'العقلية الذكورية والرأسمالية تعيد إنتاج أنماط جديدة من الانتهاكات'
يتفاقم العنف ضد النساء في إقليم كردستان نتيجة السياسات الذكورية والرأسمالية، حيث سجّلت التقارير بين 2024 و2025 مقتل 42 امرأة وانتحار أخريات في ظروف غامضة. الناشطات والصحفيات شددن على ضرورة تعزيز الوعي المجتمعي والشفافية الرسمية لمواجهة الانتهاكات.
هيلين أحمد
السليمانية ـ العنف ضد النساء ما زال يتصاعد في مختلف أنحاء العالم، وإقليم كردستان ليس بمنأى عن هذه الظاهرة. ففي مدن الإقليم تُسجَّل يومياً أخبار عن قتل النساء، وهو ما يعكس تفاقم العنف الموجّه ضدهن نتيجة السياسات التي تفرضها الدول المحتلة بالتعاون مع القوى الذكورية المحلية.
واقع العنف والتآمر في إقليم كردستان يجعل النساء فيه عرضةً لموجات متكررة من العنف، حتى حين تُرفع شعارات "العمل من أجل النساء" من قبل الأحزاب والقوى السياسية، فإن النتيجة غالباً ما تكون إعادة إنتاج أنماط جديدة من الانتهاكات بحقهن. كما أن ترسيخ النظام الرأسمالي ونشر ثقافة الذكورية في المدن يزيد من هشاشة حياة النساء ويضاعف من مخاطر تعرضهن للقتل والانتهاك.
وعلى الرغم من غياب الإحصاءات الرسمية الدقيقة خلال السنوات الأربع الماضية، إلا أن البيانات التي جمعتها وكالتنا تكشف عن حجم المأساة، فمنذ بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2024 وحتى منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2025، قُتلت 42 امرأة، وفقدت 19 امرأة حياتهن في ظروف غامضة، فيما تعرضت 5 نساء لمحاولات قتل، وأُجبرت امرأة واحدة على الانتحار. هذه الأرقام تعكس دائرة عنف مستمرة، حيث تتحول حياة النساء إلى ضحية مباشرة للسياسات الرسمية والواقع الاجتماعي القائم.
رغم نضالهن المتواصل تواجهن العنف
وأوضحت الناشطة النسوية شنه كريم، أن "النساء عبر التاريخ واجهن أشكالاً متعددة من العنف، سواء كان جنائياً أو اجتماعياً أو سياسياً أو دينياً، وما زالت هذه الانتهاكات مستمرة حتى اليوم. ورغم أن بعض المؤسسات أزالت العقبات التي كانت تحدّ من مشاركة النساء، إلا أنهن ظللن يواجهن تحديات كبيرة، خاصة منذ عام 2013 حين ارتكب داعش جرائم إرهابية في مناطق إقليم كردستان استهدفت الكرد وبالأخص النساء. ومع ذلك، باتت النساء اليوم أكثر حضوراً داخل المؤسسات، ويخضن نضالاً أقوى من أجل حقوقهن ومكتسباتهن".
وأضافت أن "خروج النساء إلى الفضاء العام، ومشاركتهن في العمل، وامتلاكهن استقلالاً اقتصادياً نسبياً، لم ينهِ بعد هيمنة العقلية الذكورية التي ما زالت تقيد حياتهن. ومع ذلك، فإن انخراطهن في المجتمع ومشاركتهن في المؤسسات ساعدهن على التعرف إلى جزء من حقوقهن. لكنها شددت على أن زيادة وعي النساء بحقوقهن تتطلب جهوداً أكبر وخطوات أكثر فاعلية".
وأكدت أن العنف ضد النساء داخل الأسر لم يتوقف، وأنهن ما زلن تتعرضن لانتهاكات من قبل السلطات والسياسيين، حيث يُمارس ضدهن شكل آخر من العنف تحت مسميات مختلفة. وأن استمرار هذه الانتهاكات يطال مختلف جوانب حياة النساء، إذ تُسجَّل يومياً عبر وسائل الإعلام أخبار عن قتل النساء، فيما تبقى الإحصاءات في تصاعد مستمر.
ولفتت إلى أنه يُحتفى بالثامن من آذار كيوم عالمي للمرأة، لكن المفارقة أن كل عام يشهد مقتل نساء على يد رجال بفعل العقلية الذكورية السائدة، وهو ما يكشف أن هذه العقلية والجرائم المرتبطة بها تشكل خطراً دائماً على النساء. لذلك شددت على ضرورة رفع مستوى الوعي داخل الأسر، بحيث تتمكن كل امرأة من الدفاع عن حقوقها واتخاذ قراراتها بنفسها.
وتلعب المنظمات النسائية والناشطات دوراً محورياً في نشر الوعي وتشجيع النساء على الانخراط في هذه المؤسسات، بعيداً عن العقلية الذكورية السائدة، من أجل معالجة مشكلاتهن وحماية الأسر وإيجاد حلول تعزز استقرارها، كما أوضحت.
النساء بين ضغوط الرأسمالية والعنف السياسي وغياب الشفافية
بدورها، أشارت الصحفية باريز صابر، إلى أن النظام الرأسمالي يفرض ضغوطاً قاسية على المجتمع، خاصة على النساء، حيث يترك آثاراً سلبية واضحة عليهن. وأن مشاركتهن في العملية السياسية، سواء في الحملات الانتخابية أو التصويت، غالباً ما تُعترف بها شكلياً، لكن نادراً ما تصل النساء إلى المؤسسات الحكومية أو البرلمان أو يتولين مناصب سياسية. في حين أنهن يمتلكن القدرة على تحقيق حضور فعّال في العمل السياسي والنضال، خصوصاً في القضايا المتعلقة بالنساء، إلا أن السلطات والأحزاب كثيراً ما تضع أمامهن عقبات تحول دون مشاركتهن الحقيقية.
وأضافت أن النساء، إلى جانب العنف السياسي، ما زلن يواجهن انتهاكات داخل المجتمع والمؤسسات. وفي كل عام، في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، تُنظم فعاليات لمناهضة العنف ضد المرأة تستمر 16 يوماً، وهي فرصة للتوعية بحقوق النساء والشباب.
وأكدت أن الأنشطة والمؤتمرات يمكن أن تسهم في رفع مستوى الوعي لدى النساء والشباب والأسر، لأن العنف حين يحدث لا يقتصر أثره على المرأة وحدها، بل يطال كل أفراد الأسرة. لذلك فإن توعية الأسر تُعد خطوة أساسية لمعالجة المشكلات وحماية المجتمع من دوامة العنف.
وأوضحت باريز صابر أن الإحصاءات المتعلقة بالعنف ضد النساء في إقليم كردستان لا تُنشر بشكل دقيق، إذ تُخفى الكثير من المشكلات والانتهاكات داخل الأسر ولا تصل إلى المجتمع أو وسائل الإعلام. مضيفةً أن منظمات المجتمع المدني تبذل جهوداً للحد من العنف والجرائم، لكن هذه البيانات لا تُعتمد من قبل الجهات الرسمية، مما يخلق فجوة واضحة بين الواقع وما يُعلن.
وأكدت في ختام حديثها، أن هذا التباين يجعل من الصعب على النساء والإعلاميين الاستناد إلى أرقام موثوقة في عملهم، وهو ما يعكس الحاجة إلى شفافية أكبر في التعامل مع هذه القضايا.