"هم النساء"… صرخات طفولة تحاكي وجع النساء فوق خشبة المسرح
في قلب المدينة العتيقة بمراكش، وتحديداً من حي الملاح المهمش، صدحت أصوات طفلات صغيرات على خشبة دار الثقافة الداوديات، مجسدات في عرض مسرحي مؤثر بعنوان "هم النساء"، معاناة نساء المغرب وهمومهن اليومية.
 
					رجاء خيرات
المغرب ـ من خلال قصائد زجلية نابضة، وأداء صادق يتجاوز أعمارهن، استطاعت مجموعة من الفتيات الصغيرات أن يسلطن الضوء على قضايا التهميش، الفقر، الأمية، وغياب التمكين، في مشهد مؤثرة جعل من الخشبة منبراً للبوح، ومن الفن وسيلة للتغيير.
احتضنت دار الثقافة الداوديات بمراكش، أمس الأربعاء 29 تشرين الأول/أكتوبر، عرضاً مسرحياً بعنوان "هم النساء" من أداء طفلات صغيرات تنتمين للأحياء الهامشية بمراكش، حيث أمطن اللثام عن المشاكل والهموم التي تعيشها النساء المغربيات، مما يقف عثرة أمام تحقيق ذواتهن.
طفلات في عمر الزهور وقفن على الركح كأنهن نساء ناضجات يستعرضن همومهن الكبيرة بأرواح بريئة وعمق يتجاوز تجاربهن الفتية، مما جعل الحاضرين يندهشون من قدرتهن على التعبير الذاتي الذي يستمد قوته من الواقع القاسي الذي تعيشه النساء، إن كن شاهدات على واقع مطبوع بالظلم والتهميش والإقصاء الذي تعيشه المرأة.
العرض الذي أخرجته الفنانة المسرحية حياة غافري المعروفة في وسط الأطفال بـ "سمسمة" وكتبت نصه الكاتبة المسرحية والزجالة المغربية خديجة بي، شكل مناسبة حية لتسليط الضوء على التهميش والإقصاء وعدم التمكين الاقتصادي والأمية التي تعاني منها النساء، مما يكرس الصور النمطية بحقهن.
"هموم النساء" ليس عرضاً يجسد مشاكل ومصاعب حياة النساء فقط على لسان طفلات موهوبات، إنه صرخة مدوية في وجه القهر والظلم الذي يمارس بحق النساء، أطلقتها طفلات في قالب فني زجلي ينم عن رؤية عميقة لواقع الحال.
طفلات الهامش يفجرن طاقاتهن الإبداعية
على هامش العرض قالت المخرجة حياة غافري "قبل فترة استطعنا أن نحصل على فضاء من قبل مندوبية التعاون الوطني وذلك بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث جعلنا من هذا الفضاء مركزاً لتقوية مواهب الأطفال وتعزيز قدراتهم بحي الملاح وهو أحد الأحياء الفقيرة والمهمشة بالمدينة العتيقة، وقد لاحظت أن هؤلاء الأطفال يمتلكون مواهب متعددة ومدهشة كان ينبغي استثمارها، إنهم بحق يعشقون المسرح".
وعن فكرة العرض وعلاقتها بهموم النساء، أشارت إلى أنها كانت دائمة القراءة في كتاب يتضمن نصوص زجلية حول هموم النساء، كما أنها لاحظت أن الطفلات الوافدات على المركز كن يجسدن في حالات كثيرة تلك الهموم والمشاكل التي يعانين منها، وهو ما دفعها للتفكير في نص مسرحي تجسد من خلال هؤلاء الطفلات همومهن التي من شأنها أن تكبر لتصبح هموم نساء ناضجات".
وبشأن الدور الذي لعبه المسرح في تغيير واقع الطفلات بطلات العرض، أكدت حياة غافري على أن بعضهن كن يعانين من تعثرات دراسية، وبفضل المسرح الذي أتاح لهن التعبير عن ذواتهن والإفصاح عن رغباتهن تغير واقعهن للأفضل وأصبحن أكثر انفتاحاً على محيطهن، كما بِتْن يبدين رغبة في التحصيل الدراسي واكتساب معارف جديدة".
