اعتقال القائد أوجلان في واحدة من أعقد العمليات الاستخباراتية

رغم العزلة والتآمر الدولي الذي استهدف القائد أوجلان، برز كصوت فكري وسياسي تجاوز الحدود، مؤثراً في مسار القضية الكردية ومصير الشرق الأوسط، وأفكاره ومبادراته للحل الديمقراطي والسلام تحولت إلى فرصة تاريخية لتغيير موازين المنطقة.

ساريا دنيز

مركز الأخبار ـ في حديثه عن المؤامرة الدولية التي استهدفته في 9 تشرين الأول/أكتوبر 1998، قال القائد عبد الله أوجلان "كان لا بد أن أكون صادقاً، لم يكن بإمكاني أن أضع إنقاذ نفسي كأولوية"، واصفاً هذه المؤامرة بأنها "عملية غلاديو"، في إشارة إلى طبيعتها الاستخباراتية المعقدة.

تاريخ 15 شباط/فبراير 1999 تحول إلى نقطة مفصلية في مسار القضية الكردية، إلا أن ملامح المؤامرة الدولية بدأت تتشكل في خريف عام 1998، حين انطلقت أولى خطواتها في 9 تشرين الأول/أكتوبر، وهو التاريخ الذي يُعد بداية رسمية للمخطط الذي استهدف القائد عبد الله أوجلان.

قبل هذا التاريخ بنحو شهر، وتحديداً في 16 أيلول/سبتمبر، أدلى قائد القوات البرية التركية آنذاك، الفريق أول أتيلا أتيش، بتصريح من الحدود السورية طالب فيه بإخراج القائد أوجلان من سوريا، ما شكّل أول ضغط علني على الحكومة السورية، التي بدأت تتعرض لحملة دولية مكثفة.

عقب هذا التصعيد، دُعي زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني "KDP" مسعود بارزاني إلى أنقرة بمشاركة الولايات المتحدة وبريطانيا، ثم تلاه لقاء مع زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني ""YNK، وفي واشنطن جرى توقيع اتفاق ثلاثي بين الحزبين الكرديين والولايات المتحدة، مما كشف عن انخراط قوى إقليمية ودولية في تنفيذ المؤامرة، وتوسيع دائرة المشاركين فيها.

 

تصعيد سياسي يُنذر بعواقب إقليمية محتملة

وفي إطار تنفيذ المؤامرة الدولية، اتخذت تركيا خطوات حاسمة في نهاية أيلول/سبتمبر 1998، حيث جاء أول تحرك رسمي في 30 من الشهر ذاته عقب اجتماع مجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس التركي آنذاك سليمان دميريل، وفي افتتاح البرلمان في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، أطلق سليمان دميريل تهديداً مباشراً بالتدخل العسكري ضد سوريا.

وبعد يومين أُجري تدريب عسكري واسع في مدينة لواء إسكندرون بمشاركة آلاف الجنود الأمريكيين، بالتزامن مع نشر إسرائيل لقواتها في مرتفعات الجولان، من جهتها قامت تركيا بنشر وحداتها العسكرية على طول الحدود السورية، من ولاية هاتاي وصولاً إلى قضاء جزيرة في شرناخ.

على الصعيد الدبلوماسي، مارست الولايات المتحدة ومصر والسعودية ضغوطاً متزايدة على الحكومة السورية عبر سلسلة من اللقاءات والاتصالات، جميع هذه التحركات جاءت ضمن إطار تحضيرات عسكرية ودبلوماسية ممنهجة، عكست استعداداً فعلياً لشن عملية ضد سوريا في سياق المؤامرة الأوسع.

 

رحلة القرار من الشرق إلى الغرب

عقب تصاعد التهديدات الموجهة إلى سوريا، طلبت الحكومة السورية من القائد عبد الله أوجلان مغادرة البلاد، ما اضطره في 9 تشرين الأول/أكتوبر 1998 إلى الخروج من دمشق متوجهاً إلى أثينا، إلا أن الدعوة التي تلقاها من وزير النقل اليوناني السابق والنائب في حزب باسوك كوستاس بادوفاس لم تُنفذ، حيث لم يلتزم الأخير بوعده.

