جريمتان تهزان المغرب في يوم واحد وتكشفان هشاشة حماية النساء

شهد المغرب في يوم واحد جريمتين مروعتين ضد النساء، الأولى في مدينة ابن أحمد والثانية في الدار البيضاء، وهما جريمتان تكشفان تصاعداً خطيراً في العنف الأسري، وتعيدان طرح سؤال الحماية القانونية والاجتماعية للنساء في مواجهة العنف الذكوري المتفاقم.

المغرب ـ يشهد المغرب تصاعداً مقلقاً في جرائم قتل النساء، والتي غالباً ما تُرتكب على يد شركائهن أو أزواجهن، وعلى الرغم من وجود قانون لمحاربة العنف، فإن الحماية الفعلية للضحايا لا تزال ضعيفة ومليئة بالثغرات.

في يوم واحد، عاش المغرب على وقع جريمتين صادمتين ضد النساء، ارتكبهما رجلان يفترض أنهما الأقرب إلى الضحيتين، لكن علاقتهما تحولت إلى عنف قاتل، الأولى وقعت في مدينة ابن أحمد حيث أقدم زوج على قتل زوجته وتقطيع جثتها بمنشار كهربائي قبل أن يدفنها في الخلاء، والثانية في الدار البيضاء، حين أطلق موظف شرطة النار على امرأة من معارفه، ثم حاول الانتحار بإطلاق رصاصة على رأسه.

جرائم متزامنة، مختلفة في السياق، لكنها تشترك في ملامح واحدة تصاعد مقلق للعنف الذكوري في أشكاله القصوى، وعودة مؤلمة لسؤال قديم متجدد: لماذا تستمر النساء في دفع ثمن الخلل المجتمعي والقانوني في منظومة الحماية؟

 

جريمة ابن أحمد

في ضواحي مدينة ابن أحمد بإقليم سطات، أوقفت الشرطة أمس الجمعة 17 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، رجلاً في عقده الرابع، للاشتباه في قتله زوجته التي اختفت منذ شهر أيار/مايو الماضي.

التحريات كشفت أن الزوج وهو من ذوي السوابق القضائية، اعتدى على زوجته داخل المنزل، قبل أن يقطع جثتها بمنشار كهربائي ويتخلص منها في منطقة خلاء.

وخلال عملية تفتيش دقيقة قادتها الفرقة الولائية للشرطة القضائية بسطات، عثر على أجزاء من الجثة وملابس وأدوات حادة ومنشار كهربائي، إضافة إلى سيارة يشتبه في استخدامها لنقل الأشلاء، وأُحيلت البقايا إلى مختبر الشرطة العلمية لتحديد هوية الضحية بشكل دقيق.

تظهر المعطيات أن الجريمة جاءت نتيجة نزاعات أسرية متكررة، ما يعكس أن العنف الممارس ضد النساء لا يتوقف عند الضرب والإهانة، بل قد يتطور تدريجياً إلى القتل والتمثيل بالجسد، في غياب آليات تدخل وقائية فعّالة.

 

جريمة الدار البيضاء

بعد ساعات من كشف تفاصيل جريمة مدينة ابن أحمد، أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني في بيان لها، عن فتح تحقيق بولاية أمن الدار البيضاء، إثر إقدام مقدم شرطة على قتل امرأة من معارفه داخل سيارة خاصة باستعمال سلاحه الوظيفي.

وأشار البيان إلى أن الشرطي بعدها الفرار مطلقاً رصاصتين في الهواء لتفادي توقيفه، قبل أن يصوب السلاح إلى رأسه محاولاً وضع حد لحياته، ما أدخله في حالة حرجة نقل إثرها إلى قسم العناية المركزة.

وتشير المعطيات الأولية إلى أن دوافع الجريمة ذات طابع عاطفي، ما يفتح الباب مجدداً أمام سؤال التحول الخطير في العلاقات بين الرجال والنساء حين يغيب التوازن والاحترام، وحين تتسلل نزعات التملك والانتقام إلى الوجدان.

 

ما وراء الجرائم

الواقعتان ليستا معزولتين، فبحسب تقارير رسمية تشهد البلاد ارتفاعاً مقلقاً في عدد النساء اللواتي يقتلن على يد أزواجهن أو شركائهن، رغم مرور سبع سنوات على صدور قانون 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء في عام 2018، والذي شدد العقوبات ووسع تعريف العنف ليشمل الجسدي والجنسي والنفسي والاقتصادي.

لكن التطبيق على أرض الواقع يكشف عن ثغرات كبيرة، سواء في آليات التبليغ والحماية، أو في ضعف المتابعة والتكفل بالضحايا قبل أن تتحول حالات العنف المنزلي إلى جرائم قتل، فكثير من الشكايات تغلق لغياب الأدلة، أو بسبب تنازل الضحية، ما يعيدها إلى فضاء الخطر ذاته.

وترى ناشطات حقوقيات أن تحول العنف إلى قتل هو نتيجة مباشرة لثقافة التساهل مع المعتدين، وضعف الوقاية المؤسساتية، وغياب مقاربة شمولية تعنى بالحماية النفسية والاجتماعية للنساء.

الجريمتان، بكل تفاصيلهما الصادمة، تعكسان انكساراً إنسانياً داخل الأسرة، وتطرحان تساؤلات حول ما إذا كانت القوانين وحدها كافية لردع العنف، أم أن الأمر يتطلب تغييراً ثقافياً وتربوياً يرسخ احترام المرأة كشريكة لا كملك خاص، وبينما تتواصل التحقيقات لتحديد الدوافع الحقيقية وراء الجريمتين، يبقى السؤال الأعمق مطروحاً هل يكفي النص القانوني لحماية الأرواح، إذا لم تدعمه سياسات وقائية ومراكز إنصات وإيواء فاعلة على أرض الواقع؟.