القضيتان الكردية والفلسطينية تتشابهان في سردية الدمار والتنكيل
أكدت المحاضرتان اللتان شاركتا في ندوة رقمية حول الحرب العالمية الثالثة ونضالات شعوب المنطقة، على أنه بالرغم من سياسات الإنكار والاقصاء والإبادة التي يتعرض لها الشعب الكردي والفلسطيني يكمن الحل في نشر مشروع الأمة الديمقراطية والتعايش السلمي المشترك,
تونس ـ عقدت منسقية الشرق الأوسط في المؤتمر النسائي العالمي "WWC"، ندوة رقمية، أمس الاثنين 30 أيلول/سبتمبر، تحت عنوان "الحرب العالمية الثالثة، ونضالات شعوب المنطقة ضد تداعياتها الكارثية، نضالات الشعبين الفلسطيني والكردي نموذجاً".
وشاركت في الندوة كل من الدكتورة عبير حصاف عضو منسقية مجلس المرأة بإقليم شمال وشرق سوريا، وهي عضو لجنة السكرتاريا في تحالف "ندى"، والمناضلة النسوية والمجتمعية والقيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مريم أبو دقة، اللتان أكدتا على أن الحرية لن تتحقق إلا بتوحيد الجهود النسوية المجتمعية في الشرق الأوسط التي من شأنها أن تساهم في تحقيق الحرية والمساواة التي تحتاجها كل الشعوب في المنطقة التي تسعى الإمبريالية للسيطرة عليها ونهب ثرواتها.
وشددت مريم أبو دقة على أن النضال في الشرق الأوسط لطرد المحتل وتحرير الشعوب، يتطلب وقفة حقيقية وتكاثف لمختلف الجهود، لاعتبار أن المقاومة هي الحل الوحيد لاسترجاع الأوطان ومناهضة المشروع الإمبريالي الذي يستهدف المنطقة ككل والشعوب المستضعفة.
ولفتت إلى أن الوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتطلب التنسيق بين المنظمات المناهضة للرأسمالية الغربية، معتبرةً أن القضية الفلسطينية والكردية تتشابهان في سرديتهما وهدفهما السامي في تحرير الأرض وتحقيق الحرية.
وأشارت إلى أن ملامح سايكس بيكو الجديدة وتقسيم الشرق الأوسط بدأ من فلسطين، حيث أن الحرب الإسرائيلية على غزة فضحت حقيقة الغرب وادعاءاته الكاذبة بالتسويق لعالم حر، لافتةً إلى القمع الذي تعرض له المتظاهرين في فرنسا وألمانيا على خلفية تضامنهم مع غزة "ذلك عرّى أكذوبة الحرية حين تم قمع تظاهراتهم وزجهم في السجون".
بدورها أوضحت عبير الحصاف أن القضية الكردية هي قضية أرض وشعب، حيث أن أرض كردستان بموقعها الجيوسياسي المتوسط بين قارات أوروبا وآسيا ومعبر نحو أفريقيا، كما أن طريق الحرير جعل منها هدفاً للمطامع الغربية.
وأوضحت أن القومية الكردية وبعدد يزيد عن 50 مليوناً تقريباً، تعد من أكبر القوميات التي لم يكن لها دولة ولم تحظى بكيان سياسي يمنح أفرادها حقوقهم المدنية والسياسية، حيث بدأت معاناة الشعب الكردي في العصر الحديث في أواسط القرن السابع عشر وتحديداً منذ معاهدة قصر شيرين عام 1639، أي عقب المعارك التي دارت بين الدولتين الصفوية والعثمانية ابتداءً من معركة جالديران عام 1514، وانتهاءً بمعاهدة قصر شيرين التي نصت بتقسيم كردستان بين الدولتين.
وأضافت "مع أن هذه المرحلة تزامنت مع ظهور ملامح الدولة القومية في أوروبا باتفاقية ويستفاليا التي أبرمت عام 1648، بقي الشعب الكردي محروماً من دولته القومية وتمتعت الإمارات الكردية في ظل الدولة العثمانية بنوع من الإدارة الذاتية، ولكن ومع بدايات القرن العشرين ومع انهيار الإمبراطورية العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى شهدت كردستان تقسيمها الثاني لتضيع قضية الشعب الكردي بين أربع دول تركيا وإيران والعراق وسوريا، ليؤدي ذلك إلى هذا التشرذم والتشتت".
وأشارت إلى أن "معاهدة لوزان التي أبرمت عام 1923، نسفت أحلام الشعب الكردي وحقه في تقرير مصيره التي وردت في معاهدة سيفر، وتلاشت الوعود التي قطعها الحلفاء للمكونات القومية والأثنية في المنطقة، وعقب إعلان الجمهورية التركية الحديثة على يد كمال أتاتورك بعد حروب الاستقلال ولضمان التوازن مع تركيا الحديثة ووقوفها الى جانب الحلفاء، كوفئت تركيا بالجزء الأكبر من كردستان وتنصل أتاتورك من وعوده بإقامة تركيا ديمقراطية للكرد فيها ما للترك وللأرمن وغيرهم من سكان المنطقة".
ولفتت إلى أن عشرات الثورات أخمدت ودفعت كردستان الملايين من أبنائها في سبيل الحرية والاعتراف، وبقي المجتمع الدولي أصماً وأبكماً أمام كل هذه التضحيات والصرخات، كل ذلك كان في ظل إقامة عصبة الأمم وعقد اتفاقية جنيف الأولى في نهايات العشرينات من القرن الماضي.
ولم يحصل الشعب الكردي على أي حقوق قومية تذكر في ظل الانتدابين الفرنسي والإنكليزي في دولتي سوريا والعراق، وحتى الثورة البلشفية الاشتراكية راعية الفقراء والعمال والكادحين والتي نادت بحقوق المظلومين من الشعوب لم تنصف الشعب الكردي، كما قالت عبير الحصاف، لافتةً إلى أن الشعب الكردي في كردستان الحمراء في ناغورني غاراباخ قوبل بالنار والحديد، حيث قتل مئات الآلاف منهم وشرد الباقي بين مختلف الجمهوريات السوفياتية السابقة من كازاخستان وحتى سيبيريا وسخالين في أقصى الشرق على يد رئيس الاتحاد السوفييتي سابقاً جوزيف ستالين.
وأضافت "لم يستقر الوضع الدولي واستمرت الأحقاد بين الدول العظمى لتندلع الحرب العالمية الثانية، والتي لم تجلب سوى الدمار والمزيد من الفقر للشعوب، ولكن بالمقابل ظهرت كيانات سياسية عديدة ونالت العديد من الدول استقلالها، وتم تشكيل الأمم المتحدة وأصدرت العديد من القوانين التي تنادي بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها وتمنع استخدام العنف ضد المستضعفين وتضع معاييراً وضوابط للتعامل مع الشعوب المحتلة".
ونوهت إلى أن كل ذلك لم يغير مصير الشعب الكردي في ظل احتلاله، ولم تحل قضية هذه القومية، لا بل زاد الظلم مع ازدياد وتيرة المقاومة، فأحرقت القرى ودمرت المدن على رؤوس أصحابها وهجر ساكنوها في تركيا، وضجت سجونها بالآلاف من أبناء وبنات الكرد، وحرموا من أبسط حقوقهم الثقافية والسياسية وحتى المدنية، وتعرضوا لحملات من الإبادة العرقية والثقافية، وغيرت اسماؤهم الكردية وألغيت انسابهم وسميت مدنهم وقراهم بأسماء تركية ومنعت ثيابهم الفلكلورية وارسل أبناؤهم لمدارس داخلية بعيداً عن ذويهم منذ عمر العشر سنوات في محاولة لفصل الحاضر عن الماضي ومحو أي أثر باق للروح القومية.
وحول ما تعيشه الدول قالت "إن العالم اليوم يعيش ظروفاً أمنية قاسية بسبب جملة من الحروب والكوارث تعصف بمختلف أصقاعه وربما كان سكان الشرق الأوسط حصة الأسد منه، فأغلب الدول في المنطقة تعيش حالة حرب وفوضى عارمة تفتك بالحجر والبشر، على غرار سوريا وفلسطين والعراق وأفغانستان ليبيا والسودان، واليوم تنهش الحرب جسد لبنان ولا تزال عشرات القضايا الطائفية والمذهبية والطبقية والاقتصادية عالقة لا تجد لها حلاً وتزيد من وطأة الحروب".
ولعل القضيتين اللتين لم تجدا حل هما قضيتا الشعبين الكردي والفلسطيني وهما أكثر قضايا القرن العشرين شدة وتعقيداً ولا يمكن إحلال السلام في الشرق الأوسط دون إيجاد حل عادل لهتين القضيتين المحوريتين، اللتين أصبحتا قضيتين دوليتين وإقليميتين ومرتبطتين بالسياسات الدولية ولحلها يجب أن يتدخل المجتمع الدولي والدول العظمى المعنية برسم السياسات الدولية بشكل خاص، على حد قولها.
وشددت عبير الحصاف على أن "الدول التي قسمت كردستان وسمحت باحتلالها من قبل تركيا والعراق وسوريا هي نفسها التي منحت إسرائيل حق احتلال فلسطين وإقامة كيان لها على حساب شعوبها الأصلية"، مشيرةً إلى أنه لا يخفى على أحد العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل وتركيا ومدى التعاون بينهما والتماثل في السياسات والممارسات التي تنتهجها الدولتان على الشعوب المحتلة من قبلها "الانتهاكات التي تمارسها تركيا بحق الشعب الكردي في تركيا وإقليم شمال وشرق سوريا لا تختلف عن ممارسات إسرائيل على الشعب الفلسطيني وفي غزة بشكل خاص مؤخراً، إن دولاً مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وروسيا والصين وباعتبارها كيانات عظمى معنية بإيجاد حل لها والحد من توسع رقعة الحروب وإزهاق الأرواح".
وأكدت على أنه بالرغم من سياسات الإنكار والاقصاء والتنكيل والإبادة التي يتعرض لها الشعب الكردي والفلسطيني يكمن الحل في نشر مشروع الأمة الديمقراطية والتعايش السلمي المشترك.