كويه... مطعم بإدارة نسائية تتسيده الأطباق التقليدية الكردية

في مدينة كويه بإقليم كردستان، تدير ريزان عبد الله قرني مطعماً برفقة بناتها، وتدعو النساء إلى العمل المستقل وعدم انتظار المساعدة من أحد، بل التعاون فيما بينهن.

شيا كويي

كويه ـ عندما بدأت النساء بإدراك كيف يتم تهميشهن وإقصاؤهن عن العمل من قبل العقلية الذكورية المسيطرة، سعين إلى افتتاح مشاريعهن الخاصة، رغم أن عدد من الرجال فرضوا قيوداً على عمل النساء، بهدف إبقائهن في حالة تبعية دائمة داخل جدران المنزل.

الواقع تغير، أصبحت النساء اليوم صاحبات أعمال، يعلن أنفسهن وعائلاتهن، ويواجهن المجتمع بثقة، محطمات بذلك الحواجز والتمييز المهني الذي فرض عليهن لسنوات.

فلطالما كانت النساء مثالاً للقوة والريادة في مجالات العمل المبدعة، فألهمن أخريات للسير على خطاهن بثقة وعزيمة، ومن بين هؤلاء النساء، تبرز ريزان عبد الله قرني وبناتها كنموذج حي للثبات والإصرار؛ لا يعرفن التعب ولا يخجلن من التحديات، بل يواجهنها بجرأة، لقد أثبتن أنفسهن في ميدان العمل، ووجهن دعوتهن إلى النساء الأخريات ليكن مستقلات، وأن يتعاون فيما بينهن دون انتظار دعم من أحد، فهن يؤمن بأن التمكين الحقيقي يبدأ من الداخل، ومن القدرة على اتخاذ القرار والعمل المشترك.

 

حين يتحول الحلم إلى مشروع رائد

من قلب مدينة كويه بإقليم كردستان خرجت ريزان عبد الله قرني بفكرة امتلاك مطعم خاص بها وتديره بنفسها، لم يكن هذا الحلم وليد اللحظة، بل تبلور عبر سنوات من الملاحظة والتجربة، حتى تحقق فعلياً عام 2022.

كانت ريزان عبدالله قرني تعمل سابقاً في تنظيف مطعم كباب بمدينة رانيا، وهناك لاحظت غياب النساء عن هذا المجال، كما لاحظت الإهمال في النظافة والتفاصيل الدقيقة التي لا يلتفت إليها الرجال "المرأة تهتم بأدق التفاصيل، وهذا ما يجعلها أكثر قدرة على إدارة مثل هذه الأعمال، لذلك قررت أن أبدأ مشروعي الخاص".

ورغم التحفظات التي أبداها زوجها في البداية، والمخاوف من كلام الناس، اختارت أن تمضي في طريقها بثقة، واليوم، تدير المطعم إلى جانب ابنتيها وامرأتين أخريان، حيث يعملن جميعاً بتناغم وتكامل، ويقدمن نموذجاً ملهماً للعمل النسائي الجماعي في كويه.

 

"كل الأطباق الكردية حاضرة على مائدتنا"

وعن إدارة المطعم تقول ريزان عبدالله قرني "أتولى إعداد جميع الأطعمة بنفسي، يومياً أطبخ الدولمة، القورما، البرياني، القره خرمان، القوزي، والساور، جميعها أطباق كردية تقليدية، باستثناء البرجاو فقط، نحن نحرص على تقديم المذاق الأصيل بكل تفاصيله، من الطهي إلى التقديم".

وترى أنه هناك فرقاً واضحاً بين طهي النساء والرجال "المرأة تهتم بأدق التفاصيل، من النظافة إلى التذوق، وهذا ما يجعلها أكثر قدرة على تقديم طعام متقن، نادراً ما تجد رجلاً يتقن الطهي بنفس المستوى، لأن هناك جوانب لا يمكنه ملاحظتها أو تنفيذها كما تفعل المرأة".

وأضافت "لم أقم بأي دعاية لنفسي، فأنا لا أؤمن بالكلام، بل بالفعل، جودة الطعام هي رسالتي، وهي التي تتحدث عني، لا الإعلانات".

 

العمل العائلي وتكامل الأدوار

تبدأ أسرة ريزان عبدالله قرني يومها كل صباح بنشاط منسق، حيث يتوزع العمل بين أفراد العائلة وفقاً لقدراتهم وخبراتهم "أتولى بنفسي مسؤولية الإدارة والإشراف، بينما تعمل ابنتاي، اللتان أنهتا دراستهما الجامعية، إلى جانبي في المطعم، إحداهما تتولى استقبال الزبائن وتنظيم العلاقات، والأخرى تشرف على تقديم الطعام ومتابعة الطلبات"، أما الأبناء الأربعة، فقد خصصوا جهودهم لقسم الشواء وتحضير اللحوم، مما يضفي على المطعم طابعاً عائلياً متماسكاً.

وبينت أنه "لا أرى أي فرق بين الرجل والمرأة في مجال العمل، بل أرى أن النساء يتمتعن بحرية أكبر وكفاءة أعلى في كثير من المهام"، مشيرةً إلى أن المرأة كانت في السابق تشعر بالخجل من العمل خارج المنزل، نتيجة الضغوط الاجتماعية، لكن هذا الواقع بدأ يتغير مع تزايد الوعي المجتمعي "أدعو النساء إلى امتلاك مشاريعهن الخاصة، لا ينبغي أن تبقى المرأة في انتظار الرجل، فالفروق بين الجنسين لا تعني تفوق أحدهما، بل إن النساء أثبتن نجاحاً ملحوظاً في مختلف المجالات".

 

الأم قلب العمل وروحه

تعمل ابنتها راجان صالح وهي خريجة قسم اللغة الإنجليزية، حالياً كمعلمة في أحد المعاهد بمدينة كويه، تمثل نموذجاً حياً للمرأة التي تجمع بين العمل الأكاديمي والمشاركة الفاعلة في مشروع عائلي، وتقول "إلى جانب عملي في التعليم، أشارك والدتي في إدارة المطعم. حين بدأنا، لم تكن هناك أي امرأة تعمل في مطاعم كويه، خصوصاً في إعداد المأكولات الكردية التقليدية، رغم وجود بعض المطاعم، لكنها لم تكن تضم نساء في هذا الدور".

وأوضحت أن قرار تأسيس المطعم جاء من رغبة جماعية داخل الأسرة "اتفقنا أنا ووالدتي وأخواتي على بدء هذا المشروع، ونتعاون جميعاً مع والدي في إدارته، الآن، وبعد ثلاث سنوات، نعمل كعائلة متماسكة، يدير كل منا جزءاً من العمل، ونحرص على أن تبقى الأجواء عائلية".

وأضافت "نحترم النساء اللواتي يخدمن أسرهن من داخل المنزل، لكن الزمن تغير، والمرأة اليوم قادرة على أن تكون منتجة خارج البيت أيضاً، خاصة في مشاريع عائلية آمنة مثل مطعمنا".

ولفتت راجان صالح إلى أن والدتها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤوليات، لا سيما في إعداد الطعام وتنظيم الفعاليات والندوات "رغم أننا نعمل كفريق متعاون، إلا أنني أتولى المهام الأساسية بنفسي، من إعداد وجبات 'برخور' الخاصة إلى تنسيق التحضيرات اليومية، كل من يزورنا يشعر بالفخر لأنني خريجة جامعية وأعمل هنا بكل حب، إنني أؤدي عملي هنا بكل فخر، وأوازن بين التعليم والعمل الميداني بنجاح، هذا ليس مجرد إنجاز شخصي، بل مصدر فخر لعائلتي بأكملها".