أزمات متعددة في الشرق الأوسط سببتها الحداثة الرأسمالية

في ظل الحداثة الرأسمالية وفي يومنا الراهن تعيش الشعوب، وبشكل خاص في الشرق الأوسط، قمة أزماتها السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والأخلاقية، وما يمكننا تسميته بحالات الإبادة والصهر، لكثرة ما تمارسه هذه الأنظمة من مجازر بحق الانسانية.

بهار زارافا (كوباني)

تعاني شعوب الشرق الأوسط شتى أشكال الصعوبات الحياتية كالهجرات القسرية من ويلات الحروب الجالية معها الجهل، البطالة، الجوع، الشتات وكل أشكال هدر كرامة الإنسان والحرمان المادي والمعنوي في ظل الحرب واللجوء، والتي تدفع فاتورة هذه الحروب هي المرأة لفقدانها كل مقومات الحياة الحرة الكريمة والاستقرار.

فجغرافية الشرق الأوسط عندما نبحث في تاريخها القديم نراها بأنها كانت مهداً للحضارات البشرية على مر العصور ولآلاف السنين والتي شهدت عصر وتطورات المجتمع النيوليثي بطليعة وقيادة المرأة الالهة المتمثلة بالثورة القروية، الثورة الزراعية، الثقافية وقادت المجتمع على أساس أخلاقي وسياسي وكانت هذه المرأة بارعة في تنظيم المجتمع على قدم العدالة والمساواة والحرية، ومع بداية نشوء وظهور النظام الهرمي ذو الذهنية الذكورية الأبوية وإنشائه العائلة البطريركية نراه وقد حول هذه المرأة المقدسة الحكيمة والمبدعة إلى ساحرة ومشعوذة وعاهرة ومن قاومت جبروته تم قتلها وإحراقها فباستبعاده للمرأة حول المجتمع إلى مجتمع من العبيد لخدمة مطامعه السلطوية والمادية محولاً حياة المجتمعات إلى جحيم لا يطاق في ظل حروب الهيمنة.

فاليوم تستمر هذه الأنظمة التي طورت أساليبها الدكتاتورية الهمجية والبربرية وممارساتها في العنف ضد المرأة وبالرغم من إنشائها للعديد من حركاتها النسوية لاسترجاع والحفاظ على حقوقها المسلوبة ورغم ذلك نراها تتعرض كل يوم للقتل، الاهانة والاغتصاب، أو نعتها بكل الصفات المنقصة من قيمتها وقدراتها وجعلها شرفاً للرجل عليه حمايتها وعورة يجب أن يسترها أو ناقصة عقل يجب أن تحمى تحت ظل هذه الأنظمة المتسترة بالدين.

فبالرغم من مقاوماتها التاريخية عبر تنظيماتها الخاصة في شتى بقاع العالم وبالرغم من ظهور العديد من الأنظمة التي ادعت الديمقراطية والحرية، إلا أنها لم تستطع حمايتها من أن تستخدم كسلعة ومصدراً مدراً للأرباح أو جعلها مادة جنسية للتجارة المربحة في أسواق الدعارة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكحرب خاصة تمارسها هذه الأنظمة للإيقاع بالشعوب المقاومة لأجل بلوغ حريتها والقضاء على شبيبتها الثورية وبذلك عمقت معاناتها وجذرت عبوديتها وجعلت من مشاكلها عقدة كالداء.

فاليوم وبفضل فكر وفلسفة القائد التي أعادت كل شيء إلى أصالته وحقيقته وأعطى القيمة والأهمية المناسبة لكل شيء، كما أعاد وأعطى المرأة مكانتها المناسبة والصحيحة، ففي ظل مشروع الأمة الديمقراطية تستمر المرأة في مقاومتها وثورتها لأجل الحرية، مسطرة الملاحم البطولية والتاريخية على كافة الأصعدة، سياسياً، دبلوماسياً اقتصادياً، عسكرياً، إدارياً وتنظيمياً، بعد أن تعرفت على تاريخها المشرف وأهمية دورها في تطور المجتمعات وسياسات الهيمنة عليها وعلى المجتمعات الثائرة لجعلها بلا حول ولا قوة، فنهلت من رحيق فكر وفلسفة الحرية من القائد عبد الله أوجلان فباتت مثالاً يحتذى بها ضد العنف الذكوري، وهزت عروش الطغاة بعلمها وثقافتها، بمقاييسها ومبادئها، بجرأتها وجسارتها.

