أصغر الكاتبات وأكبر الرسائل... المعرض الدولي للكتاب في المغرب يواصل فعالياته
تتواصل في العاصمة الرباط فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي يحتفي هذا العام بتنوع الإبداع المغربي، من خلال مشاركات لافتة تجمع بين أقلام ناشئة وتجارب أكاديمية رصينة، إلى جانب مبادرات فنية ومسرحية موجهة للأطفال.

حنان حارت
المغرب ـ برزت مشاركة الطفلة آية حمدون، ذات الأحد عشر عاماً، كمثال حي على تمكين الأصوات الناشئة وتشجيع الإبداع في سن مبكرة. تتابع دراستها في المستوى الخامس الابتدائي بمؤسسة الإرشاد في طنجة، ووقعت أول مجموعة قصصية لها بعنوان "آيريس وطفلة الشمس"، وسط حفاوة كبيرة من الزوار والمهتمين.
عن تجربتها، تقول آية حمدون إن "الفكرة التي جعلتني أكتب هذه المجموعة القصصية، هي رؤيتي للأطفال الذين يحاربون الحياة من أجل تحقيق أحلامهم، ويصارعونها بقوة وأمل. رسالتي أن يثق الأطفال بأنفسهم ويؤمنوا بأحلامهم رغم الصعاب".
وأضافت أن المعرض يمثل لها محطة مهمة لتعزيز حب القراءة لدى الأطفال، وأن مجموعتها تحتوي على رسائل تحفيزية تفيد الكبار والصغار معاً، وقد سبق لها أن نالت جوائز وطنية في القصة القصيرة والقراءة، وشاركت بقراءات أدبية في قناة مصرية، مما جعل منها نموذجاً حياً لما يمكن أن تحققه الطفولة حين تُمنح فسحة للتعبير.
وبينت "أتيت لأعرض مجموعتي وأشجع الأطفال والكبار على القراءة، لأنها مفتاح الحياة، هذه القصص تشجعهم على القراءة، وتحمل في طياتها أشياء مفيدة يمكن أن يستلهموها في حياتهم".
بية حمدوش... باحثة تؤرخ لذاكرة الأسر المغربية
في زاوية أخرى من المعرض، كانت الأستاذة الجامعية والباحثة بية حمدوش تقدم إصدارها الجديد "تاريخ بريشي وجدة على العهدين الحسني والعزيزي ـ مقاربة وثائقية لتراث نخبة شريفة في القرن التاسع عشر".
ويعد هذا العمل مساهمة نوعية في توثيق تاريخ الأسر المغربية ودورها في التحولات المجتمعية والثقافية، انطلاقاً من أرشيف غني بوثائق نادرة، عثرت عليها الباحثة في الخزانة الحسنية.
وأوضحت بية حمدوش أن "هذا الكتاب هو محاولة لتوثيق تاريخ أسرة مغربية في مدينة وجدة خلال القرن التاسع عشر، لولا توفر الوثائق التاريخية التي وجدتها في الخزانة الحسنية، لما كان لهذا العمل أن يرى النور".
وتابعت "ما يهمني ليس من قام بالبحث، رجلاً كان أم امرأة، بل أهمية المرحلة التاريخية والجهد العلمي المبذول لتوثيقها، هذا الكتاب يهدف إلى إعادة الاعتبار لذاكرة الأسر المغربية وأدوارها في تاريخ البلاد".
وأكدت أن انشغالها بالتوثيق الأسري ينبع من إيمانها بأهمية هذه المقاربات في استعادة أصوات مغيبة من التاريخ الرسمي، معتبرة أن البحث العلمي لا يُقاس بجنس من ينجزه، بل بالمنهج والعمق.
عابرو القصص... المسرح بوابة نحو الخيال
في جناح الطفل، خطفت الأنظار فرقة "عابري القصص ـ Trotacuentos"، وهي فرقة مسرحية مغربية تعنى بتحويل الأدب الكلاسيكي الإسباني إلى عروض موجهة للأطفال، بلغة سلسة وبأسلوب محفز على التفكير.
بدورها تقول خديجة بن موسى، عضو الفرقة "نسعى لتبسيط مضامين كتب ذات قيمة أدبية وتاريخية، ونقربها من الطفل المغربي، عبر عروض مسرحية تنسج جسوراً بين المتعة والمعرفة، نحن لا نقدم فقط عرضاً فنياً، بل نحاول إثارة فضول الطفل لقراءة النص الأصلي".
وقالت إن العروض تعتمد على أسلوب تفاعلي، حيث يدمج الأطفال في مجريات القصة من خلال أسئلة، وحوارات قصيرة، وحتى حركات مسرحية، ما يجعل التجربة محفزة للخيال وممتعة في الوقت نفسه.
وأضافت "من خلال هذه العروض، نفتح أمام الأطفال أبواباً نحو ثقافات أخرى، ونشجعهم على القراءة، والاستماع وتقدير قيمة الكتاب، لا باعتباره واجباً مدرسياً، بل كنزاً من المتعة والمعرفة".
وتشكل تجربة الفرقة مبادرة مبدعة في تنمية خيال الطفل وإثارة فضوله نحو الأدب والقراءة، بما يعزز حضور الثقافة المسرحية داخل فضاء الطفولة.
يواصل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، الذي يمتد إلى غاية 27 نيسان/أبريل الجاري، تأكيد مكانته كفضاء يحتفي بالكلمة، وكمختبر حي يجمع بين الطفولة والبحث العلمي بين التراث والمسرح وبين التوثيق والإبداع ليبرز غنى وتنوع المشهد الثقافي المغربي.