عند وصوله إلى أثينا، استُقبل القائد أوجلان من قبل الضابط سافاس كالينتيريديس والمسؤول الاستخباراتي رفيع المستوى خارالامبوس ستافراكاكيس، وطُلب منه مغادرة البلاد، وفي اليوم نفسه، نُقل إلى العاصمة الروسية موسكو، حيث أقام هناك لمدة 33 يوماً، في محطة جديدة من مسار المؤامرة الدولية التي كانت تُحاك ضده.

 

"مؤامرة صُممت بحيث لا تترك أي فرصة للنجاة أو الإفلات منها"

وروى القائد عبد الله أوجلان تفاصيل تلك المرحلة الحرجة لاحقاً، مشيراً إلى حجم الضغوط الدولية التي واجهها، حيث قال في 10 تشرين الأول/أكتوبر "لقد نُشرت الصواريخ من البحر الأبيض المتوسط حتى الحدود السورية، وتمركز عشرة آلاف جندي في زاخو، بينما شنّ خونة الحزب الديمقراطي الكردستاني هجوماً في منطقة غاري، هذه الإجراءات موثقة بالكامل".

وأضافت "أما على الصعيد الدولي، أُدرج اسمي في النشرة الحمراء للإنتربول، وأينما توجهت كان من المفترض أن يتم اعتقالي، فإلى أين يمكن أن أذهب؟ للهروب من هذا الحصار، لا خيار سوى الذهاب إلى الفضاء أو إلى القمر، إنها مؤامرة من نوع لا يمنح أي فرصة للنجاة"، بهذه الكلمات عبّر القائد أوجلان عن طبيعة المؤامرة الدولية التي وصفها بأنها مُحكمة الإغلاق، متعددة الأطراف، ومصممة لمنع أي مخرج أو ملاذ، في محاولة لعزله تماماً عن أي دعم أو حماية.

 

رفض الاعتراف بقرار الدوما الروسي

أعلن رئيس الوزراء التركي آنذاك، مسعود يلماز، أن جهاز استخبارات تابع لدولة حليفة قد زودهم بمعلومات تؤكد وجود عبد الله أوجلان في روسيا، على إثر ذلك تقدم القائد أوجلان بطلب لجوء إلى مجلس الدوما، الغرفة السفلى في البرلمان الروسي، الذي وافق على الطلب في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1998.

لكن هذا القرار قوبل برفض سياسي، إذ صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك جيمس روبين، بأنه لا ينبغي لأي جهة منحه حق اللجوء، وبالاستناد إلى هذا التصريح، تجاهل رئيس الوزراء الروسي آنذاك، يفغيني بريماكوف، قرار الدوما وطالب القائد أوجلان بمغادرة روسيا خلال تسعة أيام.

ووصف القائد عبد الله أوجلان الموقف الروسي بأنه "تصرف غير شريف"، مشيراً إلى أن إخراجه من موسكو جاء مقابل مشروع "التيار الأزرق" وصفقة قرض بقيمة عشرة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، بعد مغادرته أثينا، روى القائد أوجلان تفاصيل رحلة استمرت 66 يوماً في روما "موقف رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك، ماسيمو داليما، اتسم بالصدق لكنه افتقر إلى الحسم، إذ لم يمنحني ضماناً سياسياً واضحاً، وترك مصيري بيد القضاء، ما أثار استيائي ودفعني إلى اتخاذ قرار بالمغادرة في أول فرصة".

وأضاف "رغم تصريح ماسيمو داليما الأخير الذي أشار فيه إلى إمكانية بقائي في إيطاليا بالقدر الذي أرغب به، إلا أنني اعتبرت ذلك موقفاً قسرياً، في تلك الفترة، ظهرت مبادرة عربية مشتركة، حيث طُرح عليّ خيار الانتقال إلى وجهة غير معلنة، لكنني رفضت بسبب غياب الطابع الرسمي والضمانات".

وتابع "عدت إلى روسيا للمرة الثانية، وكانت هذه الخطوة خطأً، أرجعها إلى الثقة الزائدة في نعمان أوشار، الذي كان غير واضح، ولو أنني كنت أعرف حقيقته، لما غادرت روما، وخروجي من أراضي الناتو بطائرة خاصة تابعة لماسيمو لداليما، بمثابة الانتقال من تحت المطر إلى البرد القارس".

