الوحدة الوطنية ودور المرأة في دير الزور بمراحل التأسيس

لم يكن دور المرأة في دير الزور مهملاً، بل كان لها مساهمة فاعلة في تعزيز الوحدة الوطنية، ليس فقط على المستوى المحلي ولكن على مستوى المجتمع السوري ككل.

زينب خليف

تُعد الوحدة الوطنية من الأسس الراسخة التي تساهم في بناء المجتمعات المستقرة والمتقدمة، وخاصة في المناطق التي شهدت تحديات كبيرة بسبب ظروف سياسية واجتماعية معقدة وفي هذا السياق، لعبت مقاطعة دير الزور دوراً محورياً في تاريخ سوريا، حيث كان لها دور بارز في مراحل التأسيس، سواء في النضال ضد الاستعمار أو في بناء الدولة الحديثة بعد الاستقلال، ولم يكن دور المرأة في دير الزور مهملاً، بل كان لها مساهمة فاعلة في تعزيز الوحدة الوطنية، ليس فقط على المستوى المحلي ولكن على مستوى المجتمع السوري ككل.

تعد دير الزور إحدى المناطق التي مرّت بتحولات كبيرة على مدار التاريخ الحديث، فهي منطقة غنية بالتراث الثقافي والتاريخي، لكن في ذات الوقت، عانت من النزاعات السياسية والمجتمعية التي كانت تهدد استقرارها. ومع ذلك، ظل مفهوم الوحدة الوطنية جزءاً لا يتجزأ من هوية أهل دير الزور، حيث كان أبناء المدينة يعون أهمية التعاون والتآلف بين مختلف مكونات المجتمع، بما في ذلك العرب والكرد والتركمان، إضافة إلى التنوع الديني بين المسلمين والمسيحيين.

وهي مفهوم أساسي في أي مجتمع يسعى للاستقرار والتطور. إنها تتعلق بقدرة الشعب على التعايش بشكل متناغم رغم اختلافات العرق، الدين، أو الثقافة، والعمل سوياً من أجل المصلحة العامة. في السياقات التي تشهد صراعات أو أزمات، مثل تلك التي مرّت بها سوريا بشكل عام ودير الزور بشكل خاص، تصبح الوحدة الوطنية ضرورة قصوى للحفاظ على سلامة المجتمع وتماسكه في وجه التحديات الداخلية والخارجية.

في دير الزور، كانت الوحدة الوطنية محورية في قدرة المجتمع على التكيف مع الظروف الصعبة التي واجهها، سواء كانت الحروب أو التحديات الاقتصادية أو التوترات الاجتماعية. كانت هذه الوحدة تتطلب التضامن بين مختلف مكونات المجتمع، من عرب وكرد، سُنة وشيعة، مسلمين ومسيحيين، وهذه التضامنات كانت أساسية للحفاظ على السلم الأهلي.

المرأة في دير الزور لعبت دوراً مهماً في تعزيز الوحدة الوطنية منذ سنوات طويلة، خاصة في فترات الأزمات. في أوقات الحرب والاحتلال، كانت النساء تعملن كحجر الزاوية في بناء جسر من التفاهم بين مختلف شرائح المجتمع، حيث ساهمن في نشر الوعي حول أهمية التماسك الاجتماعي. في الأوقات التي كان فيها التوتر بين الطوائف والعرقيات يرتفع، كانت المرأة تحمل رسالة السلام والتعاون.

من خلال الدور الذي لعبته المرأة في الحياة الاجتماعية، استطاعت أن تكون جسراً بين مختلف المكونات الطائفية والعرقية. على سبيل المثال، في دير الزور حيث تعدد الأعراق والطوائف، كانت النساء الناشطات في المجتمع تقمن فعاليات ثقافية، اجتماعية، وفنية، تساعد في التقريب بين الناس. قامت النساء بتنظيم لقاءات تجمع بين أتباع الديانات المختلفة، وتشجع على الحوار والتفاهم بينهم، في محاولة لتجاوز الانقسامات العميقة التي قد تحدث نتيجة للتوترات السياسية أو الاجتماعية.

النساء في دير الزور كنّ حريصات على تعزيز القيم المشتركة التي تجمع بين أفراد المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم. هذه القيم كانت تتضمن الاحترام المتبادل، ثقافة التسامح، والدعوة إلى المصالحة بعد النزاعات. من خلال التعليم والأنشطة المجتمعية، قامت النساء بنقل هذه القيم إلى الأجيال الجديدة، وهو ما يساهم في بناء جيل يدرك أهمية الوحدة الوطنية والتعايش السلمي.

في أوقات النزاع، قد تنشأ فجوات بين الهويات المختلفة بسبب التوترات السياسية أو العرقية. كانت المرأة في دير الزور تلعب دوراً مهماً في تقليل هذه الفجوات، من خلال العمل على تعزيز الهوية السورية الجامعة، التي لا تقتصر على أي فئة معينة، بل تضم الجميع. كان هذا الأمر يتطلب شجاعة، إذ كانت النساء غالباً تواجهن تحديات كبيرة من مختلف الأطراف، لكنهن كنّ على قناعة بأن الوحدة الوطنية هي المفتاح للسلام الدائم.

النساء في دير الزور، خاصة في السنوات الأخيرة، بدأن في تعزيز فكرة أن المشاركة في الشأن العام، سواء من خلال الانتخابات أو في المجالس المحلية، هي جزء لا يتجزأ من بناء الوحدة الوطنية. من خلال نشر الوعي بين النساء الأخريات حول أهمية المشاركة السياسية، كان لهن دور في تحفيز أفراد المجتمع للانخراط في بناء البلاد والمساهمة في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم. كانت هذه المشاركة بمثابة تأكيد على أن الوطن لا يتقدم إلا من خلال المشاركة الفعالة والمتساوية للجميع، دون تمييز.

وخلال فترات الأزمات، كانت النساء في دير الزور يلعبن دوراً بارزاً في أعمال المصالحة عُرفت المرأة بأنها شخصية مؤثرة في تهدئة النزاعات بين العائلات أو الجماعات المختلفة. كانت هذه المصالحة تساهم في تحفيز الناس على تجاوز الخلافات العميقة التي نشأت نتيجة للنزاعات السياسية أو الاجتماعية، والعودة إلى الوحدة والعمل معاً من أجل المستقبل.

في ظل التحديات التي مرت بها دير الزور، من أزمات اقتصادية، وصراعات سياسية، بقيت المرأة هي المحرك الأساسي للسلام. دورها كان لا يقتصر فقط على المساهمة في الحفاظ على التوازن الاجتماعي، بل كان لها دور مؤثر في الدفع نحو التنمية المستدامة بعد الأزمات من خلال دورها في العمل الاجتماعي، والتعليم، والمشاركة السياسية، ساهمت المرأة في تشكيل مجتمع يستطيع الوقوف مرة أخرى على قدميه، متجاوزًا آلام الماضي، ومبنياً على أسس الوحدة الوطنية والتنمية المتكاملة.

على الرغم من التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تواجهها النساء في دير الزور، خاصة في الأوقات التي تخللتها الحروب والنزاعات، كانت النساء في المنطقة يُظهرن عزيمة قوية في تعزيز مكانتهن من خلال الانخراط في مجالات مهمة مثل التربية والتعليم. يعتبر التعليم من أبرز الأدوات التي ساعدت في تحفيز النمو الثقافي والوعي المجتمعي في المنطقة. فقد شاركت النساء في تدريس الأطفال، وتطوير المناهج التعليمية، وتنظيم ورشات العمل الثقافية، مما ساهم في رفع المستوى التعليمي للجيل الجديد. هذه الجهود كانت تؤثر بشكل إيجابي على المجتمع ككل، حيث تم تعزيز القيم الثقافية والمعرفية، فضلاً عن تعزيز التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب، وهو أمر ضروري لبناء مجتمع متقدم ومتحضر.

في أوقات الأزمات، كانت النساء في دير الزور في طليعة المساعدات الإنسانية والعمل التطوعي، وهو دور مهم للغاية في الأوقات التي تتدهور فيها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. المرأة كانت من بين أولى الفئات التي ساهمت في تنظيم حملات الإغاثة وتوزيع المساعدات الإنسانية، سواء كانت غذائية أو طبية أو حتى اجتماعية. هذا الدور التطوعي لم يكن محصوراً في تقديم المعونة فقط، بل كان يشمل أيضاً دور النساء في جمع التبرعات وتنظيم الحملات التوعوية حول الحاجة الماسة للمساعدات في ظل الظروف الاستثنائية التي كانت تعيشها المنطقة. من خلال هذا العمل، استطاعت النساء تخفيف معاناة العديد من الأسر، وتعزيز روابط التضامن الاجتماعي.

أظهرت النساء في دير الزور مرونة استثنائية خلال الأزمات التي مرّت بها المنطقة. في فترات الصراع الوطني ضد الاستعمار، كانت النساء جزءاً أساسياً في نشر الوعي الوطني والمساهمة في رفع معنويات الشعب، وذلك عبر تنظيم التظاهرات، والكتابة، والمشاركة في الحركات السياسية. حتى في ظل الصراعات الداخلية التي تلت الاستقلال.

المرأة هي حجر الزاوية في استقرار أي مجتمع، وخاصة في الأماكن التي تعيش تحديات مستمرة. دور المرأة في دير الزور، في تعزيز هذه الوحدة، كان ولا يزال محورياً من خلال عملها في المجالات الاجتماعية والتعليمية والسياسية، ساهمت المرأة في بناء شبكة من التعاون بين مختلف الطوائف والعرقيات، كما قامت بتعزيز القيم الوطنية التي تجمع الجميع هذه المساهمات لم تقتصر فقط على فترات الحروب والنزاعات، بل استمرت في بناء هوية وطنية قوية قادرة على مواجهة التحديات وبناء مستقبل مشترك.