مهرجان الرمان في ساتياري... لوحة نابضة بالحياة تجسد الثقافة الكردية

شهدت قرية ساتياري في أورامانت غرب إيران إقامة مهرجان الرمان الذي تزيّن بحضور نسائي بارز وأزياء تقليدية زاهية الألوان، وأصوات الموسيقى التي امتزجت بالعروض الشعبية لتمنح المكان طابعاً احتفالياً فريداً.

سمية رحيمي

ساتياري ـ لم يكن مهرجان الرمان المقام في قرية ساتياري مجرد مناسبة ثقافية، بل أعاد التأكيد على الصلة العميقة بين الإنسان والطبيعة، وجعل من الرمان رمزاً للتجدد والوفاء للأرض.

في قلب أورامانت، الواقعة في جبال زاغروس غرب إيران، شهدت قرية ساتياري في منطقة بايانغان بافه التابعة لكرمانشاه أمس الجمعة 21 تشرين الثاني/نوفمبر، إقامة مهرجان الرمان، وهو تقليد راسخ لا يقتصر على الاحتفاء بالمحصول، بل يتجاوز ذلك ليعكس ثراء الثقافة المحلية وفنونها ويبرز مكانتها السياحية، مؤكداً عمق الصلة بين الإنسان والطبيعة.

ويعرض الأهالي خلال المهرجان منتجاتهم الزراعية والمحلية كنوع من الوفاء للأرض، ويقيمون طقوس الشكر تعبيراً عن الامتنان لنِعَم الطبيعة واحتراماً لدورة الحياة، وقد أضفت النساء، بأزيائهن الملوّنة ومشاركتهن الفاعلة في الأغاني والعروض والمسرحيات الشعبية، حيوية خاصة على المهرجان، فيما جسّد غناء عثمان هورامي ومسرحية "بوكه برانيه" قيمة هذه العلاقة وأهمية التقاليد العريقة في أورامانت.

 

 

حضور لافت للمرأة في حفل الرمان

منذ اللحظة الأولى لدخولنا قرية ساتياري، غمرت الأجواء روح احتفالية نابضة بالحياة، حيث اجتمع الرجال والنساء في مشهدٍ يفيض بالحيوية والبهجة، ارتدت النساء أزياءً زاهية الألوان فأضفت على المكان لوحةً من الجمال الشعبي الأصيل، وبين أروقة الأكشاك، كانت روائح الحساء والزيت الصخري والدولما وغيرها من الأطباق التقليدية تتصاعد لتغري الزوار بتجربةٍ حسية تعكس عمق الثقافة الكردية، ومع ذلك فإن المهرجان يتجاوز حدود الطعام والأزياء، إذ تُضفي مشاركة النساء الفاعلة في العزف على الدف والغناء والعروض المسرحية طاقةً مضاعفة على الاحتفال، لتكشف عن دورهن الحيوي في صياغة روح المهرجان وتجسيد العلاقة العريقة بين الإنسان والطبيعة.

تقول إحدى الفتيات، متحدثةً باللهجة الهورامية "يُقام مهرجان الرمان في جميع أنحاء كردستان، ويشارك فيه أناس من مختلف أنحاء إيران، بل وحتى من بلدان أخرى، ويعود الفضل الأكبر في هذا المهرجان إلى النساء، فهنّ يأسرن القلوب بملابسهنّ الزاهية، ويطبخن أطباقاً أصيلة، ويقدمن المنتجات المحلية".

 

 

"عروس المطر"

هذا العام، ورغم وطأة الجفاف الذي أثقل أراضي أورامانات، عاد مهرجان الرمان ليزهر من جديد، كرمزٍ للأمل وتجدد الحياة، وقد أعاد عرض بوكه برانيه العريق (عروس المطر)، المتجذر في تقاليد الشعب الكردي، التذكير بالعلاقة العميقة بين الإنسان والطبيعة، تلك الرابطة التي تتجاوز حدود الزمان والمكان، في هذا الاحتفال لا يكتفي الناس بطلب المطر، بل يتضرعون إلى السماء من أجل "خطوة" غزيرة تُغرق الأرض وتعيد إليها خصوبتها، فالمطر المتأخر في الربيع أو الخريف قد يهدد محاصيل المزارعين ويجعل العام بأسره عرضة للخطر، هكذا يصبح المهرجان أكثر من مجرد احتفاء بالثمار، بل دعاء جماعي للحياة واستمراريتها.

