العنف السياسي ضد نساء تونس... تضييق وتنكيل ممنهج
سلّطت عدد من المتضامنات مع الناشطات السياسيات في تونس، الضوء على تصاعد العنف السياسي ضد النساء في البلاد، حيث تواجه ناشطات وسياسيات بارزات مثل شيماء عيسى، عبير موسي، وسوار البرقاوي أحكاماً قاسية واعتقالات تعسفية بسبب مشاركتهن في الشأن العام.
تونس ـ أثارت ظروف الاعتقال الصعبة والانتهاكات الجسيمة التي تطال الناشطات السياسيات في تونس، موجة تضامن مدني وحقوقي واسعة، مع مخاوف جدية بشأن مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد.
تواجه الناشطات السياسيات في تونس أشكالاً متعددة من الاضطهاد والتنكيل والهرسلة نتيجة مشاركتهن في الحياة العامة. ورغم صدور القانون عدد 58 لسنة 2017، الذي يُعدّ متقدماً على كثير من التشريعات الأوروبية في تجريم جميع أشكال العنف ضد النساء بما في ذلك العنف السياسي، وفق إشادة الأمم المتحدة، فإن واقع الحال ما زال محفوفاً بالمخاطر. فقد باتت مشاركة النساء في المجال السياسي مقيدة بالخوف من العواقب، وكأن النشاط السياسي أصبح جريمة تُحاسب عليها المرأة.
هذا التضييق الذي تمارسه السلطة أفرز موجة تضامن واسعة من المجتمع المدني والحقوقيين، خاصة مع السجينات، رفضاً للوضع المزري والمعاملة التي وصفت بـ "الصعبة"، وهو ما يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد، حيث تُنتهك الحقوق الأساسية للمواطنين، ولا سيما النساء، بسبب آرائهن السياسية.
وفي هذا الإطار، نظمت جمعية "أصوات نساء" مساء الاثنين 24 تشرين الثاني/نوفمبر لقاءً خصص لمناقشة العنف السياسي المسلط على النساء. وخلاله، نددت الناشطات بما يتعرضن له من تضييق واستهداف بسبب مشاركتهن في الشأن العام، كما سلطن الضوء على الأعباء الثقيلة التي تتحملها عائلات السجينات السياسيات.
وأكدت الناشطة السياسية والسجينة السابقة شيماء عيسى أن المراسيم التي سُنّت مؤخراً جاءت بهدف تقييد النساء ومنعهن من التعبير والمشاركة في الشأن العام، ووصفتها بأنها "قوانين قمعية لا تسعى إلى إنارة الطريق بل إلى تكريس العتمة التي نعيشها"، مشيرةً في الوقت نفسه إلى أن الموالين للنظام يقودون حملات تشويه ممنهجة ضد الناشطات دون أي رادع.
وأوضحت أن النساء في السابق، حين ركزن على مواجهة مختلف أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي، لم يولين العنف السياسي الاهتمام الكافي، إذ كان الحديث يدور حول التنمر في الحملات الانتخابية أو الخوف من الحرمان من الزعامة الحزبية والمناصب العليا، في ظل استمرار التمييز الإيجابي وغيره. لكن مع أحداث 25 تموز/يوليو وإغلاق البرلمان، وجدت النساء أنفسهن بمختلف توجهاتهن السياسية والحزبية خلف القضبان، في استهداف مباشر لهن بغض النظر عن العمر أو الانتماء أو الصفة.
وأضافت أن "الأمر مرتبط بمن يحكم البلاد، وهو يتبنى نظرة دونية للغاية تجاه النساء، قائمة على ميزوجينية واضحة، ورغبة في التجرؤ عليهن وإقصائهن من المجال العام".
بدورها، قالت المحامية والحقوقية دليلة مصدق مبارك إن "تونس لم تشهد منذ الثورة فترة بهذه الوحشية، ولم يسبق أن بلغ عدد السجينات السياسيات هذا المستوى منذ عقود، في انتهاك صارخ للحق الدستوري في المشاركة في الشأن العام"، مشيرةً إلى "الظروف القاسية داخل السجون، حيث تتعرض المعتقلات للتنكيل والتعذيب"، مؤكدة أن ما تواجهه سنية الدهماني من هرسلة يمثل أبرز دليل على ذلك، فقط لأنها أصرت على التعامل بإنسانية مع السجينات والمطالبة بتوفير أبسط الحقوق وفق ما تفرضه القوانين والاتفاقيات الدولية.
ووصفت المرحلة الراهنة بأنها "أحلك من السواد"، حيث تُستباح إنسانية الإنسان وتُهان كرامته لمجرد أنه ناشط أو ناشطة سياسية.