وأكد القائد أوجلان أنه "في روسيا، أقنعني جهاز الاستخبارات الداخلية بأن وجهتي ستكون أرمينيا، لكن في المطار أُبلغتُ بأن هذا الخيار قد أُلغي، يبدو أن السيناريو كان معداً مسبقاً، وعُرض عليّ الذهاب إلى طاجيكستان لمدة أسبوع ريثما يُبحث عن بديل، نُقلت بطائرة شحن إلى العاصمة دوشنبه، حيث بقيت في غرفة مغلقة دون خروج طوال الأسبوع".

وأضاف "بعد ذلك، عدّتُ إلى موسكو، واضطررت مجدداً إلى التواصل مع أصدقائي اليونانيين، وبعد يومين من التنقل وسط برد موسكو القارس، توجهت مرة أخرى إلى أثينا، في حلقة جديدة من رحلة معقدة فرضتها المؤامرة الدولية".

 

خارج دائرة القبول الدولي

استمرت الضغوط الدولية لمنع قبول القائد عبد الله أوجلان في أي دولة أوروبية، حتى وصلت إلى أروقة مجلس أوروبا، ما دفعه إلى وصف تلك المرحلة بأنه "أُعلن كشخص غير مرغوب فيه في أوروبا".

في 30 كانون الثاني/يناير 1999، أرسل وزير الخارجية اليوناني آنذاك، تيودوروس بانغالوس، رسالة تفيد برغبته في لقاء القائد أوجلان، إلا أن الأخير وجد نفسه مجدداً أمام عناصر الاستخبارات اليونانية، خارالامبوس ستافراكاكيس وسافاس كالينتيريديس، وهو ما اعتبره "فخاً" تعرض خلاله للتهديد.

وبموجب ترتيبات حكومية، نُقل في 31 كانون الثاني/يناير بطائرة خاصة إلى العاصمة البيلاروسية مينسك، وفي اليوم ذاته، صدر قرار سري في سويسرا يقضي بمنع جميع المطارات الدولية في أوروبا من السماح بهبوط أي طائرة يكون القائد أوجلان على متنها، وتم إعلان حالة تأهب قصوى لهذا الغرض.

وبسبب عدم وصول الطائرة الهولندية التي كانت مقررة لنقله، رفض مغادرة الطائرة اليونانية، وعلى الرغم من المحاولات المكثفة لإقناعه بالنزول، بقي داخل الطائرة، مما اضطرها للعودة إلى أثينا في الساعة الرابعة صباحاً من يوم 1 شباط/فبراير من ذات العام، وبسبب الرقابة المشددة من قوات الناتو، لم يُسمح للطائرة بالهبوط في أي مطار آخر حتى لأغراض التزود بالوقود، ما زاد من تعقيد الموقف وأظهر حجم الحصار الدولي المفروض عليه، وفي اليوم التالي، نُقل القائد أوجلان، الذي بات مرفوضاً في جميع الدول الأوروبية، من اليونان إلى العاصمة الكينية نيروبي.

وعند وصوله إلى كينيا، استقبله جورجوس كوستولاس، الذي قال له "أنا رئيس الوحدة التي كانت تبحث عنك في الناتو منذ عشرين عاماً، كنا نبحث عنك في السماء، فوجدناك على الأرض"، هذا التصريح عكس حجم الملاحقة الدولية التي كانت تُدار ضده، وأكد أن تحركاته كانت تحت رقابة استخباراتية دقيقة منذ سنوات طويلة.

خلال وجود القائد عبد الله أوجلان في كينيا، أُودع في مبنى السفارة اليونانية، حيث استمرت التحضيرات لعملية اعتقاله ونقله إلى تركيا، ومع تصاعد المفاوضات، تم الاتفاق على تسليمه، وبدأت تركيا استعداداتها، إذ أُخلي سجن إمرالي شبه المفتوح وسُلّم إلى هيئة الأركان العامة.

