إيران على حافة الانهيار البيئي... شح المياه يهدد الحياة
في الآونة الأخيرة تتناقص موارد المياه في إيران بسرعة، وتواجه محافظة قزوين واحدة من أشد أزمات المياه في تاريخها، نتيجة العجز البنيوي والسياسات التدميرية للجمهورية الإسلامية على مدى العقود الأربعة الماضية.

مركز الأخبار ـ لم تعد أزمة المياه بمثابة تحذير أو تهديد مستقبلي، بل أصبح الآن واقعاً مريراً ومؤلماً في كافة أنحاء إيران خاصة في محافظة قزوين، كل ذلك أمام صمت وسائل الإعلام الرسمية في مواجهة هذه الكارثة البيئية.
بحسب أحدث الإحصائيات التي أعلنها الرئيس التنفيذي لشركة المياه والصرف الصحي في محافظة قزوين، فإن 16 مدينة و202 قرية في هذه المحافظة تواجه ضغطًا مائياً مباشراً، وتعد المدن الكبرى مثل المحمدية، ومهرجان، وقزوين، وتاكستان، آوج، من بين المناطق التي واجهت مشاكل خطيرة في توفير مياه الشرب.
وقال المدير التنفيذي لشركة المياه والصرف الصحي في محافظة قزوين، إن مدن المحمدية ومهرجان، وقزوين، وتاكستان، آوج، هي من بين المناطق التي تواجه مشاكل في إمدادات المياه يعاني بعضها من كثافة سكانية عالية، وصعوبات في توفير مياه الشرب، ولكن في كثير من الحالات تكون المياه اللازمة للأغراض الصحية والزراعية محدودة لا تتوفر في بعض المناطق إلا لبضع ساعات يومياً، وتعتمد بعض القرى على صهاريج المياه المتنقلة منذ أسابيع.
وتمثل هذه الإحصائية جانباً واحداً فقط من الانهيار التدريجي لهيكل إدارة الموارد المائية في إيران، فأزمة المياه لم تنشأ بسبب نقص الأمطار أو تغير المناخ بل جاءت نتيجة العجز البنيوي والسياسات التدميرية للجمهورية الإسلامية على مدى العقود الأربعة الماضية.
الإدارة غير الفعالة
ويعتقد العديد من خبراء المياه أن الوضع الحالي هو نتيجة مباشرة لسوء الإدارة والتهور المفرط من جانب، والسياسات غير المستدامة وغير المبدئية التي تتبعها السلطات الإيرانية مثل بناء السدود بشكل غير مخطط وغير احترافي مما أدى إلى تعطيل الدورة الطبيعية للأنهار، ونقل المياه بين الأحواض المائية دون إجراء تقييمات بيئية، كل ذلك كانت من أهم العوامل التي تسبب باختلال التوازن البيئي في مناطق مختلفة وتجاهل التام لتنمية الزراعة المستدامة وتوسيع زراعة المحاصيل عالية الاستهلاك في المناطق القاحلة.
إن نقص الاستثمار في تقنيات إدارة المياه الحديثة مثل إعادة التدوير والري بالتنقيط ومحطات المعالجة المتقدمة، والفساد الهيكلي، والمركزية السياسية، إلى جانب إنكار الأزمة من قبل المسؤولين الحكوميين ووسائل الإعلام، كل هذا دفع إيران إلى حافة الانهيار البيئي.
وفي الوقت التي اتجهت فيه بلدان المنطقة الصحراوية وجيران إيران نحو الإدارة المستدامة لموارد المياه، وإعادة التدوير، وإصلاح أنماط الاستهلاك، وحماية موارد المياه الجوفية، فإن السلطات الإيرانية لا تزال منخرطة في اتخاذ قرارات متسرعة ومتبجحة وغير علمية.
الدور المسبب للأزمات للزراعة التقليدية
إن القطاع الزراعي في محافظة قزوين، والذي كان من الممكن أن يكون عاملاً في الحد من الأزمة باستخدام التقنيات الحديثة، أصبح الآن أحد العوامل الرئيسية في تصاعد الضغط المائي، وتشير عمليات الري بالغمر وزراعة المحاصيل عالية الاستهلاك في المناطق الجافة وانعدام التدريب للمزارعين إلى افتقار الحكومة إلى التخطيط لتحديث الزراعة، وبدلاً من ذلك يواجه المزارعون نقصاً في المياه وتُترك الأراضي بوراً وتتزايد الهجرة القسرية للقرويين.
أزمة المياه
إن أزمة المياه ليست فريدة من نوعها في محافظة قزوين، بل أصبحت أكثر من 300 مدينة إيرانية الآن على قائمة أزمة المياه، ففي خوزستان يصرخ الأهالي من العطش، وفي زابل تهب الرياح لمدة 120 يوماً على الأراضي الجافة ولا يملك المزارعون سوى ذاكرة المياه، في أصفهان أصبح نهر زاينده فراشاً للموت، ومستنقع غافكوني بدء بأخذ أنفاسه الأخيرة، وفي أرومية وهمدان ابتلعت الآبار غير القانونية الموارد الجوفية وانفتحت الحفر الجوفية، بحيرة أرومية التي كانت مليئة بالمياه أصبحت الآن صحراء مما يعرض النظام البيئي في المنطقة للخطر.
النساء والأطفال ضحايا صامتون للجفاف
وفي المناطق الريفية، النساء والأطفال من أكثر المتضررين من هذه الأزمة، يسيرون لساعات طويلة لجلب المياه من الينابيع البعيدة، ويذهب الأطفال إلى المدرسة دون مياه نظيفة أو يعانون من أمراض الجهاز الهضمي، إن كارثة إنسانية تتشكل دون أن تتحمل أي حكومة مسؤوليتها.
صمت وسائل الإعلام وانعدام الشفافية
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو غياب الشفافية في المعلومات العامة وصمت وسائل الإعلام الرسمية في مواجهة هذه الكارثة البيئية، في حين أن حياة الملايين من الناس معرضة للخطر، لا يوجد صوت احتجاج من جانب السلطات ولم يتم تقديم خطة جادة للتعامل مع الأزمة، وتهتم وسائل الإعلام المملوكة للحكومة بالرقابة وتشويه سمعة المديرين غير الأكفاء أكثر من اهتمامها بتغطية الحقائق.
أزمة المياه هي صورة طبق الأصل من انهيار النظام
إن ما يحدث اليوم في قزوين وأجزاء أخرى من إيران ليس مجرد أزمة بيئية، بل هو رمز لإفلاس النظام الذي يحكم إيران، غير كفء وغير ديمقراطي وغير فعال على كافة المستويات، بدءاً من إدارة الموارد الطبيعية وحتى تأمين سبل عيش الناس.
إذا لم يتم تنفيذ إصلاحات أساسية وعلمية وتشاركية، وإذا لم يكن الشعب والخبراء ومنظمات المجتمع المدني حاضرين في صنع القرار، لذلك لن يكون مستقبل قزوين فحسب بل مستقبل إيران بأكملها جافاً، ولن تكون الهجرة الريفية واسعة النطاق، والانهيار الزراعي والأزمات الصحية والاجتماعية، وحتى الصراعات المحلية على موارد المياه بعيدة المنال، وكل هذا يعود إلى العجز البنيوي وعدم المسؤولية الذي يتجذر في المجتمع الإيراني منذ سنوات.