أقدم وسيلة للنظام الأبوي للإبادة الجنسية: استهداف النساء الرائدات

إن الشعارات التي طورتها النساء في كافة أنحاء العالم تحدد وتظهر طابع المعارضة الاجتماعية في القرن الـ ٢١، كما أن الحكومات الفاشية تقوم باستهداف النساء اللواتي تقدن هذا النضال.

أكاديمية علم المرأة (جنولوجيا)

إن جرائم الاغتيال السياسي طبقت كوسيلة للترهيب من قبل السلطة الأبوية من الماضي وإلى الحاضر، وقد تم تكثيف عمليات القتل هذه في السنوات الأخيرة من قبل الدولة التركية الفاشية ضد حركة حرية المرأة الكردستانية، وخلال هذه الفترة كانت الحكومات الفاشية تقوم باستهداف القياديات بشكل خاص، إن هذه الهجمات التي تستهدف ديناميكية ثورة قرن الـ ٢١ تنبع من خوفهم من نظامها، ولكن خوفهم هذا ليس مبرراً لأفعالهم.

إن اليوم، العمليات التي حققتها النساء وشعاراتها في جميع أنحاء العالم تُظهر وتحدد طبيعة المعارضة الاجتماعية في قرن الـ ٢١، فمن النساء اللواتي أشعلن النار بالمحاكم في المكسيك، وإلى النساء اللواتي تنشدن أغاني الثورة في السودان، وفي أمريكا اللاتينية نساء تلوحن بأيديهن في مؤسسات الدولة القائمة على النظام الأبوي وتحتجن من خلال الرقصات، والإضرابات النسائية في الأرجنتين تصل إلى الملايين، والنساء اللواتي حاصرن مبنى البرلمان في بولندا، وحتى الانتفاضات النسائية التي حدثت في لبنان والعراق والجزائر وتونس، باختصار في جميع أنحاء العالم يمكن تفسيرها على أنها إشارة إلى دخول طريق لا عودة فيه.

 

شعار "Jin jiyan azadî" هو لون ثورات القرن الحالي

في أيلول/سبتمبر 2022 قُتلت جينا أميني وهي امرأة كردية من مدينة سقز في شرق كردستان، بعد تعرضها للتعذيب من قبل شرطة الأخلاق الإيرانية بذريعة عدم ارتداء الحجاب الإلزامي بشكل صحيح، الشعار المنتشر في جميع أنحاء إيران الذي يدخل شهره الخامس "Jin jiyan azadî" يحدد لون الثورات التي ستحدث في القرن الحالي.

بينما تنتشر انتفاضات النساء على النظام الأبوي في كل مكان، تستمر الاعتداءات من قبل السلطات الأبوية عليهن بشكل مجازر فردية وجماعية، من ناحية بلغ قتل النساء على يد الرجال أبعاداً مثل الإبادة الجماعية في جميع أنحاء العالم، ومن ناحية أخرى يتم استهداف وقتل النساء اللواتي تقمن بدور القيادة في النضالات الاجتماعية وتنسجن ثورة ومقاومة المرأة في وجه النظام.

كما أن ارتكابهم الإبادة الجنسية ضد المرأة هي محاولة لخلق الخوف من خلال قتل القياديات بارتكاب "جرائم قتل نموذجية"، كما هو معروف ففي الأشهر الأخيرة من عام ٢٠٢٢، قُتلت إحدى رائدات النضال من أجل حرية المرأة ناكيهان أكارسال بمدينة السليمانية في إقليم كردستان، كما قُتلت عضوة منظومة المرأة الكردستانية أفين كوي في العاصمة الفرنسية باريس، وفي الشهر الأول من عام ٢٠٢٣ قُتلت عضو البرلمان الأفغاني مرسل نبي زاده في العاصمة كابول من قبل طالبان، وعلى الرغم من اختلاف أسماء المدن والأنظمة، إلا أن هناك أيديولوجية مشتركة خلف الاغتيالات المخططة والمنهجية للنساء القياديات، وفي هذا الإطار فإن الحرب الأيديولوجية التي تشنها الحكومات ضد نضالات تحرر المرأة، تحتاج إلى تحليل دقيق ومفصل.