وفي 15 شباط/فبراير، وبينما كانت السلطات الكينية تطلب مغادرته البلاد، وافق القائد أوجلان على الخروج من السفارة بشرط التوجه إلى هولندا، إلا أنه وبعملية استخباراتية دولية مشتركة، تم اعتقاله في مطار نيروبي ونُقل سراً إلى تركيا، في واحدة من أكثر العمليات الأمنية تعقيداً في ذلك السياق الدولي المتوتر.

منذ نقله إلى جزيرة إمرالي في 15 شباط/فبراير، عقب المؤامرة الدولية التي بدأت في 9 تشرين الأول/أكتوبر، يخوض القائد أوجلان مقاومة مستمرة امتدت لسنوات، فقد شكّلت إمرالي ليس فقط مكاناً للاعتقال، بل فضاءً فكرياً طوّر فيه نموذجاً فلسفياً جديداً، يُعرف بـ "الباراديغما"، الذي يقدّم رؤى عميقة لحل الأزمات التي تسببت بها الحداثة الرأسمالية.

هذا النموذج الفكري لم يقتصر تأثيره على الداخل الكردي، بل لاقى قبولاً واسعاً لدى الشعوب المدافعة عن الحرية حول العالم، وأصبح مصدر إلهام لحركات اجتماعية تسعى إلى العدالة والديمقراطية، وفي هذا السياق، تستمر الحملة العالمية من أجل نيل الحرية الجسدية للقائد عبد الله أوجلان، باعتبارها جزءاً من نضال شامل ضد الظلم والاستبداد، وبُعداً أساسياً في مسيرة التحرر الكوني.

 

المؤامرة كانت خطوة محورية في تنفيذ المخطط

منذ اللحظة الأولى، اعتبر القائد عبد الله أوجلان أن المؤامرة الدولية التي استهدفته كانت بمثابة "الخطوة المفصلية في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير"، وفي تحليله لتلك المرحلة، شبّه العملية التي أفضت إلى تسليمه لتركيا ببداية حرب عالمية ثالثة، قائلاً إن رئيس الوزراء التركي آنذاك بولنت أجاويد لم يكن يدرك سبب تسليمه، تماماً كما أشعل اغتيال ولي عهد النمسا فتيل الحرب العالمية الأولى.

ولفهم ما جرى بعد العملية، شدد القائد أوجلان على ضرورة التعمق في الأحداث التي سبقتها ورافقتها، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عقد اجتماعين مطولين مع الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد، أحدهما في دمشق والآخر في سويسرا، استغرقا أكثر من أربع ساعات، بهدف مناقشة مسألة إخراجه من سوريا، وقد أدرك حافظ الأسد خلال تلك اللقاءات أهمية موقع القائد أوجلان، وفضّل تمديد وجوده في سوريا دون أن يطلب مغادرته، معتبراً إياه عنصراً موازناً في مواجهة تركيا.

والقائد أوجلان من جهته حاول دفع سوريا لاتخاذ موقف استراتيجي، لكنه لم يكن يمتلك القوة الكافية لتحقيق ذلك، وأشار إلى أن وجوده في إيران ربما كان سيفتح الباب لتحالف استراتيجي، لكنه لم يكن يثق بطبيعة المواقف الإيرانية التقليدية.

كما أوضح أن كلينتون، إلى جانب قادة كرد العراق المرتبطين به، لم يكونوا يرون في وجوده بسوريا ما يخدم مصالحهم، خاصة مع خروج القضية الكردية عن نطاق سيطرتهم، وأكد أن إسرائيل كانت منزعجة للغاية من تطورات الوضع في كردستان، معتبرةً أن فقدان السيطرة على الكرد يُشكل تهديداً مباشراً لمصالحها، لا سيما فيما يتعلق بخططها في العراق.

وفي ختام تحليله، أشار القائد أوجلان إلى أن القوى الدولية كانت تضغط بشدة لإخراجه من المعادلة، وإنهاء مسار الهوية الكردية المستقلة وخط الحرية الذي كان يمثله.

 

تجاوز صوته الحدود الجغرافية وامتد صداه

منذ اللحظة الأولى لوقوع المؤامرة الدولية، تمثّل هدفها الأساسي في إثارة النزاعات بين الشعوب، بما يتيح للقوى الإمبريالية إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مصالحها الخاصة، وقد أثبتت التطورات التي شهدتها المنطقة على مدار السنوات صحة هذا التقييم، إذ لا تزال أبعاد المؤامرة مستمرة حتى اليوم، في ظل حرب عالمية غير معلنة تُدار على مختلف الجبهات.