قاومت العديد من النساء الثائرات كالمناضلة نازلية كجل التي لاتزال مفقودة في سجون حكومة دمشق، وشيرين المهوري وغيرهن، فاشية وديكتاتورية نظام إيران الملالي في سجونهم لم يستسلموا وخوفاً من مقاومتهن أخذ بحقهن  قرار الإعدام، وخاصة بعد مقتل الشابة جينا أميني في شرق كردستان، قامت النساء تحت شعار (Jin jîyan azadî) بانتفاضة تاريخية ضد الظلم والعنف الذكوري وانتشر صداها بين نساء أغلب دول العالم وهزت بذلك عروش الطغاة، فالمستوى الذي وصلت إليه المرأة من وعي ومعرفة وأخذ دورها وتأدية مهامها في كل الاماكن وعلى كافة الأصعدة بات كابوساً على هؤلاء الرجال فنرى ونسمع كل يوم مقتل العشرات أو دفعهن للانتحار نتيجة الأزمات التي سببتها حروب الهيمنة والمصالح في الشرق الأوسط وفي مقدمتهم الدولة التركية التي ملأت السجون من النساء المناضلات لأجل الديمقراطية كالطليعيات فيغن يوكسكداغ، وليلى كوفن والعشرات من أمثالهن وفي إيران أيضاً نرى اعتقال المئات وزجهن في غياهب السجون لطمس هوية المرأة وكسر إرادتها ووصلت فاشيتهم لدرجة افقدتهم الضمير الانساني ورفضهم مجرد تقديم العلاج للمرضى المعتقلات والأكثر وحشية إصدار قرار الإعدام بحق المعتقلات السياسيات ومن ضمنهم الناشطة وريشة مرادي، بالرغم من كل تلك الممارسات اللاإنسانية المرأة مستمرة في مقاومتها التاريخية بقناعة تامة أن لا حل جذري لمشاكلها ولا خلاص للشعب من العبودية، ولا حرية بدون مقاومة وبدون تضحيات، فطريق الحل لكل مشكلها ومشاكل الشعوب تكمن في فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان ومشروع الأمة الديمقراطية المستند على الإدارة الذاتية وحرية المرأة، وأخوة الشعوب وضمن مجتمع طبيعي أخلاقي وسياسي وعلمي تسوده العدالة والمساواة.

وهذا إن تم فسيتم بجهود المرأة الواعية لحقوقها وواجباتها والثائرة والمناضلة والمؤمنة بمقولة القائد عبدالله اوجلان بالمرأة الحرة سنبني المجتمع الحر والمجتمع الحر يعني الأمة الديمقراطية وبهذا فقط سنضمن حماية المرأة من القتل المباشر والغير مباشر وسنضمن المستقبل الآمن والحياة الانسانية الكريمة للنساء خاصة ولشعوبنا في الشرق الأوسط عامة.

في عهد الحداثة الرأسمالية تم إعادة لمفاهيم وممارسات العصر العبودي عندما كانت المرأة تباع في أسواق النخاسة وتستخدم كجارية بلا أي حق سوى حقها في خدمة أسيادها الالهة وحاشيتهم من الرهبان فرأينا في عام 2014 كيف كان يتم خطف وبيع الإيزيديات من قبل داعش في عاصمتهم المزعومة الرقة وغيرها من المدن وجعلوها كأي شيء يورث، ولا زال مصير العديد من الإيزيديات مجهولاً، بالإضافة إلى المجازر الجماعية التي قام بها في سنوات سيطرتهم على مناطق من سوريا والعراق فخيم السواد والظلام على سكان المنطقة عامة والمرأة خاصة ولاتزال المرأة تعاني حتى اليوم من تأثيرات التخريب الذي قام به داعش من نشر فكره المتطرف ومفاهيمه التي حطت من قيمة ودور المرأة الفعال والأساسي في التطور الحضاري للشعوب وعلى كافة الأصعدة، ثقافياً واجتماعياً، وسياسياً......الخ.

بالإضافة لما تعانيه الشعوب في المناطق المحتلة من قبل الدولة التركية ومرتزقتها الارهابيين في عفرين وسري كانيه وكري سبي التي يتم فيها ممارسات لاإنسانية من خطف واغتصاب وقتل يندى لها الجبين من قبل الدولة التركية الداعمة والراعية الأساسي مادياً ومعنوياً لـ داعش وما تسمى بـ "هيئة تحرير الشام" أمام أنظار العالم دون أي موقف رادع لأي حركة أو دولة تدعي الديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان فتعتبر هذه الممارسات وصمة عار على جبين الانسانية.