ولفتت إلى أن أغلب الأطفال بحي الملاح كانوا يقضون معظم الوقت في الشارع بعد العودة من المدرسة، قبل أن يصبح هذا المركز الذي تديره جمعية مسرح أيوب سمسمة وجمعية الحسنى ملاذهم الآمن الذي فسح أمامهم المجال لتفجير طاقاتهم الإبداعية والتعبير عن همومهم ومشاكلهم وقضاياهم الصغيرة.
المسرح أداة للتثقيف والتأطير
وأوضحت كاتبة النص المسرحي وعضوة اتحاد رابطة كاتبات المغرب خديجة بي، أن القصائد الزجلية التي جسدتها بطلات العرض مقتبسة من ديوانها الزجلي "حروف الجوف" (شعر باللهجة العامية)، معربة عن إعجابها ودهشتها من الطريقة التي ألقت بها الطفلات المشاركات في العرض المسرحي هذه القصائد، لدرجة أن وقع الإلقاء عليها كان مؤثراً كما لو أنها تسمعها لأول مرة.
وتابعت "كنت أسمع تلك القصائد على لسان هؤلاء الطفلات ونسيت للحظات أنني أنا من كتبتها، لقد منحن النص روحاً جديدة وجعلنه ينبض بالحياة".
ووجهت الكاتبة خديجة بي نداءً للآباء، حيث دعتهم لتشجيع أبنائهم على المسرح باعتباره أداة فعالة في تأطير شخصية الأطفال، حيث قالت "المسرح يربي الأجيال ويكسبهم ثقافة غنية، كما أنه يهذب ويرتقي بالذوق الفني، لذلك أدعو الآباء إلى عدم الاكتفاء بالتحصيل الدراسي، والالتفات إلى الأنشطة الموازية بما فيها الموسيقى والرسم وغيرها".
هموم مشتركة
بـ "دار النسا" وقفت طفلة تجسد دور "الحاجة" التي تجمع النساء للاحتفال والترويح عن النفس، وفي خضم هذا الاحتفال تطلق النساء والطفلات صرخاتهن وهن يشكين من واقع حالهن، وقساوة الحياة التي أثقلت كاهلهن، وجعلتهن غير قادرات على تحقيق ذواتهن، إنهن اجتمعن للإنصات لنبض حالهن الذي لا يختلف عن بعضهن البعض، حيث الهم مشترك والمسعى لتجاوزه واحد، هو التمكن من تحقيق الاستقلالية والانطلاق في حياة يرتضينها.
من جهتها أعربت الطفلة هبة الرضواني وهي واحدة من بطلات العرض عن سعادتها بتجسيد هموم النساء، مؤكدة أن كل واحدة من بطلات العمل تريد أن تفرج عن همها الذي ضاق به صدرها "كما لو أن العرض فضاء للإنصات لهموم بعضنا البعض".
وأوضحت أن المركز احتضنها رفقة صديقاتها وشكل بالنسبة لهن متنفساً للتعبير عن ذواتهن، كما أنه ساعدهن كثيراً في التحصيل الدراسي بأن ساهم في إغناء معارفهن.
ومن جانبها أعربت الطفلة كريمة الخلوفي عن سعادتها بالمشاركة في العرض الذي جسدت من خلاله دور المرأة المقهورة التي تعاني من لسعات الزمن وغلاء الأسعار.
وأكدت أن المركز الذي أصبحت تواظب على التدريب داخله شكل فضاءً فتح أمامها فرصة التعرف على المسرح، حيث أنها لأول مرة تجسد دوراً فوق الخشبة، كما منحها فرصة للكشف عن مواهبها، كما فتح أمامها بابا للتعرف على المسرح وأكسبها صداقات تعتز بها.
          
        
