المغرب... دعوات لإصلاح مدونة الأسرة وإنهاء "الرق المقنع" الذي يشرعن زواج القاصرات
لتجديد النقاش حول الحاجة الملحة إلى مراجعة جوهرية لمدونة الأسرة، نظمت فيدرالية رابطة حقوق النساء ندوة فكرية تحت عنوان "المراجعة الشاملة والعميقة لمدونة الأسرة بين أجرأة النصوص وتحديات التطبيق".

حنان حارت
المغرب ـ في المغرب تتصاعد دعوات حقوقية ملحة لإصلاح شامل لمدونة الأسرة، ينهي ما تصفه ناشطات نسويات بـ "الرق المقنع" الذي يشرعن زواج الطفلات ويمارس باسم الزواج الشرعي.
نظمت فيدرالية رابطة حقوق النساء أمس الخميس 12 حزيران/يونيو، ندوة فكرية بمدينة المحمدية تحت عنوان "المراجعة الشاملة والعميقة لمدونة الأسرة بين أجرأة النصوص وتحديات التطبيق"، وشكلت الندوة فرصة لتجديد النقاش حول الحاجة الملحة إلى مراجعة جوهرية للمدونة، تضمن العدالة والمساواة الفعلية داخل الأسرة المغربية.
وشهد اللقاء نقاشات معمقة حول محدودية تفعيل النصوص القانونية، في ظل غياب آليات فعالة للوساطة الأسرية، وطرحت المتدخلات والمتدخلون أسئلة جوهرية، من يملك القدرة على ممارسة الوساطة من منطلق ثقافة الحقوق؟ من سيتحمل تكلفتها؟ وهل توجد بنية مؤسساتية قادرة على احتضانها؟ مؤكدين أن الوساطة لا يمكن أن تؤدي دورها دون إشاعة الوعي بالحقوق، والتكوين الجيد والانفتاح على منطق العدالة والمساواة.
وسلطت الندوة الضوء على استمرار ظاهرة زواج الطفلات، رغم وضوح النصوص القانونية، واعتبرت المشاركات أن تبرير هذه الممارسة بالخوف من "الانحراف" أو "الهدر المدرسي" يمثل شرعنة لمأساة لا إنسانية تمارس باسم الأعراف والخوف والفقر.
ووجهت انتقادات حادة للمادتين 20 ـ 21 من مدونة الأسرة، اللتين تسمحان بتزويج من هن دون 18 عام، وتم وصفهما بـ"مدخل لرق مقنع"، مع الدعوة إلى إلغائهما بشكل نهائي، ووضع سياسات عمومية شاملة لتمكين الفتيات من التعليم والصحة والحماية من العنف، بدل الدفع بهن نحو مصير قاتم تحت غطاء "الزواج الشرعي".
وتمت الإشارة بشكل خاص إلى هشاشة وضع القاصرات في العالم القروي، حيث ترتفع نسب زواجهن، نتيجة تقاطع عوامل الفقر، والأمية، وغياب البنية التحتية التربوية. كما دعت المداخلات إلى تأهيل القضاة وممارسي العدالة ليكونوا أكثر وعياً بحقوق الطفل، مع توفير آليات إيواء ودعم للطرف المتضرر خصوصاً ضحايا العنف والاغتصاب.
وعلى هامش الندوة، أكدت الناشطة الحقوقية نبيلة جلال، عضوة فيدرالية رابطة حقوق النساء، أن المعركة ليست فقط مع نص قانوني بل مع ثقافة وممارسات ومؤسسات، مشددةً على أن التحول يجب أن يكون جذرياً ويواكب طموحات النساء ويوفر حماية حقيقية للطفلات في مغرب بالقرن 21، مضيفةً أن المطلوب ليس إصلاحات شكلية، بل تعديل عميق وشامل يستجيب لتحولات المجتمع المغربي، ومعاناة النساء، وما أفرزته الممارسة القضائية اليومية خلال عقدين من تطبيق المدونة الحالية.
وأكدت أن مشاركة الفيدرالية في هذا النقاش ليست ظرفية ولا موسمية، بل نابعة من التزام راسخ بالحراك النسائي ووعي عميق بضرورة تطوير المنظومة القانونية الأسرية، مشيرةً إلى أن تنظيم الندوة جاء في سياق بناء أرضية جماعية للترافع الحقوقي، تجمع فاعلات وفاعلين من مشارب مختلفة، بعيداً عن التجاذبات السياسية أو الفقهية، بهدف بلورة رؤية جماعية لمدونة أسرة أكثر عدالة، تضمن الولوج الفعلي للنساء إلى الحقوق.
وشددت على أن المدونة المنشودة ليست فقط تعديلات تقنية، بل هندسة شاملة لمقاربة الأسرة، تنبني على المساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية، بدلًا من التأويلات التمييزية للنصوص، معتبرة أن التحدي الحقيقي اليوم هو أن تصبح المدونة أداة فعالة لإنصاف النساء، لا أن تبقى مجرد حبر على ورق.
هذا واختتمت الندوة بدعوات قوية لإعادة النظر في فلسفة التعامل مع قضايا الأسرة، انطلاقاً من مصلحة الطفل الفضلى وحق النساء في الكرامة والإنصاف.