هل يحمي قانون مكافحة العنف النساء في تونس؟

يبدو أن القانون 58 الذي وصفته الجمعيات النسوية والمنظمات في تونس بالثوري لم يتمكن من حماية النساء، فبعد ثمان سنوات من سنه بات المجتمع أمام معضلة قتل النساء بشكل مرعب، وترجعه الجمعيات إلى غياب الوعي وصمت المشرع.

زهور المشرقي

تونس- منذ بداية العام الحالي قتلت 20 امرأة تونسية أغلبهن على يد أزواجهن وفق جمعية أصوات نساء، التي أطلقت والجمعيات الشريكة لها أكثر من مرة صيحة فزع للتحذير من خطورة الوضع الذي بلغته النساء اللواتي وفق دراسة رسمية تعنف تسعة منهن من أصل عشرة.

وبرغم صيحات الفزع والاحتجاج والتنديد من خطورة الوضع نتيجة وباء العنف، لازال الواقع قاتم ينتظر وقفة حازمة، تفرض تطبيق القانون وتعاقب المعنف، وتواجه هذه الظاهرة الإفلات من العقاب.

وبناءً على ذلك الوضع، أصدرت جمعية المرأة والمواطنة بمدينة الكاف في تونس أمس السبت 21 أيلول/سبتمبر دراسة بينت خلالها الفرق بين النص القانوني والواقع، والتي انقسمت إلى ثلاثة أجزاء يهتم جزاءان منها بالحماية الأمنية والقضائية للضحايا أما الجزء الثالث فيستعرض شهادتين تم فيهما قتل امرأتين نتيجة غياب الحماية، كما تقدم الدراسة جملة من التوصيات القانونية والاجرائية وتكوين القضاة والأمنيين إضافة إلى توصيات تخص تأهيل المعتدين أثناء قضاء العقوبة. 

وتم إجراء هذه الدراسة الميدانية في مركز التعهد بالنساء ضحايا العنف لجمعية المرأة والمواطنة بالكاف "مركز منارة" ومركز الإنصات والتوجيه للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وخليتي الإنصات بجمعية أصوات نساء والجمعية التونسية للتصرف والتوازن الاجتماعي التي تدير مركز إيواء.

وتم اختيار هذه الجمعيات بوصفها أهم الجمعيات المتخصصة في مجال التعهد بالنساء ضحايا العنف، حيث أجريت الدراسة بالاستماعات والاستبيانات الموجهة للحالات الموجودة بهذه المراكز، كما تم أيضاً تجميع قرارات حماية صادرة عن مختلف المحاكم الابتدائية بتونس الكبرى وعن المحكمة الابتدائية بمدينة الكاف مع الاستماع إلى عدة محاميات ومحامين رافقن النساء ضحايا العنف في هذا المسار.

وحول هذا الموضوع قالت وفاء الوسلاتي، وهي مديرة مشروع النساء ضحايا العنف والوقاية من جرائم القتل بتونس، الذي تعمل عليه جمعية المرأة والمواطنة "المشروع يهدف إلى حماية النساء ضحايا العنف في مدينة الكاف بالشمال الغربي لتونس والتصدي لمأساة قتلهن"، حيث تم التركيز على تدريب كافة المتدخلين في الصفوف الأمامية لاستقبال الضحايا وتوجيههن، كما تم تدريب محامين وأطراف من قطاع الصحة لمعرفة كيفية التعامل مع المعنفة حين تلجأ لهذه الجهات.

وأوضحت أن الدراسة ركزت على المقارنة والتقييم للنص القانوني بين النظري والواقع الذي تعيشه المعنفات ومدى تطبيق وسائل الحماية المعتمدة في القانون 58 الصادر عام 2017، فضلاً عن رصدها كل الاختلالات في الممارسات المعتمدة في الحماية.

واعتبرت أن الإشكال الكبير يتعلق بالحماية حيث تعاني المعنفات من غياب وجود الوسائل القادرة على حمايتهن وفق ما جاء به القانون 58، لافتةً الى أن الفصل 26 من القانون المذكور ينص على نقل الضحية والأطفال المقيمين معها إلى مكان آمن وإبعاد المعنف فضلاً عن تلقي الضحية كل الاسعافات الأولية والمتابعة النفسية لأنه نظرياً الواقع الموجود لا يتماشى معه والنص القانوني لا يأخذ بعين الاعتبار هذه التدابير لأسباب عديدة حيث تتنقل الضحية عادة بمفردها وتنقل بشكل نادر عبر وسيلة نقل عمومية، ويعود ذلك إلى النقص اللوجستي لدى الوحدات الأمنية المختصة والصحية أو الضعف في التكوين وعدم الدراية بالنص القانوني.

 

 

من جانبها أكدت المنسقة المالية لمشروع حماية النساء من القتل درة القسوري أن الدراسة هي مقاربة وتحليل للواقع الذي تعيشه المعنفة والقانون الذي جاء ليحميهن خاصةً من جهة الحماية الأمنية لهن حين تتعرضن للعنف وتلجأن للوحدات المختصة للاحتماء بهن ومساعدتهن للهروب من المعنف، مشيرةً إلى أن الدراسة أثبتت الاختلاف الكبير بين النصوص والواقع الصعب الذي تقاومه المعنفة لتحمي نفسها من الموت خاصةً مع الإجراءات المعقدة التي تمر بها لتقاضي المعنف أو يتم ايواءها بعيداً عنه.

ولفتت إلى أن مدينة الكاف شمال غرب تونس لديها تجربة رائدة في حماية ضحايا العنف وقد مكنت الدراسة الجمعية من معرفة النقائص لفهم مراحل التدخل ومكانها سواءً من طرف المسؤولين أو الجهات الرسمية والوزارات ذات الصلة.

وأكدت أن تزايد قتل النساء في السنوات الأخيرة هو فضح للتباين بين الواقع والنص، والفرق واضح بين الجانبين من خلال وسائل الحماية التي ينص عليها قانون مكافحة العنف والواقع الذي تغيب فيه تلك الوسائط بسبب ضعف الإمكانيات وانعدامها، إضافة إلى عدم وعي المعنفات بما جاء به المشرع والإطار الذي يمكن أن تسير فيه وتتوجه نحوه لحماية نفسها، مشددة على أهمية تكوين المتدخلين وتطبيق ما نص عليه القانون 58 لتجنب المزيد من مآسي القتل البشع الذي بات خبراً يومياً،