"المرأة السورية والفلكلور الشفهي في القرن العشرين" محور جلسة حوارية
تهدف الجلسة الحوارية إلى تسليط الضوء على الأدوار الحيوية، واستكشاف كيف ساهمت النساء في توثيق الهوية الثقافية لسوريا من خلال الأغاني، الحكايات، الأمثال، والممارسات اليومية، وذلك عبر شهادات حية ورؤى بحثية توثيقية.

راما خلف
دمشق ـ في قلب العاصمة السورية دمشق، أقيمت جلسة حوارية غنية وعميقة تحت عنوان "المرأة السورية والفلكلور الشفهي في القرن العشرين"، بحضور ومشاركة مجموعة من النساء السوريات من مختلف الأعمار والخلفيات الثقافية.
سلطت هذه الجلسة التي نظمت، أمس الأحد 22 حزيران/يونيو، الضوء على دور المرأة في الحفاظ على الذاكرة الجماعية من خلال الحكايات، والأغاني الشعبية، والأمثال، التي شكلت جزءاً أساسياً من الهوية الثقافية السورية.
ركزت الجلسة على الدور المحوري الذي لعبته المرأة السورية، خاصة في بيئاتها الأسرية والمجتمعية في نقل الفلكلور الشفهي جيلاً بعد جيل، فالمرأة لم تكن فقط مستمعة لهذه الروايات، بل كانت الراوية الأساسية، والناقلة الأولى لذاكرة المكان والزمان، والمحفوظة الحية لتراث الشعوب الذي لم يكن يُكتب، بل يُتداول شفهياً.
وتناولت المشاركات في الجلسة تعريف الفلكلور من منظورهن، باعتباره خزاناً للوجدان الشعبي، يحوي في طياته سرداً للتجربة الإنسانية اليومية، بكل ما تحمله من مشاعر، حكم، دروس، وانفعالات، وكان التركيز على أهمية إعادة الاعتبار لهذا التراث الشفهي الذي غالباً ما يُهمش في ظل الاهتمام المتزايد بالمكتوب والمؤرشف.
كما طرحت المشاركات تساؤلات حول كيفية الحفاظ عليه في ظل التحولات المجتمعية المتسارعة والتأثيرات الثقافية الحديثة.
ومن المواضيع التي شغلت حيّزاً واسعاً من النقاش كانت الأغاني الشعبية، مثل "يا ظريف الطول" و"سكابا يا دموع العين"، وكيف كانت النساء يرددنها في لحظات الفرح والحزن، في الحصاد والنسج، في حفلات الزفاف أو أثناء الهدهدة. الأغنية هنا لم تكن فقط للتسلية، بل وسيلة لتوصيل المشاعر، لتعليم القيم، وللتعبير عن الهموم المكبوتة.
كذلك، تم التطرق إلى الأمثال الشعبية ودورها كأداة تربوية وفلسفية بيد النساء، فمثلاً مثل "اللي ما بتعرف تدبّر بيتها، بتهدّ حارتها" أو "البنت متل الورد، بدها مين يسقيها" كانت تستخدم كوسائل لتمرير رسائل سلوكية واجتماعية، بل وحتى سياسية أحياناً، في قالب بسيط لكنه عميق.
وقد أجمعت المشاركات على أن الفلكلور الشفهي لا يمكن عزله عن دور المرأة، فهو لم يكن يوماً مجرد تقليد، بل كان انعكاساً لحياة كاملة، نقلتها النساء بأصواتهن، بلغتهن، وبعاطفتهن الصادقة. المرأة كانت "أرشيفاً حياً"، احتفظ بتفاصيل الحياة اليومية وبذاكرة الجماعة، في ظل غياب وسائل التوثيق الحديثة، أو تهميش المؤسسات الرسمية لهذه الأشكال التعبيرية.
كما طُرحت أفكار حول ضرورة توثيق هذا التراث الشفهي قبل ضياعه، إما عبر مبادرات مجتمعية أو من خلال أعمال بحثية وفنية، تسعى إلى الحفاظ على هذه الذاكرة المتجذرة، وتقديمها للأجيال القادمة بصيغ معاصرة.
واختُتمت الجلسة بالتأكيد على أن الحفاظ على الفلكلور الشفهي هو مسؤولية جماعية وأن المرأة، كما كانت الراوية الأولى، ما زالت قادرة على بعث الحياة في هذه القصص والأغاني والأمثال، لا باعتبارها شيئاً من الماضي، بل كجزء حي ومتجدد من الهوية الثقافية السورية.