في مؤتمرهن الثاني... الفلاحات بتونس تنظمن مسيرة وتلوحن بإضراب عام
بدعوة من حراك "أصوات عاملات الفلاحة"، نُظم المؤتمر الثاني تحت شعار "الاعتراف بمهنة عاملة في القطاع الفلاحي"، تنديداً بعدم وضع حد لمعاناة العاملات الفلاحات الاجتماعية والاقتصادية.

نزيهة بوسعيدي
تونس ـ تجمعت المئات من العاملات الفلاحات من مختلف الجهات التونسية وتعالت هتافاتهن المطالبة بتطبيق القانون وتمكينهن من حقوقهن في الأجر المناسب والتغطية الاجتماعية والعلاج ووضع حد لسياسة التهميش الممنهجة ضدهن.
ارتدت المشاركات في المسيرة والمؤتمر الذي عقد برعاية حراك "أصوات عاملات الفلاحة"، اليوم الأربعاء السابع من أيار/مايو، الفولارة التقليدية التي ترتديها المرأة الريفية في كل الجهات التونسية، ووضعن الصناديق التي يجمعن فيها الخضراوات أمامهن مملوءة بالفلفل والطماطم.
ورفعن لافتات عديدة لخصت معاناتهن منها "التغطية الاجتماعية حق موش مزية" و"مناش مسلمين في حقوقنا شادين" و"طبق المرسوم 4 وعاملات فلاحيات متضامنات" و"عذراً أن رقم وزارة المرأة غير مبرمج بالشبكة".
وكان لافتاً للانتباه مشاركة عاملات اصطحبن أطفالهن للمسيرة، من بينهن لمياء الذهيبي عاملة فلاحية وخريجة جامعة وأم لرضيع، لم تستطع التخلف عن حضور المؤتمر ومساندة زميلاتها في هذا الحراك الهام، ورغم صعوبة المشاركة في ظل الخوف على رضيعها من حرارة الشمس وحمله لوقت طويل، قالت إنها جاءت اليوم لأن الوضع لم يعد يحتمل ولأن جميع الحقوق مسلوبة وأنها قبلت بهذا العمل رغم شهادتها الجامعية لإعالة أسرتها في ظل الظروف الصعوبة والمتردية، مطالبةً بمساعدة العاملات خاصة الأمهات من خلال إطلاق مشروع فلاحي صغير في المنزل حتى تستطيع العناية بأطفالها وتوفير مصدر دخل لأسرتها.
وفي نفس الإطار قالت بشيرة هادفي عاملة فلاحية وهي تمسك بيد ابنتها التي لم تتجاوز السنتين "أعمل في الفلاحة منذ عدة سنوات، أعاني يومياً من الاستيقاظ باكراً للالتحاق بالعمل وأقبل بالأجر اليومي الزهيد لأجل أطفالي، فمصاريفهم كثيرة وزوجي أيضاً يتقاضى أجر يومي لا يكفي لتغطية كل التكاليف"، مضيفةً "أطالب الجهات المعنية بمساعدتنا من خلال إطلاق مشاريع فلاحية منزلية تضع حداً لاستغلال الوسيط وصعوبات التنقل والحوادث".
كعادته احتضن المجتمع المدني حراك العاملات الفلاحيات، حيث أشرفت جمعية "أصوات نساء" على تنظيم المؤتمر الثاني الذي يعد فرصة لإعلاء صوت العاملات ولتسليط الضوء على أوضاعهن ومطالبة الدولة بالاعتراف بمهنة "عاملة فلاحية" كمهنة قائمة تضمن للعاملات حقهن في الحماية الاجتماعية، والعمل اللائق، والأجر العادل، وظروف العمل الآمنة.
كما يأتي هذا المؤتمر تتويجاً لمسار نضالي طويل امتد لأكثر من خمس سنوات خاضت خلالها العاملات في القطاع الفلاحي معارك متواصلة من أجل نيل حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية، في ظل تهميش رسمي وغياب إرادة حقيقية من جميع الحكومات المتعاقبة في الاعتراف.
