في اليوم العالمي لحقوق الطفل… هل يحق لأطفال ليبيا الاحتفال؟

مقال بقلم الصحفية الليبية منى توكا

هناك أيام عالمية تُخلق للاحتفال، وأخرى تُخلق للتذكير، وثالثة تُخلق كي تُحرجنا أمام أنفسنا. واليوم العالمي لحقوق الطفل في ليبيا ينتمي إلى الفئة الثالثة؛ يومٌ لا يسمح لنا برفع الشعارات بقدر ما يجبرنا على مواجهة سؤال قاسٍ: أيّ حق بقي من حقوق الطفل الليبي ما زال قائماً بالفعل، لا على الورق؟

الطفولة هنا ليست مرحلة زمنية، بل معركة صامتة يخوضها الصغار وحدهم. طفولة تتساقط بين ظلال الدول لا بين أحضانها، حين تتعثر الدولة أول ما يسقط منها هو الطفل.

طفلٌ لم يطلب أن يولد داخل جغرافيا ممزقة، ولم يختر أن يكون شاهداً مبكراً على انهيار المنظومات التي يُفترض أن تحميه: الأسرة، المدرسة، الشارع، والقانون.

ليبيا اليوم لا تواجه أزمة طفل، بل أزمة وطن جعل الطفل مرآته الأكثر صدقاً. ولأن الأطفال لا يجيدون التجميل… فإن صورتنا في انعكاسهم موجعة.

 

العنف ليس حدثاً… بل بيئة

ما يجري ليس سلسلة وقائع متفرقة، بل مناخ كامل يتشكل من الانقسام السياسي، الفقر المدقع، الاستقطاب الاجتماعي، الفراغ الأمني، وانهيار الثقة داخل الأسرة. في هذا المناخ يصبح العنف لغةً مفهومة، ويصبح الطفل هدفاً سهلاً. وتصبح البيوت التي وُجدت لتحمي أول أماكن الانتهاك. حين تُقتل الطفولة داخل البيت، يصبح كل شيء آخر تفصيلاً صغيراً.

 

النزاع المسلح… حين يُدفع الطفل إلى منطقة لا يعود منها

تجنيد الأطفال، الاستغلال المباشر وغير المباشر، إشراكهم في صراعات لا يفهمون أسبابها… كل ذلك ليس مجرد انتهاكات، بل شكل من أشكال محو المستقبل.

فالطفل الذي يُسلب من طفولته في لحظة حرب، لن يجد سلامه في لحظة سلام. الحرب ليست ما يُطلق من السلاح، بل ما يتركه السلاح في الداخل.

 

النزوح… الرحيل الذي لا يفهمه الكبار، فكيف يفهمه الصغار؟

عشرات الآلاف من الأطفال في ليبيا يجرّون حقائب لا تشبه حقائب المدارس، بل تشبه خيمة متنقلة للذاكرة المثقوبة. النزوح ليس انتقالاً من مكان إلى آخر؛ النزوح انتقال من يقين إلى غياب يقين. ومن منزل إلى فراغ. ومن أمان هشّ… إلى هشاشة بلا أمان.

 

الأثر النفسي… ندوب لا تُرى لكنها تحكم حياة كاملة

الطفل الذي ينام على خوف، ويستيقظ على صوت نزاع، ويشهد توتر الأسرة يومياً، يحمل داخله بذرة قلق تمتد إلى مراهقته وشبابه وعلاقاته ومهنته وصورته عن ذاته. إنه فقدان طويل المدى لا تعالجه المسكنات… بل رؤية وطنية كاملة. المجتمع الذي يسمح بانكسار الطفل، يوقّع عقداً طويل الأجل مع الفوضى.

 

لماذا يجب أن يكون هذا اليوم محرجاً لا احتفاليًا؟

لأن ليبيا اليوم ليست بحاجة إلى يوم لترفع شعارات عن حقوق الأطفال، بل بحاجة إلى اعتراف شجاع بأن الطفولة أصبحت أكثر الفئات عرضة للدفن تحت ركام الأزمات. ولأن السؤال الحقيقي ليس بماذا نحتفل؟ بل ماذا بقي لنحتفل به أصلاً؟

 

الحماية ليست توصيات… بل قرار وجودي

لحماية الطفل الليبي، لا يكفي تحديث القوانين، بل يجب أن يخرج القانون من الورق إلى الممارسة. ولا يكفي التوعية، بل يجب أن تُفهم الطفولة بوصفها أولوية أمن قومي، لا ملفاً اجتماعياً.

ولا يكفي الدعم النفسي، بل يجب أن يُعاد بناء البيئة التي تكسر الطفل قبل أن نعيد تأهيله. إن حماية الطفل ليست مهمة مؤسسات فقط، بل مهمة مجتمع يقرر أن الطفولة خط أحمر لا يمكن المساس به مهما كانت الأزمات، ومهما كان الانقسام.

 

في اليوم العالمي لحقوق الطفل… رسالة ليبيا إلى ذاتها

إذا أردنا مستقبلاً، فعلينا أن نحمي من سيصنعونه. وإذا أردنا بلداً يتعافى، فعلينا أن نبدأ من الذين لا صوت لهم. فالطفل ليس جزءاً من المجتمع… بل هو المجتمع بعد عشر سنوات. هو مستقبل الحرب… أو مستقبل السلام. وما نتركه للطفولة، سيعود إلينا مضاعفاً.