 

الهجوم الأول على ثقافة الأم هو مقتل تيامات

يمكن التعامل مع سياسات اليوم المعادية للمرأة وهجمات النظام الأبوي بطرق متعددة، إنه شكل من أشكال الهجوم الذي لم نكن غرباء عنه عبر التاريخ، تاريخياً ربما يكون الموضوع الذي يمكن اعتباره الهجوم الأول على ثقافة الأم هو مقتل تيامات والذي حدث في الأساطير، يمكننا تفسير الحرب بين مردوخ وتيامات في ملحمة "إنوما إليش" التي دونت في القرن الـ ٢١ قبل الميلاد على أنها حالة ترمز لحرب ذهنية هائلة، لقد طور خطاباً أيديولوجياً رهيباً ضد تيامات من أجل الحصول على اليد العليا في بابل، تيامات هي ممثلة للثقافة الأمومية وهذا الخطاب الأيديولوجي يقوم على تحالف الرجل ضد المرأة وفي نفس الوقت توحيد السلطة، في الملحمة تكون تيامات ساحرة رهيبة ويجب تقطيع أوصالها من بعضها، يتم تطوير تحالف بين الرجال والنساء، وتكليف مردوخ بهذه المهمة، ويعقد مردوخ بدوره صفقة تنص على أنه سيقتل تيامات في مقابل أن يصبح أعظم إله، وبحسب الرواية قام مردوخ بقتل تيامات بإصابتها بثلاثة سهام، السهم الأول يصيب به رأسها، والسهم الثاني يصيب به قلبها، والسهم الثالث يصيب به أعضاءها التناسلية، في الأساطير يرمز الرأس إلى العقلية وقوة الفكر، والقلب الذكاء التحليلي والموازنة بين العاطفة والضمير والأخلاق، ويمثل العضو التناسلي أيضاً إبداع وإنتاجية المرأة، ثلاثة سهام أطلقت على تيامات ترمز إلى هجوم يتم فيه تعريف المرأة على أنها كائن يجب تدميره واستهدافه أيديولوجياً.

إن هذه المرحلة التي نسميها المرحلة التي تطورت خلالها أول انقطاع جنسي في التاريخ، وهي المرحلة الأولى التي يمكننا التحديد والتأكيد من خلالها إن "قتل النساء هو سياسي"، لأن الكراهية ضد المرأة مسجلة في التاريخ وهكذا بدأت جرائم القتل بحق المرأة، وبعد ذلك تم قتل النساء اللواتي قاومن النظام الأبوي بشكل فردي، وأحياناً على شكل "مطاردة الساحرات"، فبمجرد إلقاء نظرة على بعض الاغتيالات في القرن الماضي من تاريخ هذه الحرب الطويلة ضد المرأة يمكن أن يعطي فكرة عن شدة الحرب بين أولئك الذين يناضلون من أجل حرية المرأة وبين السلطة الأبوية.

 

استهدفت الدول القياديات لتدمير المجتمعات

يهدف نظام الدولة الأبوي في المقام الأول إلى القضاء على قياديات ذلك المجتمع من أجل تدمير المجتمعات، في العديد من النضالات من أجل الحرية في التاريخ، تم استخدام جرائم القتل السياسي كوسيلة لا غنى عنها للحكومات، وفي هذا الإطار فإن كانون الثاني/يناير، شباط/فبراير، الأشهر التي تم فيها قتل قياديات الفلسفة والأيديولوجية والناشطات مثل روزا لوكسمبورغ ومينا كيشوار كمال وساكينة جانسيز، أنهن الأشهر اللوات تستحق تدقيقاً خاصاً.

روزا لوكسمبورغ من منظري الحركة الاشتراكية العالمية وكانت من إحدى الناشطات اللواتي لا يمكن نسيانهن، اعتقلت من قبل الدولة الألمانية في ١٥ كانون الثاني/يناير عام ١٩١٩، وألقيت جثتها في قناة بعد أن قتلت تحت التعذيب، كانت روزا لوكسمبورغ إحدى الناشطات الأكثر فعالية في النضال النسائي والعمالي ضد حرب الانقسام الإمبريالية الأولى، وقادت حركة سبارتاكوس ضد الفاشية الألمانية، أكدت على أن مشكلة المرأة مرتبطة بمشاكل العمال وجميع أنواع آليات القهر للفاشية، أن أعدائهم مشتركون، وأعربت عن يقينها بأن الحل كان ممكناً بتدمير الرأسمالية.

