'لنحوّل حلبجة من مركز جرح عميق إلى مركز التعايش بين جميع الأديان'
بالرغم من أن المجازر التي ارتكبت في حلبجة خلفت آثاراً نفسية عميقة، إلا أن هذه المدينة يجب أن تصبح مكان يعيش فيه الجميع باختلاف تنوعهم العرقي والديني دون تمييز.

مقال بقلم الكاتبة برفين دلال
من المهم أن نفهم سياسة نظام الدولة العراقية الذي تأسس منذ البداية بلون قومي عربي بعيد كل البعد عن حقيقة شعب ذلك البلد، وخاصةً منذ وصول حزب البعث إلى السلطة في عام 1968، وحتى حل حكومة البعث في خلال فترة ما بين عامي 2003 ـ 2004، كانت هناك مجزرة ضخمة. لم تقتصر هذه المجازر على الشعب الكردي فحسب، بل طالت أيضاً الشعب الشيعي. ومن المؤكد أن هذه الإبادة الجماعية تمت وفقاً لدستور الدول المهيمنة، وقد استخدمت الدولة التركية الأسلحة الكيميائية مئات المرات حتى اليوم.
عندما ننظر إلى تاريخ حلبجة، نجد أن الأسلحة المحظورة استخدمت في العديد من مدن ومناطق إقليم كردستان. على سبيل المثال، في قرية "قراموخ"، "سوسينانا"، قُتل حوالي 200 شخص. وفي عام 1987، قُتل عدد كبير من الأهالي القاطنين في قرية "باليسانا" بالقرب من حدود هولير. وفي العام ذاته، استخدم نظام البعث أسلحة محرمة دولياً ضد مدينة سردشت في شرق كردستان.
عندما نتحدث عن حلبجة نرى أن إجمالي عدد القتلى في إقليم كردستان بلغ نحو نصف مليون شخص، ولذلك نرى أن سياسة دولة البعث هي سياسة تدمير. لا يوجد مثالٌ على الإبادة الجماعية في العالم مثل نظام البعث. فعندما نتحدث عن الأسلحة المحظورة، لا بد أن نتحدث أيضاً عن حملة الأنفال، التي استمرت من شباط/فبراير 1987 إلى أيلول/سبتمبر عام ١٩٨٨، مات خلالها 182 ألف شخص في إقليم كردستان. وفي عام 1983، قُتل 8000 شخص.
وبطبيعة الحال، يمكننا القول إن مأساة مؤلمة حدثت نتيجة الإبادة الجماعية في إقليم كردستان، كما أنها سببت ألماً كبيراً في نفوس وعقول الناس، ولذلك فإن هذه الأمة لم تحني رأسها قط، ولكنها لم تكن لديها آمال كبيرة بحيث تتمكن من تحقيق نتائج عظيمة.
إن نظام البعث لا يستطيع إنتاج أسلحة محرمة، ولذلك ساعدته الدول الكبرى، وخاصة الأسلحة المحرمة التي تنتجها ألمانيا، والتي يبيعها رجل هولندي للحكومة العراقية.
حدثت مجزرة حلبجة في 16 آذار/مارس 1988، في وقت كانت فيه الحرب بين العراق وإيران لا تزال مستمرة. في تلك الفترة، قام الكرد بتنظيم أنفسهم في جبهة أطلقوا عليها "جبهة كردستان"، والتي شملت جميع الأحزاب في إقليم كردستان.
في ذلك الوقت، ذهبت الجبهة الكردستانية إلى حلبجة برفقة الحرس الثوري الإيراني، وهددت الحكومة العراقية باستخدام أسلحة محظورة. وبعبارة أخرى، كان العديد من مسؤولي البيشمركة يعرفون أنهم يستخدمون أسلحة محظورة، ولكنهم لم يبدوا ذلك للعلن.
في المجال السياسي، يُمكن القول إن الأحزاب الكردية ارتكبت أخطاءً كثيرة، أتذكر هذه المجزرة جيداً عندما استخدم حزب البعث أسلحةً محظورة، ونتيجةً لذلك، كان يُقتل 5000 شخص ويُصاب 10000 آخرينً. ومع ذلك، وبسبب تقصير حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في توفير الرعاية الصحية، اختفى العديد من الأشخاص، وخاصةً الأطفال، على الحدود الإيرانية أو في المنطقة.
تقع حلبجة قرب الحدود الإيرانية، وقد تعرضت في كثير من الأحيان للصراعات بين إيران والعراق. وعندما تم استخدام أسلحة محظورة، هرب المسؤولون على الفور إلى مياه نهر سيروان بحثاً عن الأمان. لذا، يُذكر نهر سيروان بشكل متكرر في أغاني حلبجة. من الواضح أن النساء والأطفال هم الأكثر عرضة للخطر بسبب قلة وعيهم، ولم تقم القوى التي تعتبر نفسها ثورية بتعليم الناس كيفية حماية أنفسهم.
تسببت مجزرة حلبجة في آثار نفسية سلبية عميقة على السكان. وقد عانى العديد من الجرحى من الجنون أو توفوا نتيجة السكتة الدماغية. إن تأثير الأسلحة المحظورة يجعل من الصعب على الناس التعافي، حيث تلحق الضرر بالدماغ، مما يمنعهم غالباً من مواصلة نضالهم. وهذا يدل على أن العدو يسعى لتدمير الكرد. ولم يتأثر البشر فحسب، بل طالت الأضرار الطبيعة والحيوانات أيضاً، مما أدى إلى تدميرها.
