حصيلة دامية لعام من حكم الجهاديين ومستقبل غامض لسوريا
سيطرة جهاديي هيئة تحرير الشام على مناطق واسعة في سوريا، رافقها مجازر وانتهاكات خطيرة طالت المدنيين، خصوصاً النساء والأطفال، واستمرار هذه الهيمنة دون إشراك باقي المكونات يشكّل خطراً على مستقبل البلاد.
برجم جودي
كوباني ـ منذ سقوط النظام السوري السابق في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 وحتى اليوم، يواصل جهاديي هيئة تحرير الشام ذات الفكر الجهادي إدارة مناطق واسعة في سوريا تحت مسمّى "الحكومة السورية المؤقتة"، وتشير الحصيلة السنوية لأنشطتها إلى مشهد مقلق يكشف عن مستقبل يحمل الكثير من المخاطر.
في 27 شباط/فبراير 2024 بدأ جهاديي هيئة تحرير الشام تحرّكات عسكرية وسياسية للسيطرة على مفاصل الحكم في سوريا. ومنذ 8 كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه وحتى اليوم، أحكموا قبضتهم على ما يُعرف بـ "الحكومة المؤقتة"، وبعد عام كامل من سيطرتها، كشفت التقارير والبيانات المتعلقة بعملياتها وانتهاكاتها والمجازر التي ارتكبتها الجماعات الجهادية عن صورة قاتمة لوضع البلاد.
وبحسب الأرقام المنشورة، قُتل 8,422 مدنياً، بينهم 636 امرأة و463 طفلاً. كما وثّقت التقارير خطف وقتل 751 امرأة خلال الفترة نفسها، ما يعكس حجم العنف والانتهاكات التي طالت المدنيين في ظلّ نفوذ الهيئة.
وفي هذا الإطار، قيمت نادية حسو الإدارية في مؤتمر ستار بقضاء شيران بمدينة كوباني بإقليم شمال وشرق سوريا، الوضع الراهن، وقالت "لقد ناضل الشعب السوري لأكثر من خمسين عاماً ضد ظلم وهيمنة نظام البعث، وسعى إلى بناء حياة آمنة تقوم على التعايش. ومع سقوطه العام الماضي، تجددت آمال الشعوب في إيجاد حل عادل للقضية السورية وتحقيق أهداف الثورة. لكن للأسف، التطورات الأخيرة تُظهر أننا نواجه من جديد العقلية نفسها التي ثار الشعب ضدها".
وأكدت أن جهاديي هيئة تحرير الشام فرضوا نفسهم كسلطة حاكمة على الشعب السوري تحت مسمى "الحكومة المؤقتة"، مضيفةً "حدث ذلك دون أي مشاركة من شعوب سوريا في رسم مستقبل البلاد، وفرضت حكمها بالقوة، ومع المجازر التي ارتُكبت في السويداء، اتضح بجلاء أن العقلية القديمة ذاتها عادت لتتولى السلطة من جديد"، لافتةً إلى أنهم "يشكلون جماعات جهادية تحت مسمى حكومة، قتلت أبناء شعبنا، ودفعت بسوريا نحو الهاوية".
وتأسفت على الأحداث التي شهدتها سوريا "ظهرت وكأنها تسير وفق ما تريده القوى المهيمنة، وتمّ قبول هذه الحكومة، بل جرى الترحيب بها من قبل دول الشرق الأوسط والمجتمع الدولي"، موضحةً أن هذا الموقف يكشف بوضوح رغبة القوى المسيطرة في الحفاظ على نفوذها في سوريا عبر هذا المسار، واستخدام الساحة السورية لتغيير خريطة الشرق الأوسط وفق مصالحها.
وتطرّقت نادية حسو في تقييمها إلى الممارسات التي تُرتكب باسم الدين "الجماعات الجهادية التي تعمل تحت راية الشريعة وترتكب المجازر تُعدّ الخطر الأكبر على المجتمع السوري، فتحت راية "الله أكبر" يُقتل الأطفال والنساء وأبناء المكوّنات المختلفة، ثم يمرّون فوق جثثهم بلا تردد، هذه الأفعال تعيد إلى الأذهان عقلية داعش".
وتابعت حديثها متسائلة "من الذي يدمّر سوريا؟"، مضيفةً "الشعب السوري بكل مكوّناته وقومياته وإثنياته أنهكته الحرب المستمرة منذ 14 عاماً، هذه الشعوب التي عاشت معاً لسنوات طويلة، وتقاسمت الحياة وكانت جيراناً وأقرباء، لماذا تُظهر اليوم كل هذا الحقد والكراهية؟ من الذي دفع الناس ليصبحوا أعداء بعضهم البعض؟ نحن نعلم جيداً أن هذه الخطط وهذه اللعبة تقف خلفها القوى التي تتدخل في سوريا، والتي لا تريد حلاً عادلاً أو حقيقياً".
وبالاستناد إلى البيانات المنشورة، قالت نادية حسو إن "آمال الشعب السوري باتت تتلاشى"، موضحةً موقفها بقولها "في وقت ما زال فيه شعبنا يعيش حالة من الضياع، قُتل أكثر من 8 آلاف شخص، كما قُتلت وخُطفت 700 امرأة، وهذه الأرقام تزداد يوماً بعد يوم. هذه المعطيات تمثل الخطر الأكبر الذي يهدد مستقبل سوريا، وهو ما تدركه وتشعر به جميع مكوّنات الشعب السوري".
وتطرقت إلى الدعوات التي وجهت لقوات سوريا الديمقراطية للتدخل "وسط الفوضى والمجازر التي شهدناها، ارتفعت الأصوات المطالِبة بحماية قوات سوريا الديمقراطية لها، لماذا ظهرت هذه المطالب الآن؟ السبب واضح، فهو مرتبط بالنظام والمشروع الذي يطبق منذ سنوات في إقليم شمال وشرق سوريا حيث تعيش العديد من المكونات والمعتقدات معاً".
واختتمت نادية حسو حديثها بالقول "إن الحكومة الحالية عاجزة عن تلبية مطالب الشعب السوري ولا تقدّم أي حل حقيقي، ويمكنني القول إن الحكومة المؤقتة باتت بحدّ ذاتها خطراً على سوريا، لذلك يجب على الشعب، خاصة الشباب والنساء، رفض هذا الواقع المفروض عليهم، فإذا قبلنا بهذه الحكومة وبما تفرضه، فلن يكون بإمكاننا الحديث عن مستقبل حرّ أو ديمقراطي أو قائم على المساواة، وعلى النساء بشكل خاص أن يتخذن موقفاً واضحاً، لأن هذه الحرب تُشنّ على حسابهن. علينا الإصرار على تغيير النظام القائم في سوريا، وإن تطلّب الأمر، يجب أن نعيد بناءه من جديد".