ما بعد الحرب... المسرح الكردي يحارب التهميش والجندرة
مع اندلاع الحرب التي استمرت 12يوماً، أُغلقت قاعات المسارح في شرق كردستان وإيران، وتوقفت العروض قبل اكتمالها، والذي أثر بشكل سلبي على الفنانين خاصة النساء.

شبنم رحيم زاده
بوكان ـ أكدت ممثلات وكاتبات أن المسرح الكردي يعمل بإمكانات ضئيلة ويواجه تضييقاً ممنهجاً، إذ يُنظر إليه كمنبر للمقاومة المدنية في وجه القمع والتمييز الجندري والثقافي، ومع غياب الدعم والبرامج الرسمية لإحيائه بعد الحرب، تُجدد الفرق المسرحية عزمها على العودة إلى الخشبة رغم صعوبة الطريق.
للحرب تأثيرات عميقة متعددة الأبعاد وأحياناً مدمرة على الثقافة والفن، فحتى لو استمرت الحرب لبضعة أيام فقط، فإنها قادرة على أن تُحدث زلزالاً عميقاً في جسد الثقافة والفن، لقد أظهرت الحرب التي استمرت 12 يوم كيف يمكن لصراع قصير الأمد أن يغير الحياة الفنية في مجالات مثل الفنون المسرحية والمسرح. وفي هذا التقرير نسلط الضوء على تأثيرات الحرب الأخيرة على المسرح في شرق كردستان وإيران، ومن خلال روايات الفنانين في هذا المجال، وخاصة النساء، نعكس جانباً من معاناتهم ومشاكلهم.
الإغلاق المفاجئ للقاعات وتوقف العروض المسرحية
في الثالث عشر من حزيران/يونيو الماضي، أصدرت دائرة الشؤون الفنية بوزارة الثقافة والإرشاد بياناً بشأن سير عمل القاعات المسرحية وحفلات الموسيقى، وبعد ذلك وخلال الحرب التي استمرت 12 يوماً تم إغلاق جميع القاعات وتوقفت الأنشطة الفنية بالكامل، ونتيجة لذلك توقفت مشاريع كانت قد خضعت لتدريبات استمرت لأشهر، بشكل مفاجئ ودون نتيجة.
تقول "فروزان. ك" إحدى ممثلات المسرح إنه "قبل اندلاع الحرب، كنا قد بدأنا تدريبات العرض المسرحي، وكان من المقرر أن نصل إلى مرحلة العرض خلال 25 جلسة، لكن مع بدء الحرب اختلت الجداول الزمنية وتوقفت التدريبات في منتصف الطريق مما تسبب بخسائر مالية ونفسية كبيرة، لأن استمرار التدريب هو ما يساعد على أداء الدور بشكل أفضل، ولم يكن هذا الوضع خاصاً بمجموعتنا فقط بل حدث لجميع الفرق المسرحية".
من جهة أخرى، اضطرت فرق أخرى كانت تستعد لتقديم عروضها على خشبة المسرح إلى التوقف حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار، وقد أدى اقتراب شهر محرم إلى توقف طويل في النشاط المسرحي، حيث قالت "شيدا. خ" مصممة الديكور والمشهد المسرحي "كانت جميع التحضيرات جاهزة لكن حتى بعد وقف إطلاق النار لم يكن بالإمكان تقديم العرض، وبسبب اقتراب شهر محرم لم تتمكن الفرقة من تنفيذ العمل، لأن جذب الجمهور يتطلب توفير بيئة مناسبة، مثل الإعلانات والنشاط في وسائل التواصل الافتراضي كما أن تقديم العروض في محرم ممنوع، ما تبقى لنا هو فقط خسائر كبيرة".
ورغم كل هذه الضغوط، تأمل بعض الفرق المسرحية في العودة إلى خشبة المسرح بعد انتهاء شهر محرم؛ وإن كانوا يعلمون أن الطريق هذه المرة سيكون أكثر صعوبة من أي وقت مضى كما تقول "شيدا. خ" مضيفةً "نحن نسعى للعودة إلى المسرح بعد محرم، رغم أن الأمر سيكون أصعب بكثير من السابق، لكن المسرح في شرق كردستان هو محاولة لإبقاء الأصوات حية، تلك الأصوات التي تسعى السلطة والتيارات المختلفة إلى إسكاتها، وهذه الأصوات اليوم تتوق إلى المقاومة، أكثر من أي وقت مضى".
المسرح في مواجهة الأزمات
المسرح في مدن شرق كردستان مثل مهاباد، سنه، بوكان، أورمية، ماكو، سقز وغيرها، يعمل بأقل الإمكانيات وبأقصى درجات الالتزام، ولا يقتصر دوره على سرد آلام الناس، بل يعد أيضاً دليلاً على الحياة الثقافية للشعب الكردي، ومع ذلك فإن المسرح الكردي لم يكن بمنأى عن ظروف القمع التي أعقبت الحرب في شرق كردستان.
تقول "ليلى. أ" كاتبة مسرح وسيناريو أن "المشهد المسرحي الكردي على عكس ما هو عليه في طهران، يواجه ضغوطاً كبيرة، فالمسرح في العاصمة يعد جزءاً من الدورة الاقتصادية، أما في شرق كردستان فهو جزء من المقاومة المدنية التي تتعرض باستمرار للهجوم، إلى جانب القمع والتمييز الثقافي والجندري، فإن غياب الإمكانيات والمشاكل المالية تعيق تقديم العروض، وفي مرحلة ما بعد الحرب، ستتضاعف هذه المشاكل".
وأوضحت أن الأوضاع العامة في المجتمع، بحسب نشطاء في هذا المجال، تأثرت منذ فترة طويلة بالمشاكل السائدة وتقول "المعنويات لدى الجمهور ليست جيدة ويمكن القول إنهم لا يرغبون في مشاهدة المسرح أو حتى الذهاب إلى السينما ومتابعة الأعمال الفنية، وفي الأوضاع الحرجة أو ما بعد الحرب، لا يتم وضع أي بروتوكول خاص بمجال الثقافة والفن، بالنسبة للكثيرين، وخاصة النساء يعد الفن ومصدر الدخل منه جزءاً من حياتهم، لكن في شرق كردستان، الوضع يزداد سوءاً والسلطة ترى في هذه الضربة القاسية للفنون المسرحية الكردية أمراً يروق لها".