مما لا شك فيه أن باتريسيا ومينيرفا وماريا تيريزا، هن من بين الرائدات المستهدفات في القرن الماضي، واللواتي أصبحن رموزاً، إن ٢٥ تشرين الثاني/نوفمبر، اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، حيث ترفع النساء من جميع أنحاء العالم أصواتهن وتخاطبن الرأي العام العالمي بواسطة نضالهن، هو يوم مخصص لذكرى ثلاث نساء قمن بخوض معركة لا هوادة فيها وهو النضال ضد الفاشية، باتريا ومنيرفا وماريا تيريزا، المعروفات بأخوات ميرابال؛ كن تقاتلن ضد دكتاتورية رافائيل تروخيو الذي حكم جمهورية الدومينيكان من عام ١٩٣٠ حتى عام ١٩٦١، لقد شاركن في النضال ضد الفاشية بأعمالهن ومقالاتهن وحملاتهن التضامنية، ومن خلال رفع صوتهن في عام ١٩٦٠، انتشرت هذه النضالات ضد الدكتاتورية في جميع أنحاء البلاد، فتعرضت الشقيقات الثلاث للاغتصاب والقتل بعد أن أوقفهن أمن الديكتاتورية في لاكروز في ٢٥ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٦٠، كانت قد كتبت مينترفا في مقال تصف فيه المقاومة المنظمة ضد الفاشية "ربما يكون الموت هو أقرب شيء إلينا، لكن هذا لا يخيفني، سنواصل النضال من أجل كل ما هو صواب".

 

مينا كيشوار كمال إحدى معالم نضال المرأة الأفغانية

مينا كيشوار كمال هي امرأة أخرى تم استهدافها وقتلها لأنها واصلت النضال دون خوف من الموت، وهي واحدة من معالم نضال النساء المتأصل في أفغانستان، حيث يتفشى هناك القمع والظلم ضد المرأة، واضطهادها مع طالبان، قامت هي وزميلاتها معاً بتأسيس جمعية RAWA في عام ١٩٧٧، وتم تعريف الغرض من الجمعية على أنه "منح الصوت للمرأة المحرومة والضعيفة والتي تم إسكاتها"، كما قادت نضال "الاستقلال" ضد النظام العميل الذي تأسس بعد غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في عام ١٩٧٩، لم تكن مينا كمال هدفاً للغزاة والحكومة العميلة فحسب، بل كانت أيضاً هدفاً للجماعات الأصولية التي بدأت أمريكا في تغذيتها وتطويرها، قتلت مينا كيشوار كمال في ٤ شباط/فبراير عام ١٩٨٧ بحسب البعض على يد عملاء الاستخبارات السوفيتية، وبحسب آخرين على يد المخابرات الأفغانية، والبعض الآخر يقول على يد عملاء قلب الدين حكمت يار زعيم الأصوليين، واعترف أحد الذين قاموا بإطلاق النار وقاموا بقتل مينا كمال، لكنه لم يكشف عن اسم الجهة التي ينتمي إليها، احتلت مينا مكانتها في تاريخ نضال النساء كواحدة من المستهدفات واللواتي تم قتلهن من قبل الحكومة الدينية القومية.

 

التمرد على النظام الديني الرجعي

على الرغم من اختلاف قصتها عن النساء القياديات المذكورات أعلاه، يجب أن نذكر أيضاً فولان ديفي، وهي امرأة قتلت من خلال استهدافها من قبل نفس النظام، ولدت فولان ديفي لعائلة من الطبقة الدنيا في الهند، وتزوجت عندما كانت طفلة، وعانت من العنف والاعتداء الجنسي، وأصبحت من "قطاع الطرق" في سن العشرين، في البداية قتلت الرجل الذي اعتدى عليها جنسياً، وبعدها كل الرجال الذين حاولوا الاعتداء عليها جنسياً، اختارت طريقة لتتمرد على النظام الديني الرجعي وكان لها تأثير كبير بين النساء، لكن هذا التأثير قد أغضب النظام كثيراً، كانت فولان ديفي المعروفة للجميع باسم "ملكة قطاع الطرق"، تعتبر "بطلة" بالنسبة للفقراء وتعتبر "قاتلة" للأثرياء، قالت في مقابلة أجريت معها إن "حياة مثل حياتي لن تتجدد مرة أخرى، أنا فقط أريد أن يتم احترامي فأنا إنسانة"، توفيت فولان ديفي في ٢٥ حزيران/يونيو ٢٠٠١ نتيجة هجوم مسلح أمام البرلمان الهندي، وعلى الرغم من أن المهاجم قال إنه فعل ذلك "للانتقام لمقتل قريبه"، لكن لم يقم أي أحد بتصديقه، لأنه كان يتواجد هناك أكثر من شخص يطلق النار ولم يتم الكشف عن ذلك في أي وقت.