في قلب الاحتفال، تُقدّم فتيات صغيرات، بأيدٍ صغيرة وعيونٍ مليئة بالحماس، أغلى ممتلكاتهن كرمز للإخلاص واحترام الأرض، تماماً كما يُضحّي البستانيون بحصاد رمانهم أملاً في البركات، تُضفي نظرة هؤلاء الأطفال المُعبرة لوناً جديداً وحياةً على المهرجان، وتُخلق لحظاتٍ تدعو الجميع إلى معاينة قدسية العلاقة بين الإنسان والطبيعة.

 

"المهرجان فرصةً لإبقاء الثقافة"

وفي وقتٍ أثقلت فيه الضغوط الاقتصادية كاهل العديد من العائلات، لم يكن مهرجان رمان ساتياري مجرد حدث تقليدي؛ بل كان فرصةً لإبقاء الثقافة حيةً وتعزيز الاقتصاد المحلي، منذ الصباح الباكر توافد المسافرون من المدن بل وحتى من المناطق النائية في إيران إلى قرية ساتياري، حاملين أكشاكاً صغيرةً يعرضون من خلالها المنتجات المحلية والأطعمة التقليدية والحرف اليدوية.

ووسط صخب المهرجان، برز حضور لافت للنساء، حيث حولت النساء في منتصف العمر والشابات بمهارة وتعاون الأكشاك إلى مركز حيوي للمهرجان، من بينهن امرأة سبعينية ذات يدين متصلبتين، تُصافح الرمان وترحّب بالضيوف في المهرجان بابتسامة، وكانت ابنتها في العشرينات من عمرها مرتدية ثوباً أحمر تقليدياً، تُحضّر اللحوم والمأكولات المحلية إلى جانب والدتها، في مشهداً جسّد ثقافة شعب أورامانت وكرم ضيافتهم، وقالت إن هذا المهرجان فرصة للتعريف بالثقافة الكردية، حيث تصل منتجات القرى المجاورة إلى الزوار وتعزز اقتصاد الأسر، منذ الظهر ازدادت الحشود أمام الأكشاك، وأعدت النساء كل شطيرة وطبق بعناية وتعاطف، ليستمتع الضيوف بمذاق ونكهة التقاليد المحلية "نأمل أن تقام هذه المهرجانات كل عام وأن تصبح أكثر ازدهاراً، حتى تبقى ثقافة وفن أورامانات حية دائماً".

 

 

الحرية النسبية والقيود التقليدية

في مهرجان ساتياري للرمان، بدت القرية وكأنها تحتضن مشهداً من الحرية والانفتاح الثقافي، حيث أضفى حضور النساء بحجابتهن الملونة لمسة من البهجة على الحشد، خطواتهن الخفية وابتساماتهن المشرقة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة، بل رمزاً لحيوية المهرجان وروحة المتجددة، لقد جسّد هذا الحضور العفوي والحر فرصةً حقيقية للنساء للمشاركة في المجال العام، وكسر القيود التقليدية، ليؤكد أن المهرجان لم يكن مجرد احتفال بالثمار، بل مساحة للتعبير عن الذات وإبراز دور المرأة في صياغة المشهد الثقافي والاجتماعي.

لكن في ركنٍ آخر من المهرجان، ظلت التناقضات جلية، فقد طُلب من النساء المختارات للعروض الرسمية والعروض المُجدولة، حتى الأطفال الصغار ارتداء الحجاب الإلزامي، وقد قدّم هذا التناقض صورةً واضحةً للقيود الهيكلية والتقليدية حيث تعايشت الحرية النسبية في الفضاء العام مع القواعد الرسمية والمتطلبات التقليدية، وفي هذا التناقض تحكي قصة مهرجان الرمان، قبل كل شيء، قصة نساء أورامانات، نساء يحاولن، بين التقليد والحداثة، بين الحرية والتقييد، إيجاد مكان لهن في الاحتفالات العامة والحفاظ على هويتهن الثقافية باللون والنضارة.