وفي هذا الإطار قالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات رجاء دهماني إن "ما يميز حراك اليوم هو أن المعنيين مباشرة هم الذين يقودون المسيرة وهي رؤية ومقاربة جديدة"، مضيفةً أنها "انضمت كرئيسة لجمعية النساء الديمقراطيات من أجل التضامن مع النساء الفلاحات اللواتي عملن عليهن سنوات وحقوقهن مازالت في حيز المطلبية واليوم جئنا لدعم صوتهن".
وأفادت أنه "رغم وجود نقابات بدأت تتشكل من أجل المطالبة بالحقوق ومساندة حراكها فإن هناك مطالب محورية للعاملات الفلاحيات اللاتي يغذين الشعب التونسي على غرار الرعاية الصحية وأيضاً النقل الآمن للفلاحات في ظل وجود قانون لا يطبق ونطالب باستبداله بقانون يضمن جميع الحقوق".
من جانبها قالت الناشطة نائلة الزغلامي "باعتباري جزء من الحراك الاجتماعي وجزء من المجتمع المدني أساند العاملات المسحوقات اللواتي يعشن بأعماق البلاد ويقدمن لنا الخضراوات المروية بدمائهن".
وأضافت "أشكر جمعية أصوات نساء التي تبنت المؤتمر رغم أن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ورابطة حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعية عملوا على هذا الموضوع وأرادوا أن تكون هناك نقابات في الجهات وفي كل مناسبة يتم منحهن الفرصة للتعبير عن معاناتهن لأنهن الأجدر على ذلك".
كما أطلق الحراك عريضة وطنية من أجل الاعتراف بمهنة "عاملة فلاحية" جاء فيها "نحن النساء المنخرطات بحراك أصوات عاملات الفلاحة والمشاركات في المؤتمر الثاني للعاملات في القطاع الفلاحي المنعقد بقصر المؤتمرات بتونس والرامي إلى تنظيم نضال نسوي قاعدي تقوده العاملات بأنفسهن دفاعاً عن حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية من أجل إيصال صوت عاملات الفلاحة إلى عموم التونسيين والتونسيات".
وأضافت العريضة "في ظل تواصل وقوع الحوادث القاتلة وتعاظم ظروف العمل المزرية فإننا نترحم على أرواح شهيدات شاحنات الموت وعلى أرواح العاملات المكافحات اللاتي أفنين عمرهن من أجل توفير قوتهن اليومي ومد جميع أفراد الشعب التونسي بالغذاء، ومع استمرار تدهور ظروف العمل التي لا يتوفر فيها النقل الآمن ولا المعدات الوقائية اللازمة وتغيب عنها التغطية الاجتماعية، وفي حين تتزايد الانتهاكات التي تطال العاملات في القطاع الفلاحي فإن كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة حبراً على ورق في قطاع تشكل النساء فيه أكثر من 80% من مجموع العاملين به حيث تجاوز عددهن الــ500 ألف عاملة، فإننا نطالب بالاعتراف القانوني بصفة عاملة الفلاحة، إلى جانب ضمان وسائل نقل آمنة وبعيدة عن الاستغلال وحوادث الطرقات، وضمان أجر عادل ولائق وضمان التغطية الاجتماعية والصحية الشاملتين، والاعتراف بحق العاملات في التنظيم الذاتي والمشاركة في الحوار الاجتماعي وصنع القرار".
إن هذا المؤتمر الثاني، الذي شكل مناسبة لإسماع صوت عاملات الفلاحة ووضع معاناتهن في صلب النقاش العمومي بعد أن ظللن لعقود في الهامش، يعلن عن إطلاق العريضة الوطنية للاعتراف بمهنة عاملة في القطاع الفلاحي، والتي جمعت 2000 إمضاء من العاملات من مختلف مناطق تونس، كما يعلن أن العاملات الفلاحيات سيواصلن التحرك والتعبئة القاعدية في الجهات، وعن خوض كافة أشكال النضال من أجل الحصول على مطالبهن بما فيها تنظيم إضراب عام وطني لعاملات الفلاحة إذا لم يتم التجاوب مع هذه المطالب.