امرأة رائدة أخرى كانت هدفاً لجرائم القتل السياسي ضد النساء من جنوب إفريقيا وهي دولجي سبتمبر، كانت امرأة ثورية وعضواً في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي كان يحارب نظام الفصل العنصري، وكانت ممثلة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في فرنسا وسويسرا ولوكسمبورغ، وكانت تقوم بالتحقيقات أيضاً في صفقات الأسلحة للقوى الدولية المهيمنة مع نظام الفصل العنصري الفاشي. قتلت أمام منزلها في الدائرة ١٠ في باريس في ٢٩ آذار/مارس عام ١٩٨٨، لقد كان القاتل مرتزقاً فرنسياً، لكن التحقيقات كشفت أنه قام بقتلها بالشراكة مع المخابرات الفرنسية والجنوب أفريقية.

إن هذا الأسلوب الذي يستهدف قادة المجتمع منذ الأزل وحتى وقتنا الراهن، قامت الدولة التركية باستخدامه، ابتداءً من الربع الأخير من قرن الـ 20 تم استخدامه ضد قادة حركة حرية كردستان بشكل عام وحركة حرية المرأة الكردستانية بشكل خاص في قرن الـ 21، فمنذ عام 1990 القرن الماضي ومع زيادة القوة التنظيمية والنشاطية لحركة حرية المرأة، أصبحت الحركة هدفاً للاغتيالات السياسية، وبعد عام 2010 مع ثورة روج آفا، تحولت عيون وآذان جميع نساء العالم نحو قياديات نضال المرأة.

 

تتعهد النساء بتصعيد النضال

في 9 كانون الثاني/يناير عام 2013، قتلت ساكينة جانسيز إحدى مؤسسي حزب العمال الكردستاني، وممثلة المؤتمر الوطني الكردستاني فيدان دوغان، وعضوة حركة الشبيبة ليلى شايلمز، على يد شخص تم الكشف لاحقاً عن علاقته بالمخابرات التركية، وكان تاريخ الاغتيال لافتاً للانتباه أيضاً إذ جرت المجزرة خلال تلك الفترة التي جرت فيها محادثات بين القائد عبد الله أوجلان والدولة التركية، والتي أطلقت عليها اسم "عملية إمرالي".

كانت ساكينة جانسيز واحدة من رواد الجيل الأول الذين شكلوا أساس حركة حرية المرأة، وكانت فيدان دوغان واحدة من النساء الثوريات اللواتي ناضلن من أجل نشر وتعريف فلسفة القائد عبد الله أوجلان وحركة حرية المرأة، والتي شاركت في الدبلوماسية للعالم بأسره من أجل خلق مساحات مشتركة للنضال، وكانت ليلى شايلمز واحدة من المناضلات الثوريات في حركة الشابات التي تواجه بلدها في أوروبا، كان القتل المستهدف لثلاثة أجيال من النساء المناضلات بمثابة ضربة متعمدة لحركة حرية المرأة، لكن هذا الهدف لم يتحقق، لأنه في تشييع جثامين المناضلات الثلاث، عشرات الآلاف من النساء وعدن بتوسيع النضال مع شعار "Jin jiyan azadî".

وعندما بلغنا تاريخ 5 كانون الثاني/يناير 2016، تم استهداف ثلاثة ناشطات في حركة حرية المرأة الكردستانية، وهن سيفى دمير وباكيز ناير وفاطمة أويار، اللواتي قدن مقاومة الحكم الذاتي في سلوبي التي كانت تحت حصار الدولة، قامت ثلاث نساء ثوريات بدور نشط في التنظيم الاجتماعي تحت شعار "إذا فازت بوطان، سنكسب الحرية"، عندما يحاول الناس أن يسجنوا في منازلهم، ويقتل أولئك الذين يخرجون إلى الشوارع حتى من أجل احتياجاتهم الأساسية، باختصار عندما تم فرض الاستبداد "إما ستعيش في عزلة في المنزل أو ستقتل"، وفي هذه العملية، تم استهداف وقتل العديد من النساء الثوريات، بمن في ذلك آسيا يوكسل وعائشة كاسار (زريان آمد)، اللواتي قدن مقاومة الحكم الذاتي.