مع تقدم العلم، تم تطوير أسلحة محظورة قادرة على قتل الآلاف من الأشخاص في دقائق معدودة، مما أدى إلى قبول القوى الاستبدادية لهذه المجازر. وفي نهاية عام 1992، خلال مناقشات حول وضع إقليم كردستان، أكدت القوى الحاكمة أنها تستحق الحصول على مكانة خاصة بسبب ما عانته من شهداء وإبادة جماعية. بمعنى آخر، يرون أن لهم الحق في تدمير الشعوب ثم منحهم حق الاستقلال.
هذه هي العقلية الفاشية التي يفرضونها على الشعب الكردي. من الواضح أن القوى المهيمنة مثل بريطانيا والولايات المتحدة لن تسمح بحل القضية الكردية، بل تفرض العقلية المحافظة والشوفينية للعرب والأتراك على الكرد، ثم يدّعون أنهم سيسعون لحل القضية الكردية، بينما قاموا بحلها من خلال المجازر التي ارتكبت. علينا أن نغضب ليس فقط من نظام البعث، بل أيضاً من الدول الرأسمالية والغربية التي دمرت الأخلاق في العلم.
حلبجة منطقة مميزة جغرافياً. على سبيل المثال، قرية هاوار، إحدى قرى حلبجة، تتحدث باللهجة الكردية المركزية والسورانية، بينما تتحدث قريتا تويلة وبيارا باللهجة الهوارمية. تتميز هذه المنطقة بطبيعتها الخلابة، حيث تلعب النساء دوراً مهماً فيها حيث تقمن بإنتاج احتياجاتهن المحلية ولا تشعرن بالحاجة إلى المنتجات الحضرية.
كما أنه في الثقافتين الكاكائية واليارسانية، اللتين تمثلان استمرارية للديانة الزرادشتية، تعيش النساء بشكل متساوٍ مع الرجال. وفي منطقة شهرزور، كانت هناك نساء بارزات مثل نرجس جاف وريحانة لوري، اللتين اتخذتا أدواراً نموذجية في مجالي الفن والثقافة اليارسانية والكاكائية، بينما كانت عديلة خانم، بصفتها رئيسة قبيلة الجاف، لها تأثير إيجابي. لذا، يُعتبر هذا المجتمع متقدماً اجتماعياً، حيث لعب الأدب والفن الكردي دوراً مهماً في تعزيز وجود الكرد.
أنتجت العلاقة بين الثقافتين الكاكائية واليارسانية ثروة ثقافية مميزة. ويُشير البعض إلى أن الروابط بين شهرزور وشنكال كانت قوية للغاية، لكن في القرن العشرين، سعت بعض القوى إلى تقويض تأثير الثقافتين اليارسانية والكاكائية، من خلال نشر معتقدات الطائفتين النقشبندية والقادرية نتيجة لذلك، أصبحت حلبجة تُعرف في الخارج كمركز للإسلام السني والنقشبندية.
في عام 1993 تحديداً، تم تأسيس حركة إسلامية وتواجه هذه الحركة إلى جانب الرابطة الإسلامية، منافسة قوية في المنطقة، حيث يسعون لتعزيز نفوذهم في الصراع الديني القائم، مما أدى إلى تقوية خلايا داعش في المنطقة.
ينبغي النظر إلى السياسة المتعلقة بحلبجة من هذا المنظور، ففي كل عام، يُقيم كلٌّ من حزب كوماله الإسلامي والاتحاد الإسلامي عدة حفلات ويتم توزيع أغطية الرأس لحث العديد من النساء على ارتداء الحجاب، نستطيع أن نقول إنهم قاموا بتسييس الدين، وهذا يعني أن الإسلام السياسي يلعب دوراً سلبياً جداً في حلبجة، رغم كل هذا، برزت أشهر الشاعرات، وأكثر النساء موهبةً وريادة في المنطقة على سبيل المثال، استشهدت الرفيقة جاهدة، التي انضمت إلى صفوف النضال عام ١٩٩٢، لتصبح أول شهيدة من منطقة حلبجة.
نحن في حركة الحرية أولينا حلبجة اهتماماً كبيراً، لكننا كنا نواجه دائماً عقبات تحول دون تمكن حركتنا من العمل هناك بكل قوتها.
وعلى الرغم من مطالبة الحزب الديمقراطي الكردستاني بتعويض المتضررين من مجزرة حلبجة، إلا أن التعويضات المالية لن تشفي جراح المجزرة، بل قد تزيد من عمقها، الحل الجذري يكمن في إنشاء بيئة تتيح للجميع العيش بحرية وديمقراطية، وتضمن الوحدة الوطنية وحقوق المرأة، وليس دولة مركزية محافظة حيث يتم قتل النساء يومياً ويفرض الإسلام السياسي نفسه.
واليوم، في حين انتقل العديد من أهالي حلبجة القدامى إلى مدن أخرى مثل السليمانية وبعضهم يعيش في أوروبا، أصبحت حلبجة موطناً للعديد من الشعراء والنساء الرائدات والشخصيات النضالية، وأفشلت سياسات إبادة الكرد في المدينة.
ربما اليوم تم تدشين نصب تذكاري لشهداء حلبجة، ولكن الحقيقة أن هناك نصباً تذكارياً لشهداء حلبجة في قلب كل وطني كردي، لقد سمعت مراراً وتكراراً من رفاقي في شمال كردستان أنه منذ أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، انضم العديد من الناس إلى صفوف النضال بعد أن سمعوا قصص الأنفال وحلبجة، لا يمكن لأي ضمير أن يظل صامتاً أمام كل هذه المجازر، لذا يجب على الجميع أن يتخذوا موقفاً صارماً ضد سياسة "فرق تسد" القوى المهيمنة.