أسيد على وجه الأمل... جريمة في جوانرو تهز ضمير المجتمع

في أيام تآكلت فيها أعصاب الناس من الحروب والغلاء، جاءت واقعة الأسيد في جوانرو لتحرق ليس فقط وجه امرأة، بل ما تبقى من شعورها بالأمان والأمل.

سوما كرمي

جوانرو ـ شهدت مدينة جوانرو واحدة من أفظع حالات العنف الأسري، مهري عبد القادري، كانت عالقة بين التهديدات ومساعي الصلح، فقدت رؤية إحدى عينيها وهدوء حياتها بعدما ألقى زوجها الأسيد على وجهها، كما أُصيب ابنها ذو الثماني سنوات، الذي حاول حماية والدته، بحروق خطيرة في يديه.

 

عنف متأصل خلف قناع التقليد

في مدينة تختبئ فيها الوحشية خلف ستار "الصلح"، استُهدفت مهري عبد القادري، امرأة تبلغ من العمر ٢٥ عاماً، بهدف سلب إرادتها وكسر شخصيتها، وهي واحدة من ضحايا جريمة لا تغيب عن الإحصائيات؛ إذ أن أكثر من ٧٠% من ضحايا الأسيد هن نساء متزوجات، نصفهن على يد الأزواج أو الأقارب، وغالباً ما تكون الأسباب الطلاق، رفض الزواج، أو علاقات خارج الأطر التقليدية.

 

الأسيد أداة لحرق المستقبل

الأسيد ليس فقط أداة للانتقام، بل وسيلة لإحراق الحياة نفسها، وفي ظل صمت نابع من الخوف، اهتز المجتمع مرة أخرى، فلم يكن الهجوم على مهري عبد القادري وحدها، بل على مستقبل النساء اللواتي لا يشعرن بالأمان حتى في بيوتهن.

فرغم مظهره العصري، فإن الأسيد يرمز لعنف ذكوري عميق، كسلاح لمحو كيان النساء من المجتمع، لإخفائهن ومعاقبتهن على خياراتهن، في الوقت الذي يستمر فيه العنف ضد المرأة، يبدو أن اهتمام السلطات منصب أكثر على السيطرة الأيديولوجية والاجتماعية بدل حماية الأرواح، فالنساء يُوجهن إلى "الصلح" بدل الملاذ، وإلى "التحمل" بدل العدالة.

 

"مهري حذّرت مراراً"

روت سايه مرادي، جارة سابقة للعائلة، أن مهري عبد القادري طالما تحدثت عن تهديدات زوجها، بما في ذلك التهديد باستخدام الأسيد، لكنها تراجعت عن قرار الانفصال خوفاً من نظرة المجتمع وغياب الحماية، لذلك لجأت في فترة معينة إلى منزل والدها في قرية ياري واتخذت قرار الطلاق، لكنها عادت تحت ضغط عائلتها وقلقها على طفلها.

في يوم الحادث، بعد مشادة بينهما، ألقى زوجها الأسيد على وجهها وجسدها، نُقلت إلى المستشفى مصابة بجروح بالغة، وفقدت إحدى عينيها، فيما أُدخل ابنها المستشفى أيضاً بسبب حروق تسببها بها الأسيد الذي طال جسده وهو يحاول حماية والدته.

 

جفاء المجتمع سبب استمرار للعنف

وجهت سايه مرادي انتقاداً لتعامل المحيطين مع الحادثة، إذ قالت "بدلاً من التعاطف، ألقى البعض اللوم على الضحية، وبدلاً من إدانة عنف الزوج، حمّلوا المرأة المسؤولية، بينما لا ينبغي لأي خلاف أن يبرر ارتكاب الجريمة".

وأكدت أن ضحية العنف لها الحق في الحياة، وعلى المجتمع والقانون أن يقفا بجانبها، لا أن يكونا متفرجين على آلامها.

 

"لماذا الأسيد بهذه السهولة في المتناول؟"

بدورها، عبرت ماريا. ك، امرأة من جوانرو، عن الصدمة النفسية التي خلفها حادث الأسيد على مهري عبد القادري وسكان المدينة، متسائلةً "من أين يُجلب الأسيد؟ ولماذا يتوفر بهذه السهولة رغم خطورته؟"

تابعت بنبرة حازمة "الأسيد مادة صناعية، لا أداة انتقام، بيعه بشكل حر يعني تجاهلاً متعمداً لأرواح البشر، كل من يبيع الأسيد بلا مسؤولية هو شريك مباشر في الجريمة".

وطالبت بفرض رقابة فورية على بيع وتوزيع الأسيد "اليوم كانت مهري عبد القادري وطفلها ضحيتين، وغداً قد يكون الدور على شخص آخر، إذا لم يتم إيقاف هذا المسار، فإن الكوارث ستتكرر".

 

المسؤولية المجتمعية تجاه هجمات الأسيد

وأكدت ماريا. ك أن على المواطنين أن يتحملوا المسؤولية "المعرفة والصمت يعنيان التواطؤ مع الجريمة، يجب التعرف على البائعين والإبلاغ عنهم؛ إنها مسؤولية إنسانية"، مشيرةً إلى تقاعس المؤسسات "هل كاميرات المدينة موجودة فقط لمراقبة حركة المرور؟ لماذا لا تُستخدم لتحديد هوية المجرمين؟ لماذا لا يوجد تحرك قضائي حتى الآن؟"

وأعربت عن استيائها من بطء معالجة قضية مهري عبد القادري الرجل الذي رش الأسيد على امرأة وطفلها لم يُعاقب حتى الآن، وهذا يعني أن الضحية تُترك بلا إنصاف حتى بعد الحرق، لذلك يمكننا القول إن مهري عبد القادري ليست ضحية زوجها، بل ضحية لصمتنا ولنظام يدفع المرأة إلى التحمل، إذا لم نقف معها اليوم، فقد نصبح غداً جزءاً من هذه الدائرة".