جمعية مغربية تكشف عن مخاطر العنف الرقمي وتطلق آلية وطنية للحماية
يشهد المغرب تزايداً مقلقاً في معدلات العنف الرقمي الموجه ضد النساء، وفي إطار مواجهة هذه الظاهرة، بادرت جمعية التحدي والمساواة والمواطنة إلى إطلاق المرصد الوطني للحماية، بهدف مؤازرة الضحايا والعمل على إرساء فضاء رقمي أكثر أماناً.
حنان حارت
المغرب ـ أكدت المشاركات في الندوة على خطورة تصاعد العنف الرقمي ضد النساء والفتيات في المغرب، مشيرات إلى أن أغلب الضحايا يعجزن عن التبليغ بسبب الخوف والوصم، وأن المعنف المجهول الهوية يمثل مؤشراً مقلقاً.
نظمت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، أمس الثلاثاء 25 تشرين الثاني/نوفمبر بالدار البيضاء، ندوة صحفية تحت شعار "تحت نيران النقرات: جحيم العنف الرقمي"، لتقديم تقريرها الجديد حول العنف الرقمي ضد النساء والفتيات في المغرب، والإعلان عن تأسيس المرصد الوطني لحماية النساء والفتيات من العنف الرقمي، تزامناً مع الأيام الأممية الـ16 للقضاء على العنف ضد النساء.
ارتفاع الحالات والإحصاءات الرئيسية
وكشفت الجمعية، أن مراكز الاستماع التابعة لها، عبر الوحدة الثابتة والوحدة المتنقلة، سجلت 535 حالة خلال الأشهر الأخيرة، وأظهرت المعطيات أن النساء والفتيات في الفئة العمرية 18ـ 35 سنة يشكلن 40% من الضحايا.
كما لاحظ التقرير أن ارتفاع المستوى التعليمي للنساء يرتبط بزيادة تعرضهن للعنف الرقمي، ما يُعزى إلى زيادة استخدام وسائل التواصل الرقمي والنشاط المكثف في الفضاء الافتراضي، لافتاً إلى أن إرسال الصور الإيحائية يتصدر أشكال العنف الرقمي، يليه الابتزاز المالي بنسبة 14%.
فيما يتعلق بهوية المعنِّفين، أوضح التقرير أن 68% منهم يظلون مجهولي الهوية، في حين أن 31% معروفون لدى الضحايا، كما بيّنت الجمعية أن معظم الضحايا، سواء كنّ راشدات أو تلميذات، يفضلن عدم التبليغ، إذ لم يتجاوز عدد الحالات التي وصلت إلى القضاء 70 حالة فقط، رغم خطورة الرسائل والصور والفيديوهات المرسلة.
"معطيات مقلقة حول انتشار العنف"
وقالت رئيسة الجمعية بشرى عبدو، إن الندوة ركزت على ثلاثة محاور رئيسية وهي تقديم التقرير الموضوعاتي حول العنف الرقمي، إطلاق المرصد الوطني للحماية، وقراءة في الأحكام القضائية المرتبطة بالضحايا.
وأوضحت بشرى عبدو أن الجمعية من خلال عملها الميداني داخل مراكز الاستماع والوحدات المتنقلة بعدد من المراكز بالدار البيضاء، رصدت معطيات "مقلقة" حول انتشار العنف الرقمي في صفوف النساء، مشيرةً إلى أن 79 % من النساء لا يستطعن التبليغ عن العنف الرقمي، معتبرةً أن هذا الرقم "يعكس حجم الخوف والوصم الذي يعيق الضحايا".
ولفتت إلى أن إحدى الإشكالات البارزة تتعلق بـ "المعنِّف المجهول الهوية"، وهو ما وصفته بـ "المؤشر المخيف"، نظراً لارتفاع عدد الحالات التي لا تتمكن فيها الضحية من معرفة الشخص الذي يمارس العنف ضدها، مؤكدةً أن الفتيات الشابات بين 18 و28 عاماً، خصوصاً الطالبات الجامعيات، يشكلن الفئة الأكثر تعرضاً للعنف الرقمي، بحكم حضورهن النشط في المنصات الرقمية.