في هذا السياق، يواصل القائد عبد الله أوجلان، من داخل جزيرة إمرالي، مقاومة فكرية وسياسية عميقة، واضعاً أسساً لحل القضية الكردية عبر نموذج تحليلي شامل، وقد قدّم رؤى استراتيجية لإفشال المؤامرة، وفتح أبواب الحوار والمفاوضات، ساعياً إلى ترسيخ الديمقراطية كمدخل أساسي للاستقرار.

ورغم ظروف العزل التي فُرضت عليه نتيجة تلك المؤامرة، فإن صوت القائد أوجلان تجاوز الجدران، وامتد صداه إلى مختلف أنحاء العالم، ليحظى بتأييد واسع من قبل الشعوب المدافعة عن الحرية.

عقب نقله إلى جزيرة إمرالي، قدّم القائد عبد الله أوجلان قراءة سياسية معمّقة لطبيعة المؤامرة الدولية التي استهدفته، مؤكداً أن التطورات في كردستان كانت ذات أهمية استراتيجية بالغة، وأن تحييده كان مطلباً ملحاً تفرضه الظروف الدولية آنذاك.

وأوضح أن "تحييدي كان يتماشى مع السياسات العالمية السائدة، حيث أن المطالبة بحرية كردستان وحصول الكرد على هويتهم كان يتطلب تجاوز المصالح الليبرالية اليومية، والبراغماتية، والأنانية، كما كان يستوجب مواجهة نمط الحياة الذي تفرضه الحداثة الرأسمالية، سواء من اليمين أو اليسار".

وأضاف "في المقابل، كانت تلك المرحلة تشهد تصاعداً في حرب الهيمنة التي تقودها الليبرالية العالمية، وظهور الفاشية الليبرالية كقوة مهيمنة على مستوى العالم، وعلى الصعيد السياسي، كان الشرق الأوسط يشكل مركزاً للصراع على النفوذ، وكانت كردستان في قلب هذا الصراع، تلعب دوراً حاسماً في الحسابات الجيوسياسية".

وأشار إلى أن "الموقع الأيديولوجي والسياسي لحزب العمال الكردستاني كان في تناقض صارخ مع تلك الحسابات، ما جعل تحييده ضرورة لتمهيد الطريق أمام تنفيذ المخططات الإقليمية والدولية".

 

لم تُحقق المؤامرة غايتها المنشودة

أجرى القائد عبد الله أوجلان خلال لقاءاته مع فريق الدفاع القانوني تقييمات متكررة حول المؤامرة الدولية التي استهدفته، مؤكداً أن إيصال هذه المؤامرة إلى مرحلة التنفيذ لم يكن حدثاً عابراً، بل خطوة استراتيجية لها أهمية خاصة بالنسبة لتركيا "لست سجين تركيا، بل سجين المؤامرة"، واصفاً ما تعرض له بأنه "مؤامرة القرن الحادي والعشرين".

وعلى مدار 27 عاماً، أثبتت الأحداث صحة تحليلاته، إلا أن المؤامرة لم تحقق أهدافها، فقد ظن القائمون عليها أن فرض عزلة مشددة عليه سيوقف تطوره الفكري والسياسي، وكانوا يتوقعون أن يؤدي ذلك إلى تصفية حركة التحرر الكردستانية، لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً، إذ تعمّقت وحدة الشعب الكردي، وتوسعت جذورها، مما أدى إلى إفشال تلك المخططات.

ورغم الهجمات والمؤامرات وظروف العزل القاسية، لم يتراجع القائد عبد الله أوجلان عن نضاله من أجل تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط والعالم، واليوم من خلال دعوته إلى السلام وبناء مجتمع ديمقراطي، انتقل نضاله إلى مرحلة أكثر قوة وتأثيراً، وتُعد جهوده في تطوير حل ديمقراطي وسلمي للقضية الكردية فرصة تاريخية ليس فقط لتركيا، بل للمنطقة بأسرها، في ظل الحاجة الملحة إلى الاستقرار والعدالة.