خصلة من نور في عتمة الطغاة

مقال بقلم عضوة لجنة العلاقات لمؤتمر ستار في لبنان حنان عثمان
في مساء السادس عشر من أيلول/سبتمبر 2022، أُسدل الستار على حياة الشابة الكردية التي لم تكمل الثانية والعشرين من عمرها. جينا أميني، ابنة سقز، لم تكن سوى فتاة خرجت مثل آلاف الفتيات إلى شوارع طهران، لكن عودتها كانت على شكل خبر مأساوي تناقلته الشاشات "فتاة فارقت الحياة بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق".
كان ذلك المشهد بداية قصة لم يكتبها الشعراء بعد، لكنها كُتبت بدموع الأمهات وصوت الطالبات وأحلام الأجيال الجديدة.
لم يكن قتل جينا أميني حادثة عابرة في سجل قمع طويل، بل كان الشرارة التي فجّرت صمتاً عميقاً. لتخرج النساء إلى الساحات، وقمنا بقص شعرهن في العلن، وألقين الحجاب في النار، كما لو أنهن يعلّقن على سماء إيران راية جديدة مكتوبة بكلمة واحدة "الحرية"، وارتفعت الأصوات في الجامعات وفي شوارع المدن والقرى، لتقلن إن الحجاب حين يُفرض بالقوة يتحول من قطعة قماش إلى قيد خانق، وإن الجسد ليس ساحة معركة بين الدولة والمجتمع بل ملك لصاحبته وحدها.
ومن قلب هذا الغضب، أصبح شعار "المرأة، الحياة، الحرية" صدى يتردّد في كل مكان. لم يكن شعاراً سياسياً فحسب، بل وعداً بمستقبل مختلف، رسالة كتبتها النساء بأجسادهن وأصواتهن، وأوصلنها إلى العالم أجمع. فقد تضامنت نساء من شتى القارات، قصين خصلات من شعرهن أمام الكاميرات، فيما وقف فنانون وكتّاب عالميون ليقولوا: قضية جينا ليست كردية إيرانية فقط، إنها قضية كل امرأة حُرمت من حقها في أن تكون كما تريد.
لكن، كما في كل انتفاضة تولد من رحم القهر، جاء الرد قاسياً. قُتل المئات، وسُجن الآلاف، وحاولت السلطة أن تطفئ النار بالمزيد من القمع. ومع ذلك، لم تنطفئ الفكرة. لأن الأفكار، بخلاف الأجساد، لا تُدفن. بقي اسم جينا يرفرف كأيقونة، وتحوّل وجهها الجميل إلى مرآة يرى فيها كل إنسان ملامح شقيقته أو ابنته أو صديقته.
اليوم، ونحن على أبواب الذكرى الثالثة لرحيلها، ندرك أن تأثير ذلك لم يكن في إيران وحدها، بل العالم بأسره. فالمعركة التي خاضتها النساء هناك تجاوزت الحدود، وأعادت التذكير بأن الحرية تبدأ من أصغر التفاصيل من خصلة شعر تُترك على الكتف بلا خوف، من كلمة تُقال في قاعة جامعة بلا رقابة، من يد تكتب قصيدة بلا قيود.
جينا أميني لم تعد بيننا، لكن دمعتها الأولى تحوّلت إلى نهر. نهر يسقي أحلام الفتيات اللواتي يكبرن على وقع اسمها، ويُذكّرنا جميعاً أن كل امرأة تُقمع، إنما يُقمع معها مستقبل وطن بأكمله. وما دام هناك من يهتف "المرأة، الحياة، الحرية"، فستظل ثورة المرأة مستمرة. إنها نار لا تخبو في صدر العالم، ونور يتسلّل من خصلة شعرٍ ليبدّد أعتى الظلمات.