جرائم "الشرف" في إدلب بين غياب الحماية وتواطؤ الأعراف

في مدينة إدلب السورية التي يسيطر عليها جهاديي هيئة تحرير الشام، تتكرر مشاهد القتل تحت ذريعة "الشرف"، لتكشف عن أزمة اجتماعية متجذرة تتجاوز حدود الجريمة الفردية.

أسينات محمد

إدلب ـ تشهد مدينة إدلب السورية، تكراراً مقلقاً لجرائم قتل النساء تحت ذريعة "الشرف"، في ظل غياب الحماية القانونية واستمرار الأعراف والتقاليد البالية التي تمنح مرتكبي هذه الجرائم غطاءً اجتماعياً.

في صباح العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، شهدت مدينة إدلب جريمة قتل مزدوجة في ساحة الحمامة، راح ضحيتها سلسبيل عيدو ومحمد خالد حاج حسن، الجريمة ارتكبت بذريعة "الشرف"، بعد أن أبلغ أحد أقارب سلسبيل أبناء عمومتها بمكان وجودها، ما أدى إلى استدراجها وقتلها بطريقة وحشية.

وبحسب مصادر وكالتنا فقد كانت سلسبيل عيدو تحاول الهروب من عنف زوجي ومن رفض أسري، ومن ارتكب الجريمة يكون ابن عمها بذريعة "الشرف"، ما يسلط الضوء على ظاهرة أوسع تهدد النساء في سوريا وإدلب بشكل خاص.

وبعد أيام قليلة، قُتلت شيماء الزعبي على يد شقيقها بعد محاولتها الهروب من زواج قسري إلى دمشق، الجريمتان تعكسان واقعاً اجتماعياً مأزوماً، حيث تُستخدم مفاهيم مثل "الشرف" لتبرير العنف ضد النساء، في ظل غياب الحماية القانونية، واستمرار الأعراف القبلية، والصمت المجتمعي.

 

عنف بلا محاسبة

سلسبيل عيدو البالغة من العمر 31 عاماً، والتي عادت من ألمانيا قبل ست سنوات، كانت تحلم بحياة مستقرة بعد سنوات من الغياب عن مسقط رأسها، إلا أن الحياة لم تكن رحيمة معها، فقد تعرضت لعنف جسدي ونفسي متواصل من زوجها، دفعها لمحاولة العودة إلى منزل عائلتها طلباً للحماية، بحسب ما قالته إحدى قريباتها التي رفضت ذكر اسمها لأسباب وصفتها بالأمنية.

وأوضحت أن الضحية واجهت هناك رفضاً من الأسرة خشية "العار الاجتماعي" المرتبط بالطلاق، رغم علمهم بمعاناتها المستمرة، ما دفعها لمحاولة العودة إلى عائلتها في ألمانيا بشكل سري، حيث تمتلك إقامة دائمة، لكنها لم تجد أي دعم من قريب أو بعيد.

وأشارت إلى أنها وفي ظل هذه المعاناة لجأت إلى قريبها محمد حاج حسن طلباً للمساعدة للوصول إلى منزل خالتها في إدلب، تمهيداً للسفر إلى لبنان لمراجعة السفارة الألمانية، لكن الثقة التي وضعتها الضحية في قريبها لم تكلل بالأمان، فبعد أن أوصلها قام بإخبار أبناء عمومتها بمكان تواجدها ظناً منه أنه يتصرف بحسن نية، وما كان أن وقع الاثنان ضحية استدراج وعنف مروع، انتهى بقتلهما بشكل وحشي حيث تعرض محمد للذبح وإطلاق النار، بينما قتلت سلسبيل بالرصاص.

تعد هذه الجريمة نموذجاً صارخاً لما يعرف باسم "جرائم الشرف"، والتي مرت دون محاسبة من السلطات التي هي ذاتها قد ارتكبت الكثير من الانتهاكات، فسجل هيئة تحرير الشام لا يخلو من العنف وجرائم القتل بحق النساء، يضاف إلى ذلك الأعراف الاجتماعية التقليدية التي تمنح مرتكبي هذه الجرائم نوعاً من التبرير في بعض المناطق.

 

إما الموت أو الزواج قسراً

لم تكن شيماء الزعبي البالغة من العمر 22 عاماً، أفضل حالاً من سابقتها حين تعرضت للقتل هي الأخرى بـ "ذريعة الشرف"، وذلك بعد محاولتها الهروب من الزواج القسري إلى دمشق، بداية الشهر الحالي.

وكانت شيماء الزعبي تعيش تحت وطأة ضغوط عائلية شديدة، إذ أنها كانت تحلم بالدراسة والعمل بعيداً عن فكرة الزواج الذي أجبرها أهلها على القبول بها من ابن عمها الذي يكبرها بـ20 عاماً، لتنتهي هذه المحاولات بقتلها.

وقالت مصادر مقربة من الضحية لوكالتنا، أن شيماء الزعبي قررت الذهاب إلى العاصمة السورية بهدف الالتحاق بجامعة محلية، لكنها وقعت في قبضة أحد أقاربها الذين أبلغوا والديها بمكانها، وبعد ثلاثة أيام تم استدراجها إلى منزل إحدى قريباتها، حيث واجهت عنفاً جسدياً شديداً، قبل أن يقتلها شقيقها، بذريعة الحفاظ على "شرف العائلة".

الجريمة التي لم تحظ بتغطية إعلامية بسبب الخوف من الانتقام الاجتماعي، وهو ما أثار صدمة بين بعض الناشطين الحقوقيين المحليين، إذ تبرز بوضوح كيفية استغلال الأعراف التقليدية لتبرير القتل والاعتداء على الفتيات اللواتي يحاولن التحرر أو رفض القيود الاجتماعية.

وبحسب المصادر فإن شيماء الزعبي كانت تحلم بالتعليم والمستقبل، لكن الأعراف والتقاليد البالية والضغط الأسري حول مفهوم الشرف جعل منها ضحية لقوانين غير مكتوبة، تُفرض بالقوة، وبالنتيجة فقدت حياتها بسبب محاولة البحث عن الحرية.

 

الشرف ليس مبرراً للعنف

تعيش النساء في مثل هذه المجتمعات بين مطرقة العنف الأسري وسندان الأعراف، فالمرأة أو الفتاة التي تحاول طلب المساعدة قد تواجه رفض الأسرة أو ضغط المجتمع، وعادة ما تفرض هذه الأعراف الصمت والخوف، ما يمنع الضحايا من اللجوء إلى القانون أو الإعلام، كما أن "جرائم الشرف" تكشف عن فشل الحماية المؤسسية في كثير من المجتمعات، حيث تترك النساء عرضة للضغط العائلي والاجتماعي حتى من المقربين لهن.

وكثيراً ما يستخدم هذا المفهوم لتبرير القتل أو العنف وهو لا يعكس إلا هشاشة المجتمع في ضمان حقوق النساء وحمايتهن من الانتهاكات، والصمت المجتمعي تجاه هذه الظواهر يُعد بمثابة تواطؤ، وعلى المجتمع الدولي والمحلي الضغط لفرض العدالة وحماية النساء من الانتهاكات المستمرة، فغياب المحاسبة القانونية في العديد من الحالات يعزز ثقافة الإفلات من العقاب، ويجعل النساء أكثر هشاشة خصوصاً في مناطق النزاع أو التي تسيطر عليها الأعراف والتقاليد البالية.