 

"نريد أن نحيا معاً في ظل نظام عادل ومنصف"

كان مقتل هفرين خلف على الطريق السريع M4 في روج آفا بشمال وشرق سوريا في الثاني عشر من تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، على يد مرتزقة الاحتلال التركي علامة على أن جرائم القتل مستمرة مع مطلقين جدد للزناد، كانت هفرين خلف الأمين العام لحزب سوريا المستقبل، واحدة من النساء اللواتي نشأن على النموذج الديمقراطي والبيئي التحرري للمرأة، وكانت واحدة من الرواد الاجتماعيين لثورة روج آفا التي تطورت باسم ثورة المرأة، تستمر ثورة روج آفا في تخويف النظام الحاكم، فهي المكان الذي يتم فيه تجسيد النضال من أجل حرية المرأة، ضد الموجة المظلمة لداعش في الشرق الأوسط، التي ينشئها النظام الأبوي ويقوم بتغذيته، ولهذا السبب قامت الذهنية نفسها التي استهدفت ثورة المرأة في روج آفا باستهداف مكان الثورة التي أعطت الأمل للعالم بأسره، وقتلت زهرة بركل وهبون خليل وأمينة ويسي في 23 حزيران/يونيو 2020 في كوباني، استمر استخدام الطائرات الحربية المسيرة التي كانت سبب هذه المجزرة، كوسيلة رئيسية لقتل العشرات من الثوريات، قتلت جيان تولهلدان، وروج خابور، وبارين بوطان في 23 تموز/يوليو 2022 في الذكرى العاشرة لثورة المرأة في روج آفا، في طريقهن إلى مدينة تربسبية بعد منتدى المرأة الذي عقد في مدينة قامشلو تحت شعار "سنقوم بتوسيع وحماية مكتسبات الثورة مع تحقيق وحدة المرأة"، قالت جيان تولهلدان في كلمتها الأخيرة في منتدى ثورة المرأة "نريد أن نعيش معاً في نظام عادل ومنصف ضد نظام السلطة الذي لا يجيد سوى القتل، أنه ليس من السهل القيام بهذا الأمر، هناك هجمات في الداخل ومن الخارج، وأن هذا الأمر له تكلفة ثمينة، في أقرب فترة مضت ودعنا الشهيدة دلار حلب في كوباني إلى مثواها الأخير، ففي النظام الأحادي إذا كسرت المرأة قيودها وأصبحت حرة، فلا يمكنها أن تصبح عبدة مرة أخرى، فكلما اقتربت النساء من حريتهن، ازدادت الهجمات على تلك النقطة، نحن لا نخاف من الموت، سنعيش أحراراً ولن نقبل العبودية".

 

كانت تعمل ناكيهان أكارسال على تنظيم النضال المشترك للمرأة

في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2022، قتلت امرأة أخرى لم تقبل العبودية، وهي ناكيهان أكارسال العضوة في أكاديمية علم المرأة، استهدفت من قبل المخابرات التركية MIT في مدينة السليمانية بإقليم كردستان، قامت الشهيدة بإنجاز أعمال بارزة في نضال حرية المرأة في إقليم كردستان روج آفا وشمال كردستان، لقد كانت تنسج النضال المشترك والموحد للنساء الأجزاء الأربعة من كردستان التي مزقتها القوى المهيمنة وفرقتها عن بعضها، وفي الوقت نفسه كانت تنظم النضال من أجل الحرية لنساء العالم من خلال كتاباتها ونشاطاتها.

في الأيام الأخيرة من عام 2022 واجهنا مرة أخرى هجوماً مخططاً له، ومرة أخرى كان عنوان الاغتيالات السياسية ضد المرأة مدينة باريس التي اشتهرت بالاغتيالات السياسية من الماضي إلى الحاضر، كان الهدف أفين كوي رائدة حركة تحرير المرأة، أفين كوي وأولئك الذين واصلوا النضال في أوروبا الفنان مير برور، والوطني عبد الرحمن كزل، حيث فقدوا حياتهم جميعاُ في تلك المجزرة التي وقعت أمام المركز الثقافي الكردي أحمد كايا في باريس العاصمة الفرنسية.

