المغرب… لقاء فكري يسلط الضوء على دور النساء في صون الذاكرة الثقافية
لتسليط الضوء على دور النساء في الحفاظ على التقاليد وصون الذاكرة الثقافية للمدينة، نظمت جمعية "وشم" للثقافة والفن بمدينة مراكش، لقاءاً ثقافياً وفكرياً تحت عنوان "سيمياء المرأة في كتاب نساء مراكش… تقاليد مدينة وفنون عيش".

رجاء خيرات
المغرب ـ أجمع مشاركون، خلال لقاء فكري على أن النساء لعبن دوراً محورياً في ترسيخ التقاليد وفنون العيش التي ميزت الحياة الاجتماعية للمغاربة، كما أنهن كن الحارسات الأمينات للموروث الثقافي الذي حفظنه من الاندثار.
نظمت جمعية "وشم" للثقافة والفن بمدينة مراكش، أمس الخميس 29 أيار/مايو، لقاءاً ثقافياً وفكرياً تحت عنوان "سيمياء المرأة في كتاب نساء مراكش… تقاليد مدينة وفنون عيش" للكاتبة والأديبة فوزية الكنسوسي، سلط الضوء على دور النساء في الحفاظ على التقاليد وصون الذاكرة الثقافية للمدينة.
وأضاف المتدخلون خلال اللقاء، أن الكتاب هو عبارة عن شهادة حية على كيف يمكن للتقاليد أن تتحول إلى قصور من فن الحياة تتخطى حدود التقليد لتصبح تجسيداً حياً للذات وللذاكرة الجمعية، حيث النساء نسيج قادر على تحويل السكون إلى مجال للجمال والاحتفال، وقد تنوعت تجاربهن ومستويات إبداعهن، إذ أنه رغم التحديات استطعن أن تحولنها للتجديد وإلى فرص الإفصاح عنها من خلال فنون أبدعنها ومارسنها في فضاءات خاصة.
ويقدم الكتاب النساء وهن تتخطين الحدود لتبصمن على الحياة الاجتماعية بتقاليد راسخة في عمق الموروث الثقافي وتخلدن فنون عيش ظلت تتوارثه الأجيال، كما يكشف عن عوالم أنثوية سُجِنت لزمن طويل خلف جدران الصمت، وهو ما دفع بالكاتبة إلى أن تسلط الضوء على التقاليد التي نسجتها النساء وأبدعن في صياغتها، فاعلات منها فنون عيش تبرز حياة اجتماعية تزخر بمقومات حضارية تمتد لقرون.
"التاريخ لم ينصف النساء"
وقالت مؤلفة الكتاب فوزية الكنسوسي، إن فكرة تأليف كتاب عن العادات المدنية وفنون العيش ودور النساء في الحفاظ عليه من خلال نقله للأجيال اللاحقة، تعود إلى أسباب متعددة منها الانتماء والقناعة الراسخة بكون التاريخ لم ينصف النساء اللواتي ظل ذكرهن باهتاً في مجتمع ذكوري أبيسي، فضلاً عن توثيق الموروث الحضاري اللامادي الذي شاركت به المرأة وحفظته في سجل الذاكرة الثقافية للمدينة.
وأوضحت أنه على الرغم عن عدم تعبيرها في الماضي عن منجزاتها، باستثناء بعض المتألقات اللواتي انفلتن من قبضة التجاهل والنسيان، فإن المرأة تقلدت تربية الأولاد ورعاية الزوج، بالإضافة إلى اكتسابها مهارات متعددة خلفتها على أرض الواقع، مؤكدةً أن الهدف الأخير من تأليف الكتاب هو تعريف الشباب والناشئة بدور النساء ووظائفهن الاجتماعية والتربوية، لأن ما جرى به العمل واعتاده الناس من التراث بدأ يتوارى في زمن الوسائل الإلكترونية، حيث تاه الناس واختلطت عليهم الأوراق، ولم تعد للتقاليد والطقوس مكان بين الناس كما كانت في السابق.
"من لا ذاكرة له لا تاريخ له ولا مستقبل"
وعن أهمية الكتاب لفتت إلى أنه لا يمكن لمجتمع أن يتطور دون معرفة أصوله و خاصيات بلده وذاكرته، فمن لا ذاكرة له لا تاريخ له ولا مستقبل، وهو ما دفعها لتوثيق هذه التقاليد من خلال سردها من خلال شهادات وأمثلة حية وصور من أرشيف الحياة الاجتماعية للنساء.
وعن الكتاب الذي صدر باللغتين العربية والفرنسية تحت عنوان "نساء مراكش… تقاليد مدينة وفنون عيش" قالت إنه عبارة عن مشموم باهي الألوان ينبعث منه عبير نساء مراكش، اللواتي تختزن كل معاني الثقافة والتراث اللامادي، حيث تعتبرن حارساته الأمينات ومبدعاته بدون منازع.
"النساء تحافظن على التقاليد وتصنها من الاندثار"
وأكدت، أن مراكش منذ تأسيسيها على يد السلطان يوسف بن تاشفين كانت قد شيدت كهدية لامرأة وبإيعاز من امرأة، حيث جاء في كتاب الاستبصار "بنى لها مراكش حبا فيها وتعظيما لها، وهي كانت وزيرة له"، لافتةً إلى أن مدينة مراكش منذ بدايتها لها علاقة بالنساء وحكايات أميراتها موجودة في كتب التاريخ مثل الداهية والسياسية المحنكة زينب النفزاوية زوجة يوسف بن تاشفين ونساء أخريات كصفية المردنيشية والعالية السعدية ومسعودة الوزكيتية وغيرهن، والصانعات والحرفيات والكثيرات كالوطنية الفدائية فاطمة الزهراء.
وقالت فوزية الكنسوسي، إن الكتاب تناول الواقع المعيش والملقن والذي لقنتها الأمهات للبنات وحفظتها حيوية الأوساط النسوية، وتعتبر من المقومات الحضارية التي بقيت محفوظة لم تندثر مثل اللباس والطبخ وفن العيش والصنعة.
ولفتت المتدخلات إلى أن هذه الطقوس وفنون العيش رغم ما أصابها من إهمال واندثار، إلا أنها لا تزال راسخة في بعض الأوساط المراكشية، حيث لا زالت بعض النساء تحافظن على هذه التقاليد وتصنها من الاندثار.
كما دعين إلى ترجمة الكتاب إلى لغات أخرى كالإنجليزية حتى يتسنى التعريف بهذا الموروث الثقافي الذي ظل راسخاً لقرون، كما أنه يعد ثمرة تلاقح العديد من الحضارات التي شهدها المغرب، وشهدتها مدينة مراكش، باعتبارها عاصمة للعديد من الدول التي تعاقبت على حكم المغرب عبر التاريخ.