جمعية "حورية" تفتح باب النقاش حول قرار رفع التحفظات على اتفاقية سيداو

أكدت المشاركات في الجلسة الحوارية، أن رفع التحفظات عن اتفاقية (سيداو) يمثل خطوة قانونية وسياسية مهمة، ويتطلب ملاءمة التشريعات الوطنية مع الخصوصية المجتمعية والدينية.

نجوى راهم

الجزائر ـ  في الرابع من آب/أغسطس أعلنت الجزائر رسمياً رفع تحفظاتها عن بعض مواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، في خطوة أثارت نقاشاً واسعاً داخل المجتمع ما بين مؤيد ومعارض وسط دعوات لفهم أبعاد القرار وتداعياته القانونية والاجتماعية.

أثار قرار الجزائر رفع تحفظاتها عن بعض مواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) جدلاً واسعاً داخل المجتمع، بين من يعتبره تعزيزاً للحقوق والمساواة، ومن يراه تهديداً لبنية الأسرة واستقرارها، وفي خضم هذا الجدل بادرت جمعية "حورية" للمرأة الجزائرية أمس الاثنين 26 آب/أغسطس إلى تنظيم جلسة حوارية مفتوحة عبر تطبيق الزوم بمشاركة خبراء وباحثات وأساتذة جامعيين وممثلين عن المجتمع المدني، لطرح تساؤلات عميقة حول خلفيات القرار وتوقيته.

وكانت الجزائر قد صادقت على اتفاقية (سيداو) عام 1996، لكنها سجّلت عدة تحفظات على المادتين 15 و16، الأولى تتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون والحقوق المدنية، أما الثانية فمرتبطة بالمساواة في الزواج والعلاقات الأسرية بما فيها الطلاق وحضانة الأطفال، وظلت هذه التحفظات محل جدل لعقود قبل أن تعلن الجزائر مؤخراً رفعها بشكل رسمي ما يعني التزامها الكامل بنصوص الاتفاقية.

وخلال كلماتها في الافتتاحية أوضحت رئيسة جمعية "حورية" عائشة سرير، أن النقاش يهدف إلى فهم خلفيات هذا القرار الحساس مؤكدةً أن "سؤالنا الأساسي هو لماذا تم رفع التحفظ في هذا الوقت بالذات؟ التوقيت ليس بريئاً، فهو يحمل أبعاداً سياسية وقانونية واجتماعية تستحق الدراسة والتفسير".

 وأضافت أن الجمعية حرصت على إشراك أصوات نسائية من مختلف التخصصات لإثراء النقاش بشكل موضوعي ومتوازن، بعيداً عن الاصطفاف الإيديولوجي.

وأظهرت المداخلات خلال الجلسة تبايناً واضحاً في المواقف، حيث شددت عضوة المجلس الوطني للأسرة وقضايا المرأة عتيقة حريشان، على أن تمكين المرأة من حقوقها "مفتاح لنهضة المجتمع"، محذرةً من أن يكون ذلك على حساب تماسك الأسرة والنسيج الاجتماعي، معتبرةً أن أي إصلاح قانوني ينبغي أن يوازن بين المصلحة الفردية والاستقرار الجماعي.

من جانبها أكدت البروفيسورة دليلة تريكي آيت شاوش، المتخصصة في قانون الأسرة والميراث، أن رفع التحفظ لا يشكل خطراً على المجتمع إذا كان في مصلحة المرأة "حق التنقل مكفول دستورياً ولا يتعارض مع ثوابت المجتمع، إن القرار يمنح النساء أدوات قانونية جديدة للدفاع عن حقوقهن في قضايا الزواج والطلاق، لكنه يتطلب أيضاً ملاءمة التشريعات الوطنية مع الالتزامات الدولية".

أما البروفيسورة زوبيدة أقروفة، المتخصصة في العلوم السياسية، رأت أن هذه الخطوة تحمل بعداً سياسياً مهماً لأنها تفتح الباب أمام إصلاحات أوسع تعزز مكانة المرأة في المجال العام، مشيرةً إلى أن الجزائر "تبعث رسالة للخارج بأنها تواكب المعايير الدولية".

بدورها قالت البروفيسورة سامية سمري، المتخصصة في القانون الدستوري، إن رفع التحفظات يجعل التشريع الجزائري أكثر انسجاماً مع التزاماته الدولية، مشددةً في الوقت ذاته على ضرورة إشراك مختلف الفاعلين لضمان توافق هذه الإصلاحات مع الخصوصية المجتمعية الجزائرية.

وفي المقابل، عبّرت عتيقة حريشان والدكتورة بن قوية سامية عن مخاوفهما من أن تحمل هذه الاتفاقيات الدولية في طياتها مخاطر تهدد الأسرة الجزائرية، مشيرتا إلى أن المساواة التي تنادي بها سيداو "قد تتحول إلى غطاء لإضعاف البنية الأسرية"، مؤكدتين أن الإسلام لا يحرم المرأة من حقوقها في التعليم والعمل والسفر، وأن تمكينها يجب أن ينطلق من المرجعية الدينية والوطنية، وليس من نصوص خارجية قد تتعارض مع الهوية الثقافية والاجتماعية للجزائر.

النقاش الذي فتحته جمعية "حورية" يعكس التحدي الأكبر الذي يواجه الجزائر اليوم، وهو كيف يمكن التوفيق بين الالتزامات الدولية والمرجعيات الدينية والاجتماعية؟ وبينما يرحب كثيرون بقرار رفع التحفظات باعتباره تعزيزاً لحقوق المرأة ومكاسبها، يخشى آخرون أن يؤدي ذلك إلى تصادم مع قيم الأسرة الجزائرية، ورغم اختلاف الرؤى، أجمع المشاركون على أن هذا القرار يمثل محطة مفصلية تستوجب حواراً واسعاً داخل المجتمع، وأن إشراك الجمعيات النسائية والمجتمع المدني في النقاش ضروري لتفادي أي صدام أو لبس حول مضامين الاتفاقية.

ويبقى قرار رفع التحفظات على اتفاقية (سيداو) خطوة جريئة تحمل آمالاً وتحديات في آن واحد، فهو من جهة يعزز صورة الجزائر كدولة ملتزمة بحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، ومن جهة أخرى يطرح أسئلة حساسة حول أمكانية إعادة النظر في قانون الاسرة لما يتماشى مع الواقع الحالي.