاء ممنهج بحق مكونات سوريا بشكل عام وقوة المعارضة الحقيقية، فنحن نرى بأن المرحلة لم تستجيب لتطلعات الأزمة السورية وخطوات حلها".
وبينت "كسوريين ننتظر أن يكون هناك تغيير جذري تتحقق من خلاله العدالة والمساواة والديمقراطية، إلا أن الانتهاكات مستمرة بحق السوريين، فبعد كل هذه التضحيات التي قدموها وبشكل خاص المرأة التي كانت من أكثر فئات المجتمع تضرراً يتم استبعادهم فلن يقبل الشعب السوري بهذا، فبناء دولة سوريا جديدة يحتاج إلى إشراك حقيقي لجميع فئات المجتمع ومكوناته".
وحول تقييم دور المجتمع الدولي في دعم العدالة الانتقالية في سوريا قالت جيهان خضرو "حتى الآن المواقف الدولية متناقضة مع ما تمر به سوريا بشكل خاص، فالمجتمع الدولي بات يتعامل مع الأزمة السوريا كأنها أزمة مؤقتة، فما زال هناك تنفيذ للمصالح الخارجية، فالسبب الأساسي لاستمرارية الأزمة السورية وتعقيدها كانت التدخلات الخارجية وتحقيق المطامع قبل التوجه لحل الأزمة والملف السوري، وهذا ما أوصل الأزمة لحالها اليوم، لذا نرى أنه من الضروري وجود موقف قوي خاص بالملف السوري، وعدم التعامل مع الجرائم التي ارتكبت بشكل سطحي وتحقيق العدالة".
من جهتها لفتت الناشطة السياسية وعضوة مجلس المرأة عبير حصاف الانتباه إلى تغييب دور النساء عن المشهد السياسي السوري خاصة في مفاوضات العدالة والمحاسبة، "النساء من أكثر الفئات المجتمعية تضرراً خلال الأزمة السورية، واليوم نرى بأنها تهمش من قبل الحكومة المؤقتة، كما يتم إقصائها عن المشهد السياسي الذي سيسفر بدوره للتوجه نحو الكثير من المشاكل والتعقيد، فالمرأة لن تقبل بهذا فهي ضحت وقاومت ونشرت مفاهيم العدالة والديمقراطية".
كما سلطت الضوء خلال حديثها على الدور الذي من الممكن أن تلعبه السوريات في صياغة سياسات العدالة والمساواة والمحاسبة "يجب أن نعلم أن المرأة لها دور كبير على الساحة السورية، فقد حققت مكانتها في كافة النواحي منها السياسية والعسكرية، خاصة في إقليم شمال وشرق سوريا، لذا يجب أن يكون لها دور فعال في رسم السياسة بشكل خاص في المرحلة القادمة، فبدون وجودها لن يكون هنالك استقرار في سوريا".
وعن تأثير الإدارة الذاتية على نموذج العدالة الانتقالية أشارت عبير حصاف إلى أن "إقليم شمال وشرق سوريا هي سوريا مصغرة، أي أنه يمثل سوريا بمكوناتها وطوائفها"، مضيفةً أن "إقليم شمال وشرق سوريا رغم كل الاستهداف الذي تعرض له والأزمة التي مر بها استطاعت مكوناته أن تتعايش وأن تتجه إلى صياغة عقد اجتماعي يعطي للمكونات حقوقها ويضمن حقوق المرأة أيضاً، فهذا الموضوع من الممكن أن ينقل التجربة أو نشرها فيما يخص الجغرافية السورية ككل ونشر معاير التعايش بين جميع المكونات".
واختتمت الندوة الحوارية بجملة من التوصيات منها "ضرورة إدراج مبدأ العدالة الانتقالية (كفصل كامل) ضمن الدستور السوري الجديد المزمع كتابته في أروقة الأمم المتحدة، سواء من قبل اللجنة الدستورية إن كتب لها كتابة الدستور، أو من قبل جهات أخرى، إلى جانب الضغط على الحكومة المؤقتة لمعالجة آثار الماضي من جرائم وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وضمان عدم تكرار ما حدث ويحدث وبناء السلم المجتمعي، بالإضافة لتبني نهج شامل للعدالة الانتقالية ينطلق من مبدأ عدم الإفلات من العقاب، واتخاذ مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية مبنية على مشاورات وطنية بما فيها من معرفة الحقيقة والكشف عن مصير المفقودين والمختفين، وضرورة المحاسبة والمساءلة".
كما شددت التوصيات على ضرورة "تشكيل هيئة وطنية سورية للعدالة الانتقالية ولحقوق الانسان، تأخذ صلاحياتها من الدستور وتختص بإعداد مقترحاتها بخصوص عناصر العدالة الانتقالية ولها صلاحيات في تشكيل لجان تخصصية في جبر الضرر والإصلاح المؤسسي ولا سيما المؤسسات المتورطة في تلك الانتهاكات خاصة قوى الجيش والأمن والقضاء، وتقديم تلك المقترحات إلى الحكومة التي ستشكل نتيجة التوافقات والتفاهمات التي ستتم بهذا الخصوص، بهدف تطبيق تلك المقترحات ووضعها موضع التنفيذ".
كما جاء في التوصيات "تشكيل لجان مهمتها التحقيق في الانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان في سوريا طوال السنوات السابقة، على أن تكون قرارات تلك اللجان قابلة للطعن أمام القضاء المختص، بشرط تحرير الأخير من هيمنة السلطة التنفيذية، إلى جانب تقديم الدعم والمساعدة من قبل المجتمع الدولي فيما يتعلق بمسارات العدالة الانتقالية الواجب السير فيها، ولا سيما الدعم المادي والتقني، والاستعانة بخبرات التقنيين الأكفاء العاملين في الهيئات الأممية المعنية بقضايا العدالة الانتقالية".
وفي ختامها شدد مجلس سوريا الديمقراطية في التوصيات على "ضرورة مراجعة القوانين والمراسيم التي تتناقض مع الدستور الجديد ومع الاتفاقيات الدولية ولا سيما تلك التي تكون سوريا طرفاً فيها، وإلغاء تلك التشريعات أو تعديلها كي لا تكون عائقا أمام تطبيق برامج العدالة الانتقالية، بالإضافة لضرورة إشراك الضحايا جميعاً من مختلف المناطق السوريّة بتلك العملية، مشاركة حقيقة وفعلية منذ عملية التصميم، مع اعطاء خصوصية للنساء والأطفال وعائلات الضحايا".