"مجدرة حمرا" قصص ثلاث نساء في صراع لإثبات الهوية
عرض "مجدرة حمرا"، مستمر بعد سبع سنوات، حيث تسلط المسرحية الضوء على معاناة النساء ضحايا العنف الأسري وإثبات الهوية والصراع مع المجتمع من خلال قصص ثلاث نساء من جنوب لبنان.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ لا زالت مقاعد المسرح تمتلئ عندما يتم عرض مسرحية "مجدرة حمرا" من نوع الكوميديا السوداء تغوص فيه الممثلة اللبنانية أنجو ريحان في قصص ثلاثة نساء، مطلقة، أرملة ومعنفة.
تثير هذه المونودراما النسوية مشاعر مفرطة ومتناقضة بين الضحك والبكاء، في قصص ثلاث نساء يمثلن نماذج حقيقية في المجتمع اللبناني والعالمي، فـ "مريم" التائهة في اختيار الحياة التي تريد بعد الانفصال عن زوجها، و"فطم" الأرملة الممنوعة من الزواج مجدداً والتي يجب أن ترضى بنصيبها حتى ولو كانت شابة، و"سعاد" التي رضخت لمصيرها مع رجل تزوج مرتين وارتبط بثالثة إلى جانب تعرضها لشتى أنواع العنف على يديه.
وعلى هامش عرض المسرحية قالت أنجو ريحان "الجمهور أحب المسرحية، وافتخر بكل عرض أقدمه للمسرحية وكأنه أول عرض، وتكرار العروض أدى إلى إمساك كل الأدوات بطريقة أفضل، وهناك متعة في تقديم الشيء الذي أقدمه، بالإضافة للنقطة الأساسية ألا وهو النص، مفتاح نجاح هذه المسرحية هو الصدق ثم الصدق".
ولفتت إلى أن "النص واقعي، وقد عرف الكاتب كيف يتعامل مع القصة، فكل منا لديه قصصه، ولكن كيف أن أضع هذه القصة بشكل واضح وأسلط الضوء على القضية، وأعطيها القيمة التي تستحق، فكل كلمة تبنى على المشهد، وكل شخصية تقدم نفسها لتظهر ما سوف تقوم به لاحقاً، فهذا النص واقعي لهذه الدرجة، وكذلك المواضيع والشخصيات، فهو لا يعريها لا من الطائفة أو الجنس أو السياسة أو الطبقة الاجتماعية، بل يضعها كما هي، لذا يتفاعل المشاهدون مع الشخصيات ويشعرون بها وبأنها موجودة في الحياة، وقد يصل بالبعض الأمر بالسوريالية في مشهد العدس المتناثر، فهي خلطة، ولكن نستطيع رؤية هؤلاء الأشخاص، حيث تم ذكر المنطقة أو الاسم كما هي، أعتقد المقاربة الأساسية هو إدخال الكوميديا، وهو ما انعكس على الجمهور الذي أكد أنه لا يعرف إن كان سيضحك أو يبكي، وفعلاً أمر مقصود، فعند الضحك يخف التوتر، ولكن الحزن يرافقنا عندما يمرر الرسائل وبأسلوب اللعب بالمشاعر الإنسانية لتصل الحقيقة والتي هي فجة وواقعية".
وعن الحقيقة أو الصدق في نقل القصص، قالت أنجو ريحان "برأيي المسرح لا يعطي حلولاً، فسعاد في المسرحية تبرر العنف الأسري الممارس بحقها، وقد تم تناول هذا الموضوع بكثير من القصص والكتب والأعمال الفنية، ولكن فكرة المرأة التي تبرر هذا الأمر هو المهم، ومنها سر المجدرة الذي لن نفشيه، ولكن من المؤكد أننا نروي قصصاً، وقد طُرحت بعضها في المسرحية وهي قصص واقعية وحقيقية، ومن أفواه النساء".
وأضافت "البعض قال لي أن هناك سعاد أو مريم أو فطم لدينا، فعندما نرى ترجمة للقصص في أماكن أخرى، نجد أن القصص تقربنا وتشبهنا، وأن الشخص ليس وحيداً وأن هذه الممارسات خاطئة ومن المهم أن يتم تسليط الضوء عليها".
وأوضحت أن هناك "هناك أشخاص حضروا المسرحية مرة واحدة، وهو مصدر فخر بالنسبة لي، وهناك أشخاص حضروا المسرحية عشر مرات، وكل مرة يكتشفون أمراً جديداً، ويريدون معرفة ما سيحصل بعد ذلك، وكثيرين قالوا لي أنهم التقوا بهذه الشخصيات، وعلى الرغم من أنني أجسدهن بتنورة تفتح وتقفل فقط لأميز بينهن، فعندما يكون تحضير الممثل للشخصيات وملبسه بشكل جيد، لجهة معرفة تاريخ كل شخصية منهن ومن أين أتت، وعلاقتها بالآخرين، وماذا ستقول، وكذلك هدف كل مشهد والمسرحية بشكل عام".
