حكم اعتقال قادة طالبان... أمل جديد أم إعادة إنتاج للعبة سياسية قديمة؟
أثار صدور مذكرة توقيف بحق هبة الله أخوندزاده، زعيم طالبان، وعبد الحكيم حقاني، كبير قضاتها، من قبل المحكمة الجنائية الدولية؛ مجدداً موجة من الأمل والشك لدى الشعب الأفغاني، خاصة النساء.

بهاران لهيب
أفغانستان ـ أعاد إعلان المحكمة الجنائية الدولية قرار اعتقال هبة الله وعبد الحكيم حقاني، المجتمع الأفغاني إلى ما قبل أكثر من ثلاثة عقود من الحرب والجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان وحقوق النساء، حيث كان الهجوم الأمريكي في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2001 بمثابة نافذة أمل لعائلات فقدت أحباءها، وبدأ الحديث حينها عن تحقيق العدالة.
في عام 2003، وبعد اتفاق "مؤتمر بون" في ألمانيا، تم تكليف "اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان في أفغانستان" بالنظر في مطالب عائلات ضحايا الحرب، وقد أجرت اللجنة استطلاعاً شمل الأفغان داخل البلاد واللاجئين في باكستان وإيران، حيث طالب 80% منهم بتحقيق العدالة، ومن هنا بدأت مناقشات العدالة الانتقالية بدفع من نشطاء المجتمع المدني، واستمرت حتى عام 2014 حيث ظل المطلب رائجاً.
لكن، ولسوء الحظ، فإن معظم من تورطوا بانتهاكات حقوق الإنسان وحقوق المرأة على مدار العقود الثلاثة (1978 ـ 2000) كانوا في موقع السلطة، وتلقوا دعماً مالياً وعسكرياً من الولايات المتحدة والناتو، مما زاد من قوتهم وجرائمهم، وعملوا على منع تطبيق العدالة الانتقالية في البلاد، في الوقت ذاته، تحولت أفغانستان إلى ساحة صراع بين القوى الإمبريالية، مما ساهم في تصاعد قوة طالبان في العديد من المناطق، بينما ازداد فساد الحكومة المركزية، وقد أوقف بعض النشطاء المدنيين والدول المشاركة العملية الانتقالية للعدالة عن عمد.
رغم توثيق منظمات وطنية ودولية لجرائم واسعة ارتكبها أفراد وجهات مرتبطة بحكومتي كرزاي وغني، لم يُسمح بتفعيل مسار العدالة الانتقالية، وبدلاً من ذلك، تم توجيه كل الاهتمام نحو مفاوضات سلام وُصفت بأنها شكل جديد من الصفقات السياسية، وانتهت بتسليم الحكومة الأفغانية لطالبان من قبل الولايات المتحدة دون أي تخطيط، مما أدى إلى انهيار الوضع الهش أصلاً.
يُذكر أن رئيس أفغانستان السابق حامد كرزاي قد وقّع على قانون المحكمة الجنائية الدولية في عام 2003، مما يُلزم ببدء التحقيق في الجرائم التي ارتُكبت بعد ذلك التاريخ، وفي عام 2015، تم السماح لعائلات الضحايا بتقديم شكاوى إلكترونياً، مما نتج عنه جمع كمٍّ هائل من الأدلة عن جرائم ارتكبتها القوات الأمريكية وحلفائها، وتنظيم القاعدة، وطالبان، وحتى القوات الحكومية، لكن الولايات المتحدة حالت دون تفعيل إجراءات المحكمة في نهاية المطاف.
للأسف، لا يمكن إنكار أن الأمم المتحدة (بعثتها يوناما) لعبت دائماً دوراً سلبياً في أفغانستان إلى جانب الولايات المتحدة، فقد سعتا معاً إلى التدخل في مسار المحكمة، مما أدى إلى عرقلة عملها، من ناحية أخرى، فإن اللجنة الحكومية التي شكلتها الدولة الأفغانية كانت تتكوّن بالكامل من أفراد متورطين في سفك دماء ملايين الأفغان.
ضربة أخرى لعملية العدالة الانتقالية جاءت من خلال تدخل الأمم المتحدة والولايات المتحدة أيضاً، إذ تم حذف اسم غلبدين حكمتيار المعروف بتورطه في جرائم جسيمة ضد الشعب، لا سيما النساء، الملقب بـ "راكتيار" و"سفّاك التّيزاب" من القائمة السوداء لمجلس الأمن الدولي عام 2016، ثم دخل كابول مع عشرات المسلحين، واستقر فيها في رفاه وهدوء، وعرف أيضاً بلقب "جزار كابول".
أما اليوم، وبعد اعتراف روسيا رسمياً بحكومة طالبان، وترحيب الصين كذلك بهذا الاعتراف، وبعد أن سلّمت موسكو سفارة أفغانستان لطالبان في العام السابق، تُصدر الولايات المتحدة هذا الحكم لتُظهر لشعبها وللعالم أنها ليست داعمة لطالبان.
لكن في ظل التنافس بين القوى العظمى لتقسيم العالم، نجد الضحايا يتنقلون بين فلسطين ولبنان، ومناطق الكرد في سوريا، وأحياناً في إيران وأفغانستان؛ حيث تُسلم أنظمة إلى قوى لا تقل قمعاً عن طالبان.
في خضم هذا الصراع، للأسف، النساء والأطفال هم الضحايا الأوائل، ولا تحصد الشعوب سوى الدمار والتشريد، فتاريخ التدخلات يبيّن أن الدول المتغوّلة لم تترك خلفها سوى الفوضى، ولم تُحقق يوماً السلام أو الاستقرار، وشعب أفغانستان، خاصة النساء، عايشوا هذه الحقائق بدمائهم وأجسادهم.
صحيح أن البعض رحب بالحكم الصادر عن المحكمة، لكن الشعب الأفغاني، خاصة النساء، لن يروا فيه خطوة حقيقية ما لم يُنفَّذ فعلياً، ويُمنع ممثلو طالبان من السفر، وتُتخذ إجراءات عملية تُظهر وقوف العالم إلى جانبهم لا مجرّد شعارات.
ورغم أن قرار المحكمة الجنائية الدولية قد يبدو وكأنه خطوة نحو العدالة، فإن ما يهم حقاً هو التنفيذ لا الأقوال منها حظر السفر على مجرمي الحرب، عدم الاعتراف بطالبان، والتعاون الدولي لتحقيق عدالة فعلية، وإلا، فإن هذا الحكم لن يكون سوى غبار آخر يُذرّ في أعين أمة أنهكها الألم والخذلان.