وأكدت "نعيش انتكاسة خطيرة في مسار ثورة الحرية والكرامة"، معربةً عن أملها في أن تُتوّج تضحيات المعتقلين والمعتقلات والناشطين والناشطات بالعودة إلى مربع الحرية والديمقراطية، وختمت بالقول إن "الأمان القضائي مفقود اليوم، إذ لا أحد يعرف مصيره أو متى يمكن أن يُلقى القبض عليه وبأي سبب، ولا حتى مدة الحكم، رغم أنه قد لا يكون ارتكب أي جريمة".
وصرحت الحقوقية عقيلة الدريدي، محامية رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، أن موكلتها محتجزة قسرياً منذ آب/أغسطس 2023، وقد زُج بها في السجن لأسباب سياسية بحتة، باعتبارها رئيسة حزب معارض يتمتع بشعبية واسعة.
وأوضحت أن موكلتها، بصفتها مواطنة ومحامية، توجهت إلى مكتب الضبط للطعن في أمر دعوة الناخبين والقرار المتعلق بانتخابات المجالس المحلية، معتبرةً أن المسار الانتخابي غير شرعي ويشوبه العديد من الخروقات. لكن بدلاً من الاستجابة القانونية، تم اعتقالها بشكل تعسفي ونقلها إلى جهة مجهولة، ما تسبب لها في أضرار جسدية، إضافة إلى حالة من التخبط داخل هيئة الدفاع التي لم تتمكن من معرفة مكانها إلا بعد استفسارات متكررة.
وأكدت عقيلة الدريدي أن عبير موسي تقبع اليوم في السجن فقط لأنها انتقدت المسار الانتخابي ووصفته في تصريح تلفزيوني بأنه "مسار 8 فاصل"، ولأنها مارست حقها الدستوري في الطعن والاعتراض على الأوامر الترتيبية الصادرة عن الرئيس قيس سعيد، مشددة على أنه "من حق أي مواطن أن يطعن وينتقد".
وذكرت أن النيابة العامة اعتبرت الطعن الذي تقدمت به عبير موسي بمثابة تهمة "تبديل هيئة الدولة"، إلى جانب قضايا وإيداعات أخرى، من بينها شكاية رفعتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعد أن وصفت موكلتها المسار الانتخابي بغير الشرعي. مشيرة إلى أن حتى مطلب ترشحها للانتخابات الرئاسية لم يُدرج في التقرير السنوي لهيئة الانتخابات، حيث وُضع مكان اسمها اسم الأستاذ عماد القريشي كمترشح، رغم أنها هي المترشحة الفعلية. واعتبرت أن هذا الإقصاء يعكس حجم التنكيل والعنف السياسي الممنهج الذي بلغ درجة خطيرة، إذ أُبعدت عبير موسي لأنها كانت منافسة قوية وشرسة، ذات شعبية واسعة وقادرة على الفوز.
أما عن الانتهاكات التي تعرضت لها داخل السجن، فقد أشارت إلى حرمانها من رؤية بناتها بسبب التهمة الموجهة إليها والمتعلقة بـ "التآمر على أمن الدولة"، وهو ما سلبها حق اللقاء المباشر بهن. كما تدهورت حالتها الصحية نتيجة عملية الاختطاف التي رافقت اعتقالها.
وتطرقت أيضاً إلى عملية نقلها من سجن إلى آخر خارج العاصمة، الأمر الذي صعّب على هيئة الدفاع وأسرتها زيارتها، مشددةً على أن عبير موسي "بريئة"، وكل ما ارتكبته أنها اختارت المشاركة في الشأن العام كسياسية.
من جانبها، أكدت يسر البرقاوي، شقيقة السجينة سوار البرقاوي، أن شقيقتها البالغة من العمر 25 عاماً تعرضت لـ "ظلم"، إذ صدر بحقها حكم بالسجن لمدة 24 سنة، إضافة إلى ثماني قضايا أخرى لم تُبت فيها بعد. موضحةً أنها تقبع خلف القضبان بسبب نشاط سياسي ارتبط بمترشح الانتخابات الرئاسية السابقة العياشي الزمال، بعدما كانت تؤمن بأن تونس بلد الطموح، لتُصدم بواقع مأساوي قادها إلى السجن.
وأضافت أن سوار البرقاوي أُتهمت بـ "تزوير تزكيات لفائدة العياشي الزمال" على حساب المرشح الرئاسي آنذاك، الرئيس الحالي قيس سعيد، حيث حُكم على كل ورقة تزكية بثلاث سنوات، إلى جانب اتهامات أخرى.
ورغم قساوة ظروف السجن وهي في مقتبل العمر، ما زالت سوار البرقاوي تتشبث بالأمل في إنصافها من قبل القضاء، بحسب يسر الشرقاوي التي أكدت "نستمد قوتنا من صبرها وإيمانها ببراءتها". لافتةً إلى أن شقيقتها لم تندم على نشاطها السياسي، بل عبّرت عن اعتزازها وفخرها بها، فهي رغم "الظلم والتنكيل" ما زالت تقاوم من أجل حريتها وحقها في المشاركة السياسية والانخراط في الشأن العام.