ولفتت أنجو ريحان إلى أنها تشعر بهذه الشخصيات من خلال التعبير ولغة الجسد بكيفية الجلوس كسعاد أو منفتحة كمريم وفطم، فمثلاً سعاد كونها تتعرض للعنف تبقى منغلقة على نفسها، وفطم الأرملة لأنها مرتاحة مع نفسها تجلس بطريقة معينة، ومريم تتصرف بطريقة أنيقة، فالجسم الذي يعبر، والصوت الخافت أو القوي، كل شخصية تم العمل عليها بصورة منفردة، لتأتي التقنية والانتقال بين شخصية والأخرى، "كان هذا مصدر للتعب في البداية، أما الآن فبمجرد لف التنورة بطريقة معينة، انتقل بين الشخصيات الثلاث، وكل شخصية آتية لطرح قصة وموضوع، سواء كان الأرملة (فطم) التي يتحكم فيها أولادها، أو مريم التي لا تعرف أين انتماءها إلى باريس أم النبطية، أو البطلة سعاد ذات الشخصية المعقدة ولديها الكثير من المشاكل النفسية التي أحب تجسيدها كونها الأقرب ليّ".
وأضافت "توازياً أعمل على مسرحية منذ عام وهي "شو منلبس"، والمفارقة أني أعمل على مسرحيتين في الوقت نفسه، ومدة كل منهما ساعة ونصف الساعة، وفي كليهما أجسد عدة شخصيات وهي سابقة أن يفعل الممثل، و"شو منلبس" نعرضها منذ سنة، و"مجدرة حمرا" سبع سنوات، كما أحضر لمسرحية تفوق أو تتوازى مع مجدرة حمرا".
وأوضحت أن "مسرحية "مجدرة حمرا" لا تتكلم عن المرأة الشيعية الجنوبية بالتحديد بل امرأة صدف أنها من هذه الطائفة، لأن المشاكل التي طرحت في المسرحية ليست في لبنان والعالم العربي فحسب، بل مشاكل كل النساء على كل كوكب الأرض، لأننا نتشابه بطموحنا وأحلامنا".
وعن مسرحية "شو منلبس" قالت أنجو ريحان "تتمحور حول عائلة يسارية، أم وأب وابنتهم التي تبلغ عمر 10 سنوات، وبالنسبة لي كان تحدي أن أجسد الشخصيات الثلاث خاصة الفتاة الصغيرة وأقنع الجمهور بأن عمري عشر سنوات، علماً أن هذه المسرحية مستوحاة من حياتي الشخصية، فيارا لها الجزء الأكبر من المسرحية، وهذه العائلة في الجنوب وتبحث عن الهوية والانتماء وهناك الكثير من الأمور أدت إلى ضجة لا بأس بها لناحية الرسائل السياسية والنقد لليسار والأحزاب ولانتمائنا لهذا البلد".
وختمت أنجو ريحان حديثها بالقول "ما أود قوله إن المسرح مرآة الشعوب، ولمعرفة ما يحصل في بلد ما، على المشاهدين الذهاب إلى مسرحه كونه ينبع من شرايين المجتمع، وسعيدة بإقبال الناس على المسرح خاصة خلال العاميين الماضيين، فقد بات الناس يشعرون من الملل تجاه وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف وغيرها، وبعض الأشخاص يأتون للمرة الأولى إلى المسرح، لذلك نعول على الحكومة الجديد لتفعيل كل مؤسسات البلد وأهمها المؤسسات الخاصة بالثقافة وأن يصبح لدينا مسرح وطني نستطيع العمل به لننهض أكثر بهذا القطاع".
وبدورها قالت الإعلامية غيدا مجذوب "شاهدت المسرحية للمرة الثانية، وكانت الأولى عندما عرضت في مسرح المدينة، وقررت حضورها مرة أخرى كونها نالت إعجابي وفي كل مرة أشاهدها وكأنها المرة الأولى، وأعجبت بكافة تفاصيلها، وتحية وتقدير لهذا العمل الرائع بين أنجو ريحان ويحيى جابر، المسرحية رائعة بتفاصيلها ومعانيها وكل ما تقوم به الممثلة على المسرح، فهي ملكة متوجة ولا يستطيع أحد القيام بما تقوم به، لجهة تجسيد ثلاث شخصيات بصورة رائعة وبطريقة رائعة".
وأضافت "أكثر الشخصيات التي أثرت في ذاتي هي سعاد المرأة التي تتعرض للعنف، وهو أمر غير مقبول في كافة المجتمعات ولا سيما اللبناني والعربي، فمن المفروض ألا تسكت أي امرأة عن حقها وعما يحصل معها أو مع أحد من أفراد عائلتها، وهو ما طرح في المسرحية".