تمت محاولة ترك جميع هذه الهجمات تقريباً، وبعض الأمثلة التي ذكرناها أعلاه باعتبارها جرائم قتل مجهولة الفاعل، وبهذه الطريقة يمنعون محاكمة القتلة والمسؤولون عن المجازر، في حملة "100 سبب لمقاضاة الديكتاتور" التي أطلقتها حركة المرأة الكردية في أوروبا تم الكشف عن الجرائم التي ارتكبتها الدولة التركية ورئيسها، والاغتيالات التي أمر بها مع وجود الأدلة، ولكن المثير للاهتمام أنه على الرغم من ارتكاب الدولة التركية الفاشية للمجازر والتي قد أعلن مسؤوليته في ارتكابها لمرات عديدة، إلا أنه لم يتم إجراء أي محاكمة فعالة في مجال القانون الدولي، إن وزير الداخلية في الحكومة الفاشية لحزب العدالة والتنمية AKP وحزب الحركة القومية MHP، سليمان صويلو أعلن في الثامن من آذار/مارس 2020 مسؤوليته عن جرائم القتل بقوله "حزب العمال الكردستاني هي منظمة نسائية"، وأشار إلى أنه سيتم استهداف النساء بشكل أكبر، كما ورد في خطابه في الافتتاح في إزمير في تشرين الأول/أكتوبر 2022، "حزب العمال الكردستاني هو منظمة نسائية، وقد أسس نفسه على المرأة، هناك فلسفة يبنون وفقها"، وهنا يكون قد اعترف بالجريمة وأظهر بوضوح من يكون القاتل.

 

"القرن 21 سيكون قرن التحزب على أساس المرأة"

على غرار فلسفة القائد عبد الله أوجلان، تلفت حركة حرية المرأة الانتباه كمنظمة نموذجية تتبعها النساء عن كثب في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الشرق الأوسط، أكد القائد عبد الله أوجلان أنه "مثلما كان القرن 19 قرن الأحزاب البرجوازية والقرن 20 للأحزاب القائمة على العمل، فإن القرن 21 سيكون قرن الأحزاب القائمة على أساس المرأة" وستكون شكل البنية التحتية الأيديولوجية للحزب، وحركة حرية المرأة الكردستانية قائمة على حسب هذا التحديد، إن العصر الذي نعيش فيه يحمل إمكانية حدوث تغيير ووعي كبير وكما أن حرية المرأة أخذت في الارتفاع مرة أخرى، يعيش المهيمنون في خوف من أن جعلها القوى الرائدة التي ستنظم إمكانات هذا العصر القرن الـ 21 قرن ثورة المرأة، إليكم الجواب عن سبب استهداف الحكومات الفاشية للرائدات في هذه الفترة، فمع خوفهم هذا يتم تطوير هجمات هادفة ومنهجية ضد النساء اللواتي تتولين زمام المبادرة والريادة في نضال تحرير المرأة، ومع شعار "Jin jiyan azadî" الذي تردد في شرق كردستان وانتشر في جميع أنحاء إيران وبهذا الخوف، يستهدف النظام الإيراني بشكل خاص النساء اللواتي تقدن المجتمع النضال من أجل الحرية.

 

النساء هن رائدات المقاومة في كردستان

أن هذه المخاوف التي أعلن عنها القتلة ليست مبرراً لهم، فالنساء اللواتي حددن فلسفة الثورة بأفعالهن وشعاراتهن منذ اليوم الأول للثورة في شرق كردستان، تواصلن نسج طريق الثورة دون التراجع، وفي روج آفا وإقليم كردستان وشمال كردستان تقود النساء المقاومة، وهن الكادحات الأكثر كداً في الثورة، إن النساء اللواتي تمثلن الماضي والمستقبل ومركز المقاومة في حركة الحرية الكردستانية وحركة حرية المرأة، تحاولن تمزيق كل أقنعتهم، من الأكثر فاشية إلى الأكثر ليبرالية في الحداثة الرأسمالية، ولا زلن مستمرات في زعزعة أسس النظام الديني والنظام القومي ونظام الدولة.

إن شعار "Jin jiyan azadî" الذي يصدر مع اهتزاز صوت الخطوات، يعني تعميم فلسفة النضال من أجل الحرية من خلال الانتشار في جميع أنحاء العالم، تعني الإرادة والقوة والتنظيم لإنشاء نظام جديد، وهي ليست مقاومة فحسب، بل أيضاً الإرادة المنظمة وقوتها وفلسفتها لبناء نظام جديد.