كليستان علي: سقوط النظام بداية جديدة ورفض للدولة الأحادية
شكّل سقوط النظام السوري بداية مرحلة جديدة، لكن استمرار النهج الأحادي وعدم إشراك المكوّنات يهدد مستقبل البلاد، واتفاق العاشر من آذار/مارس يمثل فرصة حقيقية للحل السياسي وضمان حقوق المرأة والمكوّنات في إطار حكومة ديمقراطية لا مركزية.
نغم جاجان
قامشلو ـ تشهد سوريا منذ سقوط النظام السوري والإعلان عن تشكيل الحكومة المؤقتة، مرحلة معقدة تتسم بالاضطراب السياسي والأمني، فرغم الوعود المتكررة بالإصلاحات وإعادة التوازن بين القوى على الأرض، إلا أنها لم تُنفذ بشكل فعلي.
نائبة الرئاسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية بإقليم شمال وشرق سوريا كليستان علي قيمت الوضع السياسي السوري بعد مرور عام على سقوط النظام السوري، واستلام الحكومة المؤقتة للسلطة في دمشق.
وقالت إن سقوط النظام السوري في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، شكّل حدثاً تاريخياً بالنسبة للشعب السوري، وأن نضال السوريون خلال 14 عاماً، وما تعرضوا له من تهجير ولجوء واحتلال لأراضٍ سورية، هو نتيجة مباشرة لسياسات النظام الاستبدادي الذي حكم البلاد لعقود طويلة.
وأضافت أن إرادة الشعب السوري جرى إنكارها لأكثر من 50 عاماً، مشيرةً إلى أن سقوط النظام يعكس بداية مرحلة جديدة في تاريخ سوريا، موضحةً أن الشعب السوري عاش يوم سقوط النظام السوري بفرح كبير وحماس، معتبرةً أن هذا الحدث مثّل تحقيقاً لأحلام وآمال طال انتظارها.
وأشارت إلى أن الإعلان عن تشكيل الحكومة السورية المؤقتة أحبط فرحة السوريين، مؤكدةً أن مطلبهم الأساسي تأسيس نظام ديمقراطي يعترف بجميع المكوّنات، انسجاماً مع طبيعة سوريا المتعددة والمتنوعة.
وبينت كليستان علي، أن المؤتمر الوطني الذي نظمته الحكومة المؤقتة لم يضم جميع المكوّنات السورية، مشيرةً إلى أن الشعب تطلع إلى تغيير السياسات المطروحة "اعتماد صيغة أحادية الجانب منذ بداية عمل الحكومة المؤقتة، وعدم إشراك المكوّنات السورية، خلق حالة من عدم الثقة وخيبة أمل لدى مختلف شرائح المجتمع"، مشددةً على أن تجربة الدولة الأحادية لم تعد مقبولة ولا ينبغي تكرارها.
وأضافت أن الذكرى السنوية لسقوط النظام حلّت، في وقت شهد فيه هذا العام تحديات كبيرة واعتداءات على مناطق سورية متعددة، بما في ذلك إقليم شمال وشرق سوريا، حيث سُجلت انتهاكات في الرقة والطبقة ودير حافر.
وأشارت إلى أن دولاً مجاورة، وفي مقدمتها تركيا، لعبت دوراً في هذه الانتهاكات، لافتةً إلى أن "إعلان الحكومة السورية المؤقتة ترافق مع ممارسات سلبية، إذ ارتكبت مجموعات مرتبطة بالأمن العام انتهاكات وعمليات قتل وتجاوزات متعددة".
"اتفاق العاشر من آذار فرصة للحل السياسي"
وأوضحت كليستان علي أن البنود الإيجابية التي تضمنها الاتفاق بين الحكومة السورية المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية، إذا ما جرى تطبيقها عملياً، يمكن أن تفتح الباب أمام إنهاء الأزمة السورية المستمرة منذ أربعة عشر عاماً، مشيرةً إلى أن الإدارة الذاتية تبذل جهوداً لإنجاح الاتفاق الذي يمثل فرصة حقيقية للوصول إلى حل شامل للأزمة السورية.
ولفتت إلى أن "هناك احتمالاً كبيراً بأن تتجه البلاد نحو تسوية سياسية"، محذّرةً في الوقت نفسه من أن "استمرار النهج الأحادي ورفض الاعتراف بحقوق المكوّنات وعدم قبول التغيير الدستوري سيقود سوريا إلى المزيد من الانتهاكات".
وبيّنت أن المجازر التي ارتكبت في السويداء الساحل السوري جاءت نتيجة "غياب التنظيم الفكري وضعف دور المرأة والشباب في الدفاع عن أنفسهم، الأمر الذي سهّل دخول جهاديي هيئة تحرير الشام إلى تلك المناطق وارتكاب جرائم قتل بحق المدنيين والنساء والأطفال"، موضحةً أن الشعب السوري، بعد سقوط النظام تطلع إلى حلول سياسية تضمن له العيش بسلام وبناء سوريا جديدة، بعيداً عن تكرار مثل هذه المآسي.
وأفادت كليستان علي أن "اللقاءات التي عُقدت بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية المؤقتة لم تصل حتى الآن إلى نتائج نهائية، ورغم ذلك ما تزال قضية الشعب السوري وتطلعاته حاضرة بقوة في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا".
ولفتت إلى أن مناطق إقليم شمال وشرق سوريا واجهت تحديات كبيرة منها الحرب ضد داعش التي مثّلت أكبر تهديد عالمي للأنظمة القائمة، "داعش حظي بدعم مباشر من الحكومة التركية، وحتى اليوم لم تتوقف اعتداءاته على هذه المناطق، إلا أن الإدارة الذاتية تمكنت من حماية المنطقة وتعزيز المجتمع رغم الظروف الصعبة"، مؤكدة أن التضحيات التي قدمها السكان كانت كبيرة وما زالت روح التضحية مستمرة حتى اليوم.
وأكدت أن ما تعرض له الدروز والعلويون، وقبلهم الإيزيديون، يبرز أهمية تنظيم الشعوب لحماية نفسها من محاولات الإقصاء والتهميش، وأن الاعتماد على الحكومات الاستبدادية التي تسعى لفرض لون واحد ولغة واحدة لم يعد خياراً مقبولاً.
وأضافت أن وضع المرأة لا ينفصل عن وضع المجتمع، وأن المؤتمر الوطني والدستور الذي أُعلن شكّلا بداية لتهميش دور النساء وانتهاك حقوقهن، "التمثيل النسائي ما زال محدوداً، ولا يعكس وجود امرأة واحدة بين مئات الرجال تمثيلاً حقيقياً لجميع النساء في سوريا".
"اللامركزية وضمان حقوق المرأة أساس بناء سوريا ديمقراطية جديدة"
وانتقدت كليستان علي الأنظمة الاستبدادية التي لم تعترف بحقوق المرأة، ومنحت الحقوق للرجال، وكأن السياسة حكر على الرجل وحده. موضحةً أن "النساء كنّ في طليعة الثورة، ورفعن شعارها باسمهن، وأصبحن رمزاً لها، وقد قدّمت آلاف الشهيدات أرواحهن، ولا تزال النساء حتى اليوم تقفن في الصفوف الأمامية للدفاع عن المجتمع، وتحملن السلاح من أجل حقوقهن، بهدف إنهاء سلطة الرجل المطلقة التي فُرضت لعقود طويلة".
وأفادت أن المرأة اليوم باتت شريكاً أساسياً في صنع القرار، وتشغل 50% من مواقع صنع القرار في إقليم شمال وشرق سوريا، كما أن النساء يتقدمن في مجالات الدبلوماسية والسياسة، فيما تمثل وحدات حماية المرأة (YPJ) جميع النساء في الجانب العسكري. مؤكدةً أن "ما تحقق خلال أربعة عشر عاماً من الثورة أصبح جزءاً من تاريخ المرأة، والمسيرة ستستمر لضمان تكريس حقوق النساء بشكل دائم".
وأشارت إلى أن الحكومة المؤقتة لا تقبل مشروع الديمقراطية، موضحةً أن الديمقراطية تُطرح في جميع الدول كخيار أساسي، فيما يُعد الشرق الأوسط بحاجة ماسة إليها "ارتباط الأنظمة بالاستبداد يجعل من المستحيل أن تتقدم الديمقراطية في ظل النظام المركزي الأحادي. والحكومة السورية المؤقتة، مثل باقي الأنظمة الاستبدادية، ترفض مشروع الديمقراطية وتتمسك بالنظام المركزي".
ولفتت كليستان علي الانتباه إلى أن الحكومة المؤقتة لم تتمكن حتى الآن من امتلاك قرار رسمي ودور فعلي في صناعة القرار، "عدد من الدول تدعمها وفقاً لمصالحها الخاصة، وهو ما أدى إلى تأخير تنفيذ اتفاق العاشر من آذار. للحكومة التركية دوراً في هذا التأخير"، مؤكدةً أن البنود الواردة في الاتفاق تعكس مطالب الشعب السوري، وإذا ما جرى تطبيقها فإن الأزمة السورية ستصل إلى نهايتها، إلا أن بعض الدول لا ترى في الاتفاق خطوة إيجابية وتسعى إلى تعطيله.
غياب الديمقراطية يكرّس الاستبداد ويعيق إنهاء الأزمة السورية
وعن مطلب العديد من المناطق السورية بتطبيق نموذج الإدارة الذاتية، أشارت كلستان علي إلى أن اعتماد نظام اللامركزية سيفتح المجال أمام تأسيس منظمات مجتمع مدني، وتمكين الشباب من الدفاع عن حقوقهم وحقوق مجتمعهم، إضافة إلى تعزيز دور المرأة في مواقع القرار والسياسة بشكل فعّال "النظام المركزي يحرم المكوّنات والشعوب والنساء والشباب من حقوقهم، وهو ما يستدعي تغييراً جذرياً في بنية الدولة".
وأضافت أنه بات من الضروري فصل السلطات عن الدين، فالحوار السياسي هو السبيل لإنهاء الأزمة السورية، وأن استقلال السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية شرط أساسي لبناء سوريا جديدة قائمة على الحرية والديمقراطية "سوريا المستقبل يجب أن تقوم على أساس قبول جميع المكوّنات بأديانها ولغاتها وثقافاتها، بعيداً عن فرض هوية واحدة على الجميع".
وشددت نائبة الرئاسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية كليستان علي في ختام حديثها على أنه من حق جميع النساء المشاركة في صنع القرار السياسي والحصول على حصتهن في التمثيل، وأنهن متساويات ولا يوجد ما يميز إحداهن عن الأخرى، وأن حقوق المرأة يجب أن تكون مضمونة في كل مكان. وأنه من واجب الجميع دعم مشاركة النساء في مختلف المجالات، موضحةً أن القرن الحادي والعشرين شهد تصاعداً في نضال المرأة، وأن الإدارة الذاتية تسعى من خلال اتفاق العاشر من آذار إلى إنهاء القضايا العالقة عبر الحوار، وتعديل الدستور بما يضمن حقوق جميع المكوّنات.