وأضافت أن تطبيق واتساب يعد الوسيلة الأكثر استخداماً في هذا النوع من العنف، بسبب سهولة إرسال الصور والرسائل والمحتوى ذي الطابع الجنسي أو الإيحائي، لافتةً إلى أن الجمعية بالشراكة مع 13جمعية من سبع جهات عملت على التفكير الجماعي في آليات عملية لرصد الظاهرة ومواجهتها، ما أسفر عن إطلاق المرصد الوطني للحماية من العنف الرقمي ويقوم هذا المرصد حسب قولها، على أربع ركائز أساسية وهي التوثيق، الرصد، التكفّل، والترافع.
وشددت على أن المرصد يهدف إلى إنتاج معطيات دقيقة حول انتشار العنف الرقمي في الوسطين الحضري والقروي، والاشتغال على ملفات النساء في وضعية إعاقة، والنساء ذوات البشرة السوداء، وغيرهن من الفئات المعرّضة.
وختمت بشرى عبدو حديثها بالتأكيد على أن المرصد "آلية مدنية مفتوحة لكل الجمعيات الراغبة في الانضمام"، وأنه يسعى إلى تعزيز التعاون مع مؤسسات الدولة وتنظيم مبادرات للتوعية والتحسيس، معتبرةً أن مواجهة تنامي العنف الرقمي في المغرب تتطلب تضافر جهود جميع الفاعلين للحد من هذه الظاهرة المتصاعدة.
"أرقام العنف الرقمي تدق ناقوس الخطر"
من جهتها بينت مسؤولة التنسيق والترافع بالجمعية رجاء حمين، أن العنف الرقمي "أصبح في ارتفاع مقلق وينخر مختلف مكونات المجتمع المغربي"، مؤكدةً أن اللقاء خلص إلى توصيات مهمة تمثل خطوة أساسية نحو مواجهة هذا الخطر المتنامي "سلطت الندوة الضوء على الجانب الإحصائي، سواءً الأرقام الصادرة عن المؤسسات الرسمية، أو تلك التي جمعتها الجمعية عبر مراكز الاستماع والوحدات المتنقلة".
واعتبرت أن هذه الأرقام تدق ناقوس الخطر وتفرض التفكير في كيفية تكثيف الجهود والاشتغال بشكل مشترك لإخراج النساء والفتيات من نفق العنف الرقمي المظلم، مشيرةً إلى أن التوصيات التي خرج بها اللقاء شملت جوانب متعددة، من بينها تعزيز الإطار القانوني، وإدماج الوقاية الرقمية داخل المؤسسات التعليمية، إضافة إلى دور وسائل الإعلام والهيئات الاجتماعية في رفع الوعي وحماية النساء.
وأكدت على أهمية العمل التشاركي، قائلة "نأمل أن نعمل يداً بيد من أجل بناء فضاء رقمي آمن للنساء والفتيات، يضمن كرامتهن ويحصّنهن من كل أشكال العنف".
"عنف مسكوت عنه"
أما شروق مجعيط، مديرة مركز التكوين "محمد أزطوط" للمرأة في وضعية صعبة التابع لجمعية الأمل النسائية بتطوان وعضوة المرصد، أوضحت أن تأسيس المرصد الوطني للحماية من العنف الرقمي جاء في إطار جهود مناهضة هذا النوع من العنف، الذي وصفته بـ "العنف المسكوت عنه"، لافتةً إلى أن هدف المرصد هو رصد الظاهرة، وتوثيق الحالات، والتكفل بالضحايا، الترافع، وإنتاج معطيات وطنية دقيقة حول العنف الرقمي في الوسطين الحضري والقروي.
وأكدت أن المرصد سيغطي سبع جهات بالمغرب لضمان وصول الدعم إلى أكبر عدد من النساء والفتيات، مشددةً على ضرورة تكاثف جهود الجمعيات النسائية، لأن الكثير من الضحايا يعشن في عزلة، ما قد يدفع بعضهن إلى الانتحار.