القانون لا يحمي النساء... كيف يُبرّأ المتحرش ويُلام المعترض؟

تواجه النساء يومياً في كل مكان، أشكالاً متعددة من التحرش الجنسي، فيما يؤدي الصمت وضعف القوانين إلى زيادة جرأة المتحرشين، وهذا يمثل جانباً من تجارب نساء ما زلن رغم ضغط المجتمع وعجز القانون، يخضن معركة الاعتراض والدفاع عن حقوقهن.

نسيم أحمدي

كرماشان ـ في عمله الشهير "الضحية"، يصور الروائي الإيطالي كورتزيو مالابارته وجه الحرب العالمية الثانية، وكذلك الفتيات البولنديات اللواتي كن يهربن من الألمان، في مقطع مثير للقلق "الآن أصبح الصيادون يلاحقون الفريسة، كانت الأيادي أول ما يتحرك".

لقد مرّت سنوات طويلة على تأليف رواية "الضحية"، وربما لا يتصور أحد أن هناك فتيات ما زلن يخشين الأيدي، لكن هؤلاء الفتيات لسن بولنديات ولا من قلب الأحداث التاريخية، بل هنّ فتيات يعشن بيننا، ويتعرضن يومياً للمسّ دون رضا من أيدٍ يملكها رجل.

 

التحرش الجنسي بالنساء في الأماكن العامة

في مجتمع تحكمه الذكورية، يسعى الرجال، بدافع الرغبة في السيطرة وإثبات القوة، إلى لمس أجساد النساء دون موافقتهن، كوسيلة لإظهار هيمنتهم، وغالباً ما تحدث هذه الانتهاكات في الأماكن العامة أو في بيئات تفتقر فيها النساء إلى القدرة على الاعتراض.

عاطفة. ك، المقيمة في كرماشان بشرق كردستان، تروي تجربتها "تعرضت مراراً للمس مفاجئ من رجال غرباء وسط الزحام أو في الحافلة حيث كنت اضطر للوقوف لعدم توفر مقاعد شاغرة، كان الرجال خلفي يلتصقون بي فجأة بحجة اهتزاز الحافلة، في البداية كنت أفضل الصمت خوفاً من الفضيحة، كي لا يلاحظ الآخرون، لكن منذ فترة طويلة بدأت أحتج بصوت عالٍ، لأن سكوتي كان يمنح المتحرشين دافعاً أكبر للاستمرار".

 

الخوف من الفضيحة تبرير للمتحرشين

الخوف من الفضيحة والتابوهات المجتمعية جعلت المتحرشين أكثر جرأة في ممارسة التحرش الجنسي بالنساء في الشوارع وغيرها، سنوات من سيطرة الذكورية وتغلغلها في المعتقدات العامة أدت إلى أنه عندما تُلمس امرأة من قبل رجل وتحتج، يتم اتهامها بأوصاف مثل "سليطة" أو "العيب منها"، بينما يُبرّأ الرجل من فعلته، في الواقع، العامل الأساسي الذي مكّن المتحرشين من استهداف النساء في الأماكن العامة هو القوة التي تمنحها لهم المعتقدات السائدة في المجتمع.

 

ضعف القانون وتعقيد إجراءات الشكوى

وتقول رويا. ح، وهي طالبة في كلية الحقوق، أنه "هناك قوانين لمعاقبة من يتحرش بالنساء، لكن في الواقع لا يتم تطبيقها، فإذا أرادت امرأة تقديم شكوى ضد من تحرش بها، عليها الذهاب إلى مركز الشرطة، والمثير للدهشة أن أول ما يُطلب منها هو وجود شهود يؤكدون أقوالها".

وأضافت "حتى إن وُجد الشهود، تدخل المرأة في بيروقراطية طويلة، وغالباً ما تتراجع عن الشكوى في منتصف الطريق، هذه الإجراءات المعقدة هي في الحقيقة وسيلة من النظام الذكوري الحاكم لتبرئة الرجل من تهم التحرش، والأدهى أنه إذا سحبت المرأة شكواها لاحقاً، فإن المحكمة لا تفرض أي عقوبة على المتهم من الناحية العامة، مما يكشف أن القانون فعلياً يحمي المتحرشين".

 

دور الإعلام والتعليمات الداعمة للمعتدين

إلى جانب القوانين والأنظمة السائدة التي أصبحت دافعاً مشجعاً للمتحرشين، فإن التعليمات والمفاهيم التي تدعم المعتدين قد زادت من جرأتهم، فعندما تكون وسائل الإعلام تحت سيطرة الحكومة وتُظهر المرأة كمذنبة أولى من خلال خطابها، فإن ذلك يمنح الرجال المعتدين جرأة أكبر على التعدي.

 

تجارب العمل والتحرش في بيئة العمل

من جانبها تقول ليلى. س البالغة من العمر نحو ٤٣ عاماً "بسبب الضغوط المالية اضطررت للبحث عن عمل كعاملة تنظيف، حتى وجدت وظيفة كعاملة تقديم الشاي في إحدى الشركات، منذ البداية، كان عامل النظافة يحدق بي باستمرار ويفحصني بنظراته، وبعد أسبوع من العمل لاحظت أنه يتحجج بأخذ الشاي أو طبق الفاكهة كي يلمس يدي، أو يحاول الاحتكاك بجسدي بحجج مختلفة".

وأكدت أنه "بعد تكرار هذه التصرفات واعتراضي عليها، اتهمني المدير بأنني السبب في شعور عامل النظافة بالتقرب مني، وأن سلوكي هو ما جعله يظن أن لدي نية تجاهه، أما عامل النظافة، فقد برّأ نفسه بالقول إنني مثل أخته، دون أن يتعرض لأي مساءلة، بل إن المدير طردني من العمل دون نقاش".

تجربة ليلى. س تُظهر كيف أن المعتدين يستخدمون عبارات تُعتبر في المجتمع وسيلة للتطهير، لتبرئة أنفسهم من التحرش بالنساء، فهم من خلال وصف الضحية بأنها "كأختهم"، يحاولون إرباكها ووضعها في حالة من التردد والشك العميق والتساؤل (هل تعرضت فعلاً للتحرش أم أنها أساءت الفهم؟).

 

التحرش الجنسي بالأطفال واستغلال الألقاب الأسرية

وقالت الاخصائية النفسية آرزو. م، وهي من مدينة كرماشان "إن أغلب حالات التحرش الجنسي في سن الطفولة تحدث من قبل المحارم، حيث يستخدم الرجال المحيطون بالضحية كلمات مثل "ابنتي"، "أختي" وغيرها للتقرب منها".

وبيّنت أنه "قد يبدو من الصعب تصور أن التحرش الجنسي بالأطفال يحدث أحياناً وسط العائلة وبوجود أفراد آخرين، لكن في بعض الحالات، يقوم رجل متحرش بوضع طفلة على ساقيه تحت ذريعة أنها "كابنته"، ثم يتحرش بها جسدياً بحجة المداعبة، في الواقع يمكن القول إن استخدام مثل هذه الألقاب يشكل درعاً واقياً للمتحرش، يهدف إلى التستر على سلوكه وسلب الضحية أو من حولها حق الاعتراض أو الرد السلبي"، موضحةً أن "هذه الحيلة تمثل نوعاً من التظاهر بالبراءة من قبل المعتدي، لدفع الضحية نحو مصالحه ضمن غلاف من الغموض والشك".

 

تأثير الصور النمطية الاجتماعية

استناداً إلى التعاريف والتجارب المذكورة، يمكن القول إن المتحرشين الجنسيين يبدؤون أفعالهم بغض النظر عن عمر الضحية، ويستغلون جهل المجتمع مستندين إلى الصور النمطية التي يروّج لها النظام الحاكم، فعلى سبيل المثال، يقوم كثيرون بالتحرش بالنساء اللواتي يرتدين الحجاب بشكل اختياري، لأنهم يعلمون أن مسألة الحجاب قد تُستخدم كذريعة لتبرئة المتحرش من فعلته.

تقول بريا. م، التي تعرضت للتحرش من قبل سائق سيارة أجرة في كرماشان "كان الوقت حوالي الساعة العاشرة مساءً، وطلبت سيارة للعودة إلى المنزل، جلست في المقعد الخلفي ولم أكن أضع وشاحاً على رأسي، بمجرد أن ركبت، تعامل السائق معي بلطف وود، وبعد أن تجاوزنا طريقاً جانبياً خالياً، مدّ السائق يده فجأة نحو صدري محاولاً لمسي، بعد أن صرخت ونزلت من السيارة في منتصف الطريق، أخبرته أنني أملك معلوماته وسأقدم شكوى ضده، لكنه رد فوراً "إذا قدمت شكوى، سأقول إنني فقط نبهتك بشأن الحجاب، وأنت اتهمتني زوراً بالتحرش".

تُظهر تجارب النساء المذكورة أن أيدي المعتدين ليست حكراً على روايات الحرب أو القصص القديمة، بل هي كامنة يومياً في حياة نساء يعرفن أن العرف والقانون لا يمنحهن قيمة، بل يمهد الطريق للمتحرشين كي يصطادوا ضحاياهم، هؤلاء المعتدون، الذين تتحول أيديهم إلى كابوس للنساء، يتركونهن أمام خيار مرّ وهو الصمت